الشباب يخطفون الأضواء من الكبار في الدراما المصرية

ظلت الدراما المصرية ملعبا خاصا لعدد كبير من نجوم الدراما الكبار من ذوي الشعبية الجماهيرية الطاغية قبل أن تجد غزوا من قبل نجوم شباب من الجنسين، وجدت طريقها السريع إلى البطولة عبر بوابة المسلسلات القصيرة التي تتناسب مع طبيعة التغيرات الحاصلة في مزاج الجمهور، خاصة مع انجذابه الكبير إلى المنصات الرقمية، والحاجة إلى إنتاج أعمال كثيرة خلال فترة وجيزة.
القاهرة - استفاد الجيل الجديد من الممثلين الشبان من التحوّل الكبير الذي يشهده الإنتاج الدرامي المصري حاليا، من حيث الاعتماد المفرط على الحكايات القصيرة، والتي يتراوح عدد حلقاتها بين خمس وعشر حلقات، بنظام الحلقات المنفصلة المتصلة التي تندرج جميعها ضمن مسلسل واحد له عنوان عريض يضمّها.
واعتمدت مسلسلات مثل “نصيبي وقسمتك”، و”ورا كل باب”، و”زي القمر” و”ليه لأ”، و”إلا أنا” على هذه الفكرة بصورة رئيسية وما صاحبها من ثيمة شبابية، والتي ذاع صيتها في الآونة الأخيرة على عدد من القنوات المصرية، الأمر الذي دفع البعض من الشباب إلى ساحة البطولة المطلقة، على حساب جيل من النجوم الذين توارى عدد كبير منهم وأفسحوا لنجوم واعدين أثبت بعضهم جدارته بالفرصة التي أتيحت لهم.
وتحاول الدراما التلفزيونية المصرية تغيير جلدها بعد إيجاد مساحة منافسة مع شبكات البث الرقمي التي جذبت قطاعا من الجمهور إليها عبر الحلقات القصيرة، والتي يقدّم بعضها أعمالا مغرية ماديا، حيث تصل إلى نحو الدولارين للاشتراك في الشهر الواحد.
ويُعيد القطاع الدرامي هيكلة نفسه ليواكب المشاهدة عبر الإنترنت مع تنامي استخدام الهواتف الذكية مقدّما الأحداث باقتضاب سريع من دون ملل، مع التركيز على التشويق أكثر من القدرات التمثيلية، وهو ما لا يتطلب ممثلين من العيار الثقيل، وقد نجح عدد من الوجوه في استثمار الفرصة وتشبثوا بها وتمكنوا من تحقيق رواج لافت لهم.
وزاد حجم مشاهدة الأفلام والمسلسلات التلفزيونية في مصر من خلال تطبيقات ومنصات بثّ الفيديوهات عبر الإنترنت بنسبة سبع وثلاثين في المئة في شهر سبتمبر الماضي، وهو ما يعني أن فكرة اللجوء إلى النجوم الشباب قابلة لتحقيق المزيد من النجاح، ففي غالبية الأعمال التي عرضت في الفترة الماضية كان الشباب هم النواة التي اعتمدت عليها المسلسلات التي قدّمت وأخذت تتصاعد بصورة واضحة.
وحسب الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، فإن عدد زوار مواقع البثّ الرقمي بمصر وصل إلى اثنين وعشرين مليون مشاهد في سبتمبر، وذلك بإجمالي مليار زيارة خلال شهر واحد فقط، وهو ما فرض دخول شركات إنتاج جديدة إلى المجال، وبالتالي توسيع نطاق تجربة الاستعانة بالشباب.
قصور الخيال
تفتح المسلسلات القصيرة التي يلعب فيها الشباب دورا حيويا نافذة تسويقية جديدة للعرض على مواقع البثّ الرقمي التي لديها اشتراطات في نوعية الأعمال المعروضة، أهمها أن تكون الفكرة والممثلون مواكبين للجمهور من الأعمار الصغيرة.
واستفاد الجيل الشاب من قصور خيال كتاب الدراما الذين باتوا عاجزين عن توليد أحداث شيقة للأعمال الطويلة فوجدوا ضالتهم في المجموعات النوعية المغلقة للمشكلات الأسرية في مواقع التواصل الاجتماعي، وبريد القراء في الصحف المحلية، لاقتباس أفكار سريعة ومنها تمكن إضافة بعض التوابل عليها لتصبح صالحة دراميا.

ولا يفضل النجوم الكبار المشاركة في تلك النوعيات من المسلسلات القصيرة التي لا تعطيهم مساحة للإبداع الفني وفقا لما تربوا إليه من مفاهيم أو فرض إملاءاتهم المالية على المنتجين، فالخمس حلقات تعادل في أجرهم المعتاد نحو مئة وثلاثين ألف دولار في المسلسل الطويل الذي يصل عدد حلقاته نحو ثلاثين حلقة.
وربما يكون النجاح الكبير للسينما المستقلة في المهرجانات العالمية أحد البواعث على إعطاء الفرصة للوجوه الجديدة دراميا، ففنانة مثل دينا ماهر كانت بدايتها الحقيقية عبر فيلم “الخروج للنهار” الذي تمّ تصنيفه كفيلم مستقل قبل أن تثبت بقوة قدراتها في عالمي الدراما والسينما حاليا، وتشارك في عدد من الأعمال التي لفتت الانتباه إليها.
ورغم مراهنة النقاد على تلك النوعية من الدراما في حل مشكلات مزمنة في الأعمال الطويلة في مقدّمتها الاقتباس والتكرار، إلاّ أنها لم تتحرّر من العيب ذاته بل فاقمته بعدما كرّرت المشكلات عينها ما ولّد مجالا للمقارنة بين قدرات الممثلين والتي لم تكن في صالح بعضهم.
وتستهدف الدراما الجديدة شريحة واسعة من الشباب عبر حكايات قريبة من عالمهم عن المشكلات الزوجية والعلاقات العاطفية والعيوب الجسمانية، وكي تصل إلى أهدافها يجب تقديمها عبر من يقاربونهم سنا واقترابها من عالم التنمية البشرية بتقديم شحنات أمل عن تجاوز الصعوبات والوصول إلى النهاية السعيدة.
وتبدو حكاية “النظارة البيضا” ضمن المسلسل الشهير “نصيبي وقسمتك” بطولة الفنان أمير المصري مثالا على ذلك، حيث تدور حول قصة مدرس جامعي يخترع نظارة تستطيع كشف الكذب، فيكتشف خداع المحيطين به، والفكرة شبيهة بفيلم “أرض النفاق” الذي قدّم في ستينات القرن الماضي الذي كان بطولة الفنان الراحل فؤاد المهندس، والذي أعاد الفنان محمد هنيدي تقديمه مؤخرا في مسلسل حمل العنوان ذاته.
توجيه أم إبداع
تحاول تلك الحكايات أن تواكب توجهات الدولة المصرية ما يعطي إيحاء بكونها موجهة لتحقيق أهداف معينة، فحكاية “حلم حياتي” بطولة الفنانة الشابة مايان السيد ويوسف عثمان ومنة عرفة من مسلسل “إلا أنا”، تتناول حياة فتاة مصابة بالتوحد، وكيفية مواجهتها للعديد من المواقف الصعبة بسبب مرضها وحرصها على تحقيق حلمها وهو التمثيل، ويتقاطع ذلك تماما مع الاهتمام الرسمي بذوي الاحتياجات الخاصة.
والأمر ذاته يتكرّر في حكاية “تقلها دهب” من المسلسل ذاته، أي “إلا أنا”، وتحكي عن بطلات مصر في الأولمبياد، واللاتي صادفن تكريما من غالبية مؤسّسات الدولة في الأشهر الأخيرة، ومنحت هذه الأعمال مساحة كبيرة للشابات ليظهرن تفوقهنّ.
وتحوّلت التجارب الدرامية القصيرة إلى تجارب أداء لأبناء الممثلين وكتاب السيناريو الذين دفعوا بأبنائهم للمشاركة فيها وآخرهم عمر ابن الفنان محمد رياض الذي ينضمّ إلى ابن خاله محمود عمرو محمود ياسين، وكلاهما من أحفاد الفنانين محمود ياسين وزوجته شهيرة.

وأكّدت الناقدة الفنية ماجدة خيرالله لـ”العرب” أن المعيار الأساسي لنجاح الممثل هو الأداء إلى جانب القبول وهي “هبة ربانية” فبعض الممثلين يتواجدون في مشهد واحد، لكن يتجه إعجاب الجمهور نحوهم حتى لو كانت نسبة المساهمة في الحوار محدودة، وأي فنان يستطيع أن يكون بطلا، فالتمثيل موهبة وإحساس يختمر بالتدريب، إلى جانب الثقافة التي تجعل الفنان يدرك أبعاد الشخصية التي يقدّمها جيدا.
وتفتقر بعض الوجوه الشبابية التي تتمّ الاستعانة بها في المسلسلات القصيرة للقدرات التمثيلية، ومنهم من لا يملك خبرة تؤهله للقيام بدور شخصيات محورية في الأحداث أو مواكبة رد الفعل لمستوى الحدث.
وقالت خيرالله إن نجاح أي عمل يتطلب توفير البيئة المناسبة لخروج موهبة الفنان في أفضل صورة، لذلك بعض الفنانين يؤدّون جيدا في أعمال ولا ينجحون في أخرى.
واستقطب الفاعلون في القطاع الدرامي أخيرا مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوبرز ومغني الراب لأعمالهم لجذب جمهورهم للمشاهدة مثل اليوتيوبر محمود السيسي الذي يشارك في مسلسل "أنا وهي" مع أحمد حاتم وهنا الزاهد، ومطرب الراب "ويجز" الذي يشارك في مسلسل “بيمبو” مع أحمد مالك.
كما تحرّرت تلك الأعمال من ظاهرة ضيوف الشرف ونمطية اختيار فريق العمل والتكرار الفجّ لأسماء كبيرة، مثل بيومي فؤاد وصلاح عبدالله، وأعادت تقديم فنانين مخضرمين اختفوا منذ سنوات عن الوسط لغياب الفرص التمثيلية في الأدوار الثانوية، ما أكسبها شعبية أيضا بين كبار السن.
ولا يتطلب التمثيل سوى موهبة وثقافة فنية في كيفية التعامل مع آلات التصوير وتوصيل الإحساس الصادق من دون افتعال، وهو أمر لا يفرق معه العمر سوى في الخبرة التي يتمّ اكتسابها عبر التراكم الزمني، فهناك البعض من الشباب استطاعوا تقديم أدوار لامعة بعد تجارب قليلة لهم.