الشباب العرب يدفعون فاتورة تدني مستوى التعليم من مستقبلهم

أضاف خروج دول عربية من مؤشر جودة التعليم العالمي أعباء جديدة على الشباب في تلك الدول الذين يعانون أصلا من أزمات أخرى تعيق ضمان مستقبلهم، فتدني التعليم حتى وإن لم يؤثر على قبولهم في بعض الجامعات الغربية لكنه يضعف فرصهم في دول أخرى ويصعّب المنافسة الوظيفية عليهم.
بغداد – انعكست أصداء خروج ست دول عربية من تقييم جودة التعليم العالمي على الطلاب الذين مازالوا يتابعون دراستهم في جامعات هذه الدول، وأعرب الكثير منهم عن خشيتهم من تأثير هذا الخروج على مستقبلهم الدراسي خارج البلاد وحظوظهم في العمل بالسوق الدولية.
وقد اعتبر مؤشر دافوس لجودة التعليم كلا من ليبيا والسودان وسوريا والعراق واليمن والصومال دولا غير مصنفة في المؤشر لسوء النظام التعليمي فيها، إذ لا تتوفر فيها أبسط معايير الجودة في التعليم بحسب المؤشر.
وازدادت الإشاعات بين الشباب بشأن تداعيات هذه المسألة، أنها قد تؤدي إلى حرمانهم من مواصلة تعليمهم الجامعي خارج البلاد، مع احتمال عدم الاعتراف بالشهادات الصادرة من المؤسسات التعليمية والأكاديمية في هذه الدول. وبغض النظر عن عدم صحة هذه المعلومات إلا أن هناك واقعا تعليميا سيئا يعيشه الشباب في هذه الدول، تجعله قلقا على مستقبله.
الخبرة المهنية
ويعتبر إيجاد فرصة عمل في الخارج حلما للكثير من الخريجين الطامحين إلى تحقيق ذواتهم واستكشاف عوالم وثقافات أخرى وتجربة العيش في الخارج وكسب المال بالعملة الصعبة، لذلك يخشون أن يؤثر خروج دولهم من التقييم العالمي ويكون ذلك بمثابة إجهاض لهذا الحلم.
لكن الواقع أن الاندماج في سوق العمل الدولية لا يتعلق بجودة الجامعات في الدول العربية، إذ إن معظم الوظائف تحتاج إلى خبرة مهنية في وظيفة سابقة أو تدريب مهني بعد معادلة الشهادات. ومن هنا يدخل الفرد في دائرة مفرغة تجعله يفقد الأمل في الكثير من الأحيان في الحصول على وظيفة مناسبة والبعض يقضي سنوات يبحث عن عمل، ولا يجد أي عمل يتناسب مع مؤهله التعليمي.. ولكن هناك أشكالا أخرى لاكتساب الخبرات المهنية، تجعل الخريج يفوز في المنافسات العملية ويحصل على وظيفة في بلده أو في دولة أجنبية دون وجود سابقة توظيف لديه. ومنها الحصول على شهادة تدريب مهني بعد قضاء فترة الدراسة الجامعية والإلمام بمتطلبات سوق العمل الحديث والمشكلات العملية، والابتكار في وضع حلول عصرية والاختلاط بالخبراء والمتخصصين لاكتساب مهارات وأسرار العمل منهم.
وينصح رئيس جمعية المهندسين العرب في الولايات المتحدة المهاجرين الجدد حاملي الشهادات الجامعية، بأن تكون لديهم طموحات وأهداف بعيدة المدى، والتقرب من المنظمات المهنية العربية الموجودة في الولايات المتحدة، والتي تساعد الشباب وتوجهه نحو الطريق الصحيح.
ويؤكد العديد من الطلاب العرب أنهم يدركون أن صعوبات العمل خارج البلاد لا تتعلق بمصدر شهاداتهم الجامعية، رغم تفاوت هذه الحقيقة بحسب الدول، فما يصح في أوروبا والولايات المتحدة لا ينطبق على الخليج العربي، حيث الدراسة في الجامعات الدولية المرموقة مصدر فخر للطلاب ويعتبر عاملا مهما عند اختيار الموظفين من بين خريجي الجامعات الأخرى، خصوصا الحكومية في الدول الخارجة عن تصنيف جودة التعليم.
وبالنسبة للعراقيين فإن للأمر تأثيرا نفسيا كبيرا، بعد أن كان العراق يمتلك في فترة ما قبل حرب الخليج الثانية عام 1991 نظاما تعليميا يُعتبر من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة، وكانت نسبة الأمية في فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي تكاد تقترب من الصفر، حيث كانت الحكومة العراقية ترعى حملات محو الأمية.
ويرى الشباب أن ضعف التعليم مؤشر على مدى الانهيار الذي تشهده البلاد على كافة الصعد، محمّلين الحكومات المتعاقبة مسؤولية هذا الانهيار.
وكانت وزارتا التربية والتعليم العالي من أوائل الوزارات التي تعرضت إلى الانهيار إثر خطط وبرامج وضعتها حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، يغلب عليها الطابع الانقلابي الثأري الذي انطلق من اعتبار كل المناهج الدراسية هي جزء من تراث حكم البعث الذي يجب أن يُزال بالكامل.
وتم نهب المخصصات المالية لبناء المدارس والمعاهد وصيانة الجامعات عبر عقود وهمية كانت تبنى فيها المدارس على الورق فقط.
وشاعت ظاهرة الشهادات المزوّرة، الأمر الذي أضعف من ثقة المؤسسة بإمكانية أن تستعيد هيبتها ومكانتها على المستوى الاجتماعي.
وعبّر مصدر برلماني عراقي عن عدم تفاجئه بخروج العراق من مؤشر دافوس لجودة التعليم، في وقت يتم الإعلان فيه عن تأسيس جامعة جديدة باسم جامعة الشهداء يشرف عليها الحشد الشعبي على غرار ما يفعله الحرس الثوري الإيراني، واصفا الأمر بـ”الضربة الأخيرة التي تدفع بالتعليم إلى هاوية مؤكدة”.
العديد من الجامعات الغربية تعتمد اختبار الطلاب وتحديد مستواهم بغض النظر عن جهة إصدار شهاداتهم
وعزا الدكتور هاشم حسن التميمي العميد السابق لكلية الإعلام في جامعة بغداد، التراجع في التعليم إلى عدم استقلالية الوزارة والهيمنة على قرار الجامعات، مع غياب الاستراتيجية والتدخل السافر من مجلس النواب والأحزاب في سياسات القبول، واختيار القيادات العلمية في الجامعات والكليات بحسب نظام المحاصصة وعلى أسس الولاء وليس الأداء.
واتهم العميد السابق لكلية الإعلام في جامعة بغداد ممثلية اليونسكو في العراق بممارسة دور مخادع وعدم إرسال تقارير واقعية عن تردي أوضاع الثقافة والتعليم.
وقال التميمي في تصريح سابق لـ”العرب”، “انهار التعليم العالي بسبب التوسع غير المدروس والتخلي عن معايير الجودة في القبول، واعتماد 18 قناة خاصة يقبل فيها الطالب في الدراسات العليا على أسس سياسية والتخلي عن الخبرة والكفاءة”.
واعتبر التميمي الذي قضى عقودا في حقل التعليم الجامعي أن سياسات الامتحانات ذات الأدوار المتعددة التي تسمح باجتياز المراحل الدراسية شكليا، شكلت بداية الانهيار عندما تم التخلي عن شروط الامتحان التنافسي وأصبحت الأبحاث في أغلبها سطحية والمناقشات للأطاريح تخضع للصفقات والأمزجة، بعيدا عن الرصد والتقييم.
وتخرّج الجامعات العراقية سنويا جيوشا من طلبة الدراسات العليا دون حاجة المجتمع إلى شهاداتهم وعدم توفر البنية التحتية لدراساتهم، فضلا عن كون شروط قبولهم لم تكن رصينة.
وانهار ما تبقى من جودة بسبب هيمنة مجلس النواب العراقي على القرارات التعليمية وتهميش عمل وزارة التعليم، وكان من أخطر الأسباب في خراب التعليم في العراق، حسب التميمي، قانون معادلة الشهادات والترقيات الذي كان بمثابة شرعنة للشهادات المزورة وتلبية لرغبات النواب والأحزاب بالحصول على شهادات عليا.
وقال الأكاديمي العراقي رحيم مزيد الكعبي “ليست هي المرة الأولى التي تعلن فيها مؤسسات تعليمية دولية عن استثنائها العراق من تصنيفاتها السنوية. أصبح الأمر معتادا وروتينيا، والقائمون على شؤون التعليم في العراق بمراحله المختلفة لا يملكون حلولا ناجعة”.
وأضاف الكعبي في تصريح سابق لـ”العرب”، “قد تبدو مشكلة التعليم في العراق، للوهلة الأولى، فنية تتعلق بتطوير أداء الملكات التدريسية وتحديث المناهج ووضع رؤى مستقبلية لمواكبة ما يشهده العالم من طفرات، وتوفير متطلبات دخول التصنيفات العالمية الرصينة، وتجويد البحوث ونشرها في مجلات علمية ضمن مستوعبات Scopus وإعادة النظر بشروط الترقيات العلمية التي منحت الصالح والطالح درجة بروفيسور، وغير ذلك الكثير، إلا أن الأمر في جوهره وحقيقته سياسي محض، منه ما يتعلق بكيفية المحاصصة التي تُدار بها وزارات مثل التربية والتعليم العالي والعلوم والتكنولوجيا مثلها مثل غيرها من وزارات الدولة العراقية التي لا تسمح بوصول الكفاءات الحقيقية إلى المواقع القيادية فيها، لمصلحة مرشحي الأحزاب الحاكمة بغض النظر عن كفاءتهم وأهليتهم لتولي المناصب القيادية من وزير ووكيل وزارة ورئيس جامعة”.
إضعاف التعليم متعمد
وتبرز وجهة نظر أخرى تتعلق بتعمد إضعاف المنظومة التعليمية في بعض الدول، لأن التعليم ينتج مجتمعات متوسطة تطالب بالمشاركة السياسية، والتعليم يساعد الناس على إدراك مصالحهم ورفض الطاعة العمياء، فالشعوب يجب أن تكون مغيبة كي يستمر الحكم في دائرة مغلقة تتبادل السلطة والثروة.
ففي اليمن على سبيل المثال يتداول ناشطون أسئلة تمارين في أحد المناهج الدراسية يدل على غباء ما يحتوي المنهج من معلومات وأنشطة، وهو ما لم يكن غريبا بحسب الكثيرين، على بلد يشهد للعام السابع على التوالي حربا دامية، إضافة إلى وزارتي تربية وتعليم في حكومتين، وما تشهده مناطق سيطرة الحوثيين من انتهاكات للتعليم وتحريف للمناهج وشحنها طائفيا.
وكثرت الأقاويل في اليمن بعد خروجه للعام السادس من المؤشر والآثار الناتجة عنه، وأبرز ما تم الحديث عنه بشكل واسع هو أنه قد يؤدي ذلك إلى إلغاء الشهادة التعليمية الصادرة في اليمن، غير أن وزارة التربية والتعليم نفت تلك الأخبار وقال مدير عام الإدارة العامة للإعلام التربوي، محمد الدباء، إن “معايير جودة التعليم لا تلغي الشهادات التعليمية عن أي بلد لم يوفق في تقييم جودة التعليم”.
وأكد الدباء أن “ما ورد بشأن أن خروج اليمن إلى جانب خمس دول عربية أخرى من التقييم العالمي لجودة التعليم سوف يضع قيودا على سياسات القبول للطلبة المبتعثين مستقبلا، بسبب تدني مستوى التعليم قبل الجامعي، مجرد إدعاء جزافي وغير صحيح ويفتقر للأدلة والبراهين”.
وأضاف “هناك اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف إقليمية ودولية توثق الاعتراف المتبادل بالوثائق الصادرة عن المؤسسات التعليمية”.
ويرى خبراء وتربويون أن خروج اليمن من المؤشر العالمي يعني أنه إذا لم يتم الانتباه لمؤسسات التعليم فستترتب على ذلك آثار وخيمة، أهمها أن الشباب الخريجيين في البلاد سيكونون للسوق المحلي فقط، ولن يسمح لأي خريج للعمل إقليميا أو دوليا إذا لم تتم مراجعة وتطوير البرامج الأكاديمية وتأهيلها للاعتماد.
ولفت التربويون إلى النتائج الخرافية لطلاب الثانوية العامة، والتي تعكس اللا منطق في مستوى التعليم قبل الجامعي المتدني والنتائج التي تصل إلى 99 في المئة مما يشكك دول العالم بهذه النتائج، إضافة إلى أنه سيتم تهميش الشراكات الدولية مع المؤسسات التعليمية في اليمن ولن يتم الاعتراف بها أو تجديد البروتوكولات، الأمر الذي سيضع قيودا على استكمال الطلاب دراستهم في الخارج.
وأكدوا أن مؤشر رواتب المعلمين وأعضاء هيئة التدريس من العلماء والخبراء والمفكرين في الجامعات في أدنى مستوياته، ما يعطي نتيجة سلبية أمام المؤسسات المناظرة عربيا ودوليا، ويتسبب في نزيف الأدمغة وهجرة الكفاءات إلى الخارج.
وشددوا على أنه إذا لم يتم الانتباه إلى تلك التقارير وأسبابها ستكون بين اليمنيين والآخرين فجوة لن يستطيع أحد ردمها، إلا بعد سنوات طويلة، ولن تكون لمؤسسات البلاد الجامعية فرص التبادل الثقافي بينهم وبين نظرائهم عربيا ودوليا، بوصف أن الآخرين لن يوفروا أبناءهم لتلقي التعليم في اليمن وبالتالي سيقتصر الابتعاث فقط على نفقة الدولة.
وقال الدكتور عبدالقوي القدسي، وهو مستشار في وزارة التربية والتعليم اليمنية، “ليست هي السنة الأولى التي يعد فيها اليمن خارج التقييم وكذلك دول أخرى، ولكنها السنة الأولى التي تم الترويج لقضية بطلان الشهادات اليمنية، ومما يجدر قوله هو أن هذا التقييم لا علاقة له بالاعتماد الأكاديمي، في مؤسسات الاعتماد الأكاديمي الدولية لديها معايير خاصة، وهناك بروتوكولات ضابطة لاعتماد أو عدم الاعتراف بأي مؤهلات، وهذه الاتفاقات العالمية أو الثنائية ملزمة للأطراف الموقعة عليها، وعليه فإننا نجد بعض الدول لا تعترف بالشهادات الصادرة من بعض الجامعات وتضع معايير معينة للقبول في جامعاتها”.
وأضاف القدسي أن هناك جامعات تعتمد على اختبار الطالب وتحديد مستواه بغض النظر عن شهادته وجهة إصدارها، وبناء عليه تقرر اعتماد سنة تأسيسية أو سنتين قبل التحاق الطالب بالتخصص المطلوب.
وتابع أن “مؤشر دافوس في جودة التعليم ليس هو المؤشر العالمي الذي يتم اتخاذ القرارات في اعتماد الشهادات أو إلغائها وفقا له، كما أنه ليس هو المؤشر الوحيد للجودة، فهناك مؤشرات لمؤسسات غير حكومية كثيرة، وللعلم فإن الكثير من تلك المؤشرات تتعامل مع شكليات ومظاهر الجودة ولا تغوص في تفاصيل العملية التعليمية، ومن هنا فإننا نجد صعود الكثير من الدول الثرية في الترتيب نظرا لإمكاناتها التي تؤهلها للعمل على توفير المعايير الشكلية للجودة، في حين أننا لو دققنا في المخرجات التعليمية لأصابتنا الدهشة”.
ونوه “نحن لا نشك طرفة عين بأن التعليم في اليمن منهار، وبأن النظام التعليمي بحاجة إلى تغيير جذري بحيث يتواكب مع تطورات الحياة ومتطلبات سوق العمل المحلية والعالمية، ولكن هذا لا يعني أن المؤهلات التي يحصل عليها أبناؤنا غير معتمدة”.
ويؤكد اليمنيون حاجتهم إلى تغيير يشمل السلم التعليمي والمناهج ونظام التقويم، ويتبعه تغيير في كل عناصر العملية التعليمية وإعادة تأهيل البنى التحتية لمؤسسات التعليم، بحيث تستوعب عملية التغيير.
