الشباب الأردني متوجس من الانخراط في الأحزاب رغم الإغراءات

ندوات ولقاءات توعية.. لكن دون المأمول.
الخميس 2023/12/28
لسان حال جزء من الشباب الأردني: لا نريد مشاركة صورية

لا تزال النسبة الأكبر من الشباب الأردني متوجسة من الانخراط في الحياة السياسية والانضمام إلى الأحزاب، على الرغم من الندوات واللقاءات التوعوية التي تقوم بها الأحزاب والحكومة، ويعود ذلك إلى عدة أسباب من بينها غياب الثقة، وإرث الأحكام العرفية، وما خلفته من ندوب في الوعي الجمعي للأردنيين.

عمان – تقول أوساط سياسية أردنية إنه لا تزال هناك فجوة عميقة بين الانتظارات والواقع، في ما يتعلق بإقناع الشباب الأردني بأهمية الانخراط في الفعل السياسي، وأن يكون له دور أساسي في تجسيد عملية التحديث التي انطلقت بها المملكة منذ العام 2022.

وتوضح الأوساط أن أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع الشباب إلى التردد في المشاركة في الحياة السياسية هو عدم الثقة في الأحزاب المستحدثة في السنوات الأخيرة، التي يعتبرونها جزءا من ماكنة السلطة، وغطاء لها.

وتضيف الأوساط ذاتها أن الأمر ينسحب أيضا على الأحزاب التقليدية في الأردن، حيث إنها لا تشكل إغراء كبيرا للشباب للانضمام إليها لاعتبارات مختلفة بينها أن تلك الأحزاب لم تقم بالمراجعات المطلوبة وظلت وفية لأدبيات تجاوزها الزمن.

نضال البطاينة: الشباب هم المتضرر الأول من العزوف عن الانضمام إلى الأحزاب
نضال البطاينة: الشباب هم المتضرر الأول من العزوف عن الانضمام إلى الأحزاب

وانخرطت الأحزاب الأردنية بقوة في جهود الحكومة لإقناع الشباب بأهمية الانخراط في الشأن العام، بعد عملية التحديث السياسي التي أطلقت خلال العامين الأخيرين، والمبنية على أساس تمكين القوى الحزبية، وصولا إلى الهدف المنشود بتركيز حكومات برلمانية.

وتحرص الأحزاب في الأردن على عقد ورشات ولقاءات مع هذه الشريحة التي تمثل أكثر من نصف الكتلة المجتمعية، والتي ظلت لسنوات طويلة بعيدة عن العمل السياسي لأسباب عديدة بينها حالة الانغلاق السائدة في المملكة، وإرث الأحكام العرفية. 

وتقول الأوساط إن غلق المجال العام أمام الأحزاب لعقود طويلة أثر في الوعي الجمعي، وجعل الشباب يخشى من المجازفة في المشاركة في الحياة السياسية، كما أن الاعتقالات المستمرة للنشطاء لمجرد إبداء موقف أو انتقاد تعزز مثل هذه المخاوف.

وخلال لقاء عقده مع طلبة كلية معان الجامعية، قال الأمين العام لحزب إرادة نضال البطاينة إن الشباب هم الفئة الأوسع المستفيدة من مشروع التحديث السياسي، وفي حال عزوفهم عن الانضمام إلى الأحزاب فهم المتضرر الأول.

وأوضح البطاينة أنه لم يعد هناك أي تخوف من الانضمام إلى الأحزاب بعد تجريم التعرض للمتحزبين، داعيا الشباب إلى الانخراط في أحزاب وطنية برامجية لا ترتبط بأجندات خارجية، وثوابتها الوطن والمواطن والملك والقوات المسلحة، ودون ذلك فإنه قابل للنقاش والبحث، وأكد البطاينة أن طلاب المكرمة أصبح بمقدورهم التحزب الآن دون التأثير على مكرمتهم هم وذويهم من المتقاعدين العسكريين.

وكما هو الحال بالنسبة لباقي الأحزاب الناشئة، يحاول حزب إرادة الذي تأسس في مايو 2022 عقب صدور مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، إقناع الشباب بالانضمام إلى طروحاته، عبر عقد ندوات مكثفة لكن الأمر قد يحتاج إلى أكثر من ذلك وأن لا يقتصر على استقطاب هذه الشريحة بعقلية الاستفادة منها كخزان انتخابي.

ومن الملاحظ أن الأحزاب كثفت من اتصالها المباشر بالشباب خلال الفترة الأخيرة، فيما يعكس أنها تضع في حساباتها الانتخابات البرلمانية التي لم يعد يفصل عن إجرائها سوى بضعة أشهر.

وتشكل الانتخابات المنتظرة العام المقبل أهمية استثنائية لكونها تأتي تجسيدا لمخرجات عملية التحديث السياسي، والتي منحت الأحزاب فرصة حقيقية للمشاركة في مراكز صنع القرار، من خلال التعديلات التي أدخلت على قانوني الأحزاب والانتخابات.

الأحزاب الحديثة تسعى إلى فرض نفسها في الانتخابات المقبلة مع تآكل القاعدة الشعبية للأحزاب التقليدية، وهو ما يجعلها حريصة على كسب دعم الشباب

ووفقا لتلك التعديلات، فإنه بات بالإمكان للأحزاب أن تكون لها اليد الطولى في البرلمان، وذلك على حساب باقي المكونات وخصوصا المكون العشائري، الذي جرى تحجيم حضوره، بفعل قلق رسمي تعاظم مع قضية المؤامرة التي كان أحد المتهمين فيها الأمير حمزة الأخ غير الشقيق للملك عبدالله الثاني.

وتسعى الأحزاب الحديثة إلى فرض نفسها في الانتخابات المقبلة مع تآكل القاعدة الشعبية للأحزاب التقليدية، وهو ما يجعلها حريصة على كسب دعم الشباب، لكن خطاب معظمها ظل متماهيا إلى حد كبير مع السلطة السياسية وخاليا من أي نفس معارض أو منتقد، وهو ما تريده السلطة التي تعمل على خلق ظهير حزبي قوي يدعم خياراتها، لكن في المقابل لا يلقى تأييدا في صفوف الكثير من الشباب الذين لديهم مواقف حيال الكثير من الخيارات والتوجهات الرسمية لاسيما في علاقة بمسألة الحريات، والملف الاقتصادي.

ويقول كتاب ومحللون إن ذلك لا يعني أن مساعي تلك الأحزاب الناشئة لاستقطاب الشباب فاشلة، لكن ما هو محقق حتى الآن يبقى دون المأمول بالنسبة إليها.

ويشير هؤلاء إلى معضلة أخرى وهي أن جزء كبيرا من الشباب الأردني واقع تحت ضغوط الحياة المعيشية مع تفشي ظاهرة البطالة لاسيما في صفوف حملة الشهائد العليا، وبالتالي فإن الانخراط في العمل الحزبي لا يشكل إغراء، وهو ترف بالنسبة للكثير منهم.

غلق المجال العام أمام الأحزاب لعقود طويلة أثر في الوعي الجمعي، وجعل الشباب يخشى من المجازفة في المشاركة في الحياة السياسية

ويلفتون إلى أن الدولة جادة في خلق حياة حزبية نشطة في المملكة، لكن ضمن سقف محدد، قد لا يرقى إلى طموح الشباب الأردني، إلا أن ذلك لا يعني البقاء في المربع السلبي، وأن على الشباب الإيمان بأن فكرة التغيير لا يمكن أن تحصل إلا من الداخل والانخراط بشكل فعال في الشأن العام سواء من خلال العمل الحزبي أو غيره من الهياكل.

ويرى الكاتب الأردني أيوب الخرشة أن المشاركة السياسية للشباب، بالرغم من تحسنها، فإنها لا تزال دون المستوى المطلوب. وتظل هناك تحديات تتعلق بالبطالة والحاجة إلى تطوير التعليم والتدريب السياسي، والتي تشكل عقبات أمام إشراك الشباب بشكل أكثر فعالية في الحياة السياسية.

ويضيف الكاتب في مقال له “لعل أحد الجوانب الأكثر أهمية في هذه العملية هو الحاجة إلى تعزيز الثقة بين الشباب والأحزاب السياسية. يجب على الأحزاب أن تظهر بأنها لا تسعى فقط لاستقطاب الشباب كأعضاء، بل كشركاء حقيقيين في صنع القرار وتشكيل مستقبل البلاد. وهذا يتطلب تحولا في النظرة إلى السياسة كعملية تشاركية تعتمد على الحوار والاحترام المتبادل”.

ويقول الخرشة في ختام مقاله “يمكن القول بأن الطريق ما زال طويلا نحو تحقيق الديمقراطية المنشودة في الأردن. لكن مع الخطوات التي تم اتخاذها حتى الآن، ومع العزم والتفاني من جانب الأحزاب والشباب، يبقى هناك أمل كبير في تحقيق تغيير إيجابي يعود بالنفع على البلاد وشعبها. الأردن، بتاريخه العريق وثقافته الغنية، يملك كل الإمكانيات ليكون نموذجا للتقدم والازدهار في المنطقة، والشباب هم مفتاح هذا المستقبل”.

2