الشاعر عيسى حسن الياسري: كل ما كتبته يدور حول تجربتي مع المرأة وقريتي

اتحاد الأدباء والكتاب في العراق يحتفي بتجربة عيسى حسن الياسري وأعماله الشعرية الكاملة.
الجمعة 2021/03/05
سبعة عقود من الإبداع الشعري

مسقط - قال الشاعر عيسى حسن الياسري "في لحظتي هذه أنا أعيش الحياة، أعود إلى طفولتي، لا تستغربوا إن بكيت، أنا أبكي دائما.. في طفولتي كنت أبكي لأحصل على أشياء جميلة، مثلا أريد أن أحصل على قطعة حلوى، أن أحصل على لعبة مصنوعة من طين الضفاف، أريد أن تحكي لي جدتي قصة قبل النوم، وعندما لا أحصل على هذه الأشياء أبكي، كما أنني أبكي عندما تصدم قدمي أحجار الحقل فتنزف دما، أما في لحظتي هذه فأنا أبكي لأني حصلت وأنا أقف على تلة الثمانين من العمر على هذه المكافأة التي لا ترقى إليها أكثر قصائد الشعر جمالا".

جاء ذلك في أمسية حوارية أقامها نادي وتريات قصيدة النثر بالاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، عبر منصّة الفنر العمانية للعلم والمعرفة، أدارها الشاعران  عبدالرزّاق الربيعي وأحمد رافع، وذلك بمناسبة بلوغه الثمانين، وترجمة أعماله إلى لغات عالمية، وصدور أعماله الشعرية الكاملة تحت عنوان "طائر الجنوب.. الشاعر الكبير عيسى حسن الياسري" بمشاركة: عبدالواحد محمد، صالح جواد طعمة، خزعل الماجدي، محمد ميلود الغرافي، الشاعر الفرنسي لويس بيرتولوم، عبدالهادي سعدون، المترجمة الإسبانية نويمي فيّرو، والمترجمة منية بوليلة.

وأضاف الياسري "كل ما كتبته من أول قصيدة وأنا في سن الثامنة من عمري يدور حول تجربتي مع المرأة وقريتي. كانت أول قصيدة كتبتها عندما وقفت على أطلال كوخ كان يسكنه فلاح، كانت لديه طفلة صغيرة بمثل عمري، كانت جميلة وكنت أحبها، كانت أمي قد أخذتني في سفرة إلى قرية السنية، هذه القرية تعرفها صديقتي نويمي فيرو التي ترجمت رواية 'أيام قرية المحسنة' إلى اللغة الإسبانية، فهي تعرف 'قرية السنية' التي هي توأم 'قرية المحسنة'، كان يسكن في قرية السنية أخوالي.. كانت عودتنا في زورق ظل يسير بنا طول الليل. مع إشراقة الصباح وصلنا قريتنا، وجدت كوخ ذاك الفلاح مهجورا، ولما سألت قالوا إن هذا الفلاح ارتحل إلى قرية أخرى.. بقيت عدة أيام أجلس على عتبة ذلك الكوخ وأبكي تلك الصبية الصغيرة، تلك الصبية الصغيرة ظلت تتوالد، ففي كل مرحلة من عمري تحضر امرأة ومعها تحضر قصيدتي، القصيدة التي لم أنجزها حتى وأنا أقف على عتبة الثمانين. اليوم أنا أعود إلى طفولتي، اليوم أعود إلى سنتي الثامنة من العمر، فكيف لا أبكي، أبكي لأنني أحاط بكل هذا الحب الذي لا يحتمل، أحاط بهذا المحفل المبارك من أقطاب الإبداع أساتذة وأستاذات عكفوا جميعا على متابعتي نقديا، أو ترجمتي إلى أشهر لغات العالم، وكيف لا أبكي وأنا أجلس في حضرة قطبين من أقطاب الإبداع الفذ وهما الأستاذ الناقد د. حاتم الصكر والأستاذ الشاعر والباحث الكبير خزعل الماجدي، فقد تحدثا عني كما لو كانا يرتلان صلاة مبتلة بالدموع، ومن خلال حزنهما كنت أرى كم هو هائل حزن جبل 'سنوات العراق كلها'.

خزعل الماجدي الجميل الحنون، الذي جند نفسه، وبكل أثقال حزنه وعمله الإبداعي من أجل إنجاز الجزأين الأول والثاني وفي مجلد واحد من أعمالي الشعرية، قلت له: أنا لا أعرف كيف أتعامل مع دور النشر، وأعلم أنك مشغول بأبحاثك وقصائدك وحزنك الذي يهد جبلا. قال: كل هذا يهون، المهم أن تصدر الأعمال، وتابعها حتى صدور أول نسخة منها. كان يتابع المطبعة، ويصحح البروفات، حتى إن العمال أرسلوا جدول التصحيحات باسم الشاعر خزعل الماجدي، ظنا منهم أن الكتاب كتابه. وهو كتابه فعلا.. فلولاه ما ظهر إلى النور".

وأشار الياسري "قبل صدور الأعمال الشعرية بكثير.. وتحديدا في العام 2006، كنت وقتها أزور بلدي العراق، عندما عرف الكبير خزعل الماجدي أنني موجود اتصل بي هاتفيا، ولا أدري من أين حصل على رقم هاتفي، غمرني بتحياته عبر الهاتف، أخبرني بأنه يقوم بإعداد برنامج ثقافي.. لا أتذكر اسمه.. لقناة الشرقية، ويريد أن يسجل حلقة معي، قلت له: ارسل لي سيارة. قال: وكيف أطمئن عليك وكل شبر في بغداد مقمط بحزام ناسف، أو سيارة مفخخة.. فكم عيسى حسن الياسري عندنا في العراق؟ قلت: وكم شاعر كبير عندنا في العراق كما هو خزعل الماجدي؟ كم توسلت بك ألا تأتي يا أبا مروان.. ولكنك رفضت، أقسم أنني أغلقت الهاتف وبكيت. كان يعرّض نفسه للخطر ولا يفرط بي.. يا لك من خجولة أيتها الدموع وأنت تقفين أمام دموع الكبير خزعل الماجدي!

في العام 1992، وفي الثاني عشر من مايو، هذا التاريخ المحفور في ذاكرة الأيام  المرة، جلست في مكان شبيه بالموت أو هو الموت بعينه، كنت فصلت من عملي كسكرتير لتحرير لـ'مجلة أسفار' التي تعنى بالأدب والفن، فاضطررت إلى الجلوس أمام 'محكمة بداءة الأعظمية' لأعمل كاتب عرائض، بعد أن شدد الحصار قبضته على كل العراقيين وأنا من بينهم. كنت أقف بين اختيارين، إما أن أسلك طريق 'شعراء المديح' وإما أن أجلس في هذا المكان المخيف لأحمي كلمتي من الانحناء، وأجعل أبنائي يكملون دراساتهم العليا، واخترت ذلك المكان الشبيه بالكابوس، كنت أقف عند حافة اليأس، وعلى وشك الانحدار إلى قيعان هاويته السحيقة.

كان 'شتاء المراعي' في مطابع دار الشؤون الثقافية العامة، والذي يأتي بعد عشر سنوات من الصمت، هذا الصمت الذي بدأ منذ أن غادرت 'معتقل التسفيرات الرهيب'، كان هذا في عام 1982، ويصدر 'شتاء المراعي' عن دار الشؤون الثقافية، ويساعدني صديق على توصيل نسخي إلى البيت، ولم أعره اهتماما، ولم اتصفحه حتى، لأن المكان الذي أجلس فيه لا يسمح لي بأن أهتم بحدث كهذا، وذات يوم، وأنا في طريق عودتي إلى البيت وقفت أمام أحد الأكشاك لبيع الصحف، وعلى اللاتعيين امتدت يدي لأتناول 'جريدة القادسية'، وفي السيارة أفتح صفحتها الثقافية، فأحس بيد أبوية حنونة ومبدعة تمسك بي، حيث ترفعني من هوة اليأس إلى قمة الأمل، كانت تلك اليد الأبوية هي يد الأستاذ الكبير وناقد العراق الكبير والإنسان الكبير والصديق الكبير حاتم الصكر، وبدهشة طفل تقدم له هدية جميلة، هكذا كنت مندهشا أمام ما قرأت.. كان موضوع مقالة ناقدنا عرّاب الشعر العراقي حاتم الصكر هكذا 'عيسى حسن الياسري والشعر الرعوي الحديث' وأنا أقرأ كانت تستولي عليّ حالة من الذهول، وكنت أتساءل: هل حقا.. وبعد جدب يستمر عشر سنوات تهطل علي فجأة كل هذه الأمطار الغزيرة؟ وفي نهاية مقالته الإنقاذية، يمنحني الأب الروحي لشعرنا العراقي حاتم الصكر ريادة الشعر الرعوي الحديث، وقتها أحسستني أنهض مرة ثانية، وأغادر عالمي السفلي، وأنا أحتفي بمكاني الذي كان مخيفا، حيث عقد حاتم الصكر بيني وبين هذا المكان تلك الألفة التي منحتني قوة الاستمرار ومواصلة العمل مهما كانت قسوة المكان.

لكن الأهم من هذا، والذي يجب أن أتحدث عنه هو ما الذي حصل بعد احتفاء الكبير حاتم الصكر بشتاء المراعي؟ أقول بصراحة إن جميع كتبي التي سبقته لم تحظ ولو بقسط صغير من الاحتفاء الذي حصل عليه 'شتاء المراعي'، حيث كتبت عنه مقالات عديدة، وصار اسمي يقترن به كلما تحدث معي المحبون من الأصدقاء، كما اقترن اسم السياب العظيم بديوانه 'أنشودة المطر' وكما اقترن اسم عزرا باوند بعمله الشهير 'أناشيد الكانتوس'، أو اقتران اسم نيرودا بعمله 'النشيد الشامل'، وكما اشتهر لوركا بديوانه 'أغاني غجرية'. هكذا فعل هذا الناقد الفذ حاتم الصكر عندما سبق الجميع بالتبشير بولادة 'شتاء المراعي' ولفت الأنظار إليه، حتى إن الفنان العراقي المتألق موفق أحمد حوّل قصائد الديوان إلى لوحات فنية أقام منها أكثر من معرض تجول به ما بين عُمان واليمن والإمارات ولندن.

حاتم الصكر.. يا قمة من الإبداع والحزن المخيف.. أهذا هو ما يخلدونك به أنت والكبير خزعل الماجدي؟ فبدلا من أن يقام لكل منكما تمثال.. ويسمى باسميكما شارع من شوارع بغداد المنكوبة، تكافئان بغياب فلذتي قلبيكما؟ لا بأس أيها الكبيران لا بأس، فأنتما تظلان ترتحلان مع العراق من فجر تاريخه وإلى الأبد، وتحضر مونتريال المكان الجديد الذي عشت فيه أكثر من عشرين عاما من العزلة والانكسار، حتى حضور عبدالهادي السعدون الشبيه بحضور المخلص.. لم أره في العراق.. لا وأنا أعمل رئيسا للقسم الثقافي في الإذاعة.. ولا وأنا أعمل رئيسا للقسم الأدبي في جريدة العراق، ولا أثناء عملي رئيسا للقسم الثقافي في مجلة ألف باء، ولا عندما  كنت أعمل سكرتيرا لتحرير 'مجلة أسفار'، لم ألتق هذه العلامة الكبيرة عبدالهادي السعدون، كنت أعرفه من خلال قراءتي له وحسب، فأنا لم أبشر به كما فعلت مع الكثير من أبنائي الشباب، لم أكتب عن إصدار إبداعي له مثلما كتبت عن كثيرين.. وتشاء الصدف بالغة الجمال أن يدعى إلى مهرجان الشعر العالمي الفرنسي الذي لا أعرف عنه شيئا، بالرغم من أنه يقام سنويا في مدينة تبعد ساعة ونصف الساعة عن مدينة مونتريال، أخبرني هاتفيا بأنه يريد أن يلتقيني، وكان فرحي لا ضفاف له، لكنه اتصل بي ليقول إن وقته لا يسمح له باللقاء، ويكون مطار مونتريال هو مكان لقائنا القصير. لم يستمر هذا اللقاء إلا ساعة واحدة، ونحن نجلس في أحد مقاهي المطار أخبرني بأنه رشحني للمشاركة في المهرجان.. قلت له هذا المهرجان لا يشارك فيه إلا من يكتب باللغة الفرنسية أو من ترجم إلى الفرنسية، قال اترك الأمر لي وبعد أيام اتصل وأقام ذلك الجسر الرائع ما بيني وبين الأستاذة الشاعرة والمترجمة منية بوليلة، حيث تونس الخضراء، التي زرعت خضرتها في كل قصائدي، لأنها كانت تعيش قصائد مجموعة 'أغاني الغروب' وكأنها هي من كتبتها، منية بوليلة شكرا لك صديقتي، وشكرا لك وأنت تضيئين بحضورك هذه الجلسة الجميلة. ولم يتوقف الكبير عبدالهادي سعدون عند هذا الحد، إذ أقام جسرا آخر ربطني برئيس مهرجان الشعر الفرنسي العالمي الشاعر غاستون بالمير الذي ربطني بالشاعر المغربي العذب محمد ميلود الغرافي الذي عكف على ترجمة مجموعتي الشعرية 'أمضي وحيدا'، هذه الترجمة.. ولقوة بنائها الفني والنفاذ إلى روح النص حملت الشاعر الفرنسي لويس بورتولوم الذي راجعها على كتابة مقدمة مذهلة عنها.

هل توقف الكبير عبدالهادي سعدون عند هذا الحد؟ لقد ذهب أبعد منه كثيرا، حيث شجع المستعرب الإسباني إغناثيو غوتريث على ترجمة قصيدة 'صلاة بدائية من أجل أوروك' ونشرها في دار 'الفلفا' التي يشرف عليها على حسابه، كما نشر المختارات الشعرية التي تحمل عنوان 'كاتدرائية بغداد' التي شارك في ترجمتها كل من عيسى حسن الياسري والأديبة المغربية فوزية القادري والمترجمة العراقية ليلى فاضل، وصدرت عن دار 'أوليفانته' في مدريد، وتستمر رحلة الشاعر والروائي عبدالهادي سعدون معي دون شعور بالتعب، حيث تحضر رواية 'أيام قرية المحسنة'، ويبدأ يبحث لها عن فلاحة تشارك فلاحات المحسنة حراثة وري الحقول، وحلب الأبقار، وجمع الحطب، وتتولى المستعربة الإسبانية نويمي فيبرو هذه المهمة الشاقة، أيتها الأستاذة والأديبة والصديقة العزيزة نويمي فيرو شكرا لك وأنت تنهضين بترجمة الرواية وتضيئين هذه الجلسة المعمدة بالبهجة والفرح.

عندما استكملت ترجمة قصيدة 'صلاة بدائية' نشرها عبدالهادي سعدون في موقع ثقافي إسباني مهم بنصيها العربي والإسباني، وذات يوم يصلني طلب صداقة على صفحتي في فيسبوك قبل إغلاقها، كان الطلب باسم الشاعر العراقي الأستاذ غريب إسكندر الذي لم التقه في العراق أيضا، وبعد قبول طلبه تصلني رسالة منه يطلب مني أن أسمح له بترجمة 'صلاة بدائية' إلى اللغة الإنجليزية ونشرها، وطبعا احتفيت بكرمه النادر هذا، وفعلا أتم ترجمة القصيدة، ونشرها في موقع مهم في لندن.. أستاذ غريب إسكندر أنت لم تحضر الجلسة ولكنك كنت حاضرا بقوة في موقفك وإبداعك.

كم من المغريات قدمت لي، مغريات يسيل لها لعاب كثيرين ولكنني رفضتها، لأنها تسرق مني أثمن ما أمتلكه، تسرق مني قصيدتي، في العام 1975 كنت منسبا للعمل رئيسا للقسم الثقافي في الإذاعة، رشحني صديقي مدير عام المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون لطيف نصيف جاسم للسفر إلى ألمانيا الشرقية للمشاركة في مهرجان الشاعر الألماني غوته، بعد عودتي شارك هو في مؤتمر إعلامي في ألمانيا الشرقية، بعد عودته استدعاني إلى مكتبه وأخبرني بأنه رشحني للسلك الدبلوماسي  ورفضت، وللتأكد يمكن أن يذهب صحافي شجاع إلى السجن الذي يقيم فيه هذا الإنسان الذي لا يستحق السجن، ويسأله إن كان هذا الأمر صحيحا أم لا؟ لقد قُدم لي السلك الدبلوماسي على طبق من ذهب واعتذرت، وقد نشرت فصلا من مذكراتي في موقع 'الناقد العراقي' الذي يديره ناقدنا الراحل د. حسين سرمك حسن تحت عنوان 'بابلو نيردوا وأنا والسلك الدبلوماسي'. قال لي الصديق لطيف نصيف جاسم أتدري لو عرضت هذا الأمر على آخر ما الذي يفعل؟ قلت أعرف ولا أريد قوله لأنه مذل ومخجل.

السلك الدبلوماسي بالنسبة لي أساتذتي هو قصيدتي.. أنا فلاح يعمل في حرث حقول القصيدة، مثلما كنت فلاحا أحرث حقول القمح والشعير ولا أجيد غير ذلك. بعد انتهاء تنسيبي تركت العمل في الإذاعة وعدت إلى مدرستي وتلاميذي الذين أحبهم".

 

وتساءل الياسري "لو أنني اخترت السلك الدبلوماسي هل أعيش هذه اللحظة السحرية التي لا يحظى بها كل منتسبي السلك الدبلوماسي في العالم؟ وهل أقف بخشوع أمام محفلكم المقدس أساتذتي وأصدقائي لو قبلته؟ وبعد هذا أعتقد أن الشاعر الجميل عبدالرزاق الربيعي كان حاضرا في 'مهرجان الشعر القومي' الذي حضره صدام حسين والذي أقيم بتاريخ 16 - 7 - 1980، الأستاذ الكبير خزعل الماجدي كان حاضرا وشاهدا على ما أقول، كان كل شاعر وبعد أن ينتهي من إلقاء قصيدته يذهب للسلام عليه، كان ينهض ويصافح الشعراء الذين يمتدحونه بقصائدهم، وكذلك ينهض للشعراء العرب، أما الشعراء الشباب الذين يقرأون قصائد ذاتية فيصافحهم وهو جالس، لذا وعندما انتهيت أنا من قصيدتي لم أذهب للسلام عليه، وبعد أن انتهت الأمسية التي امتدت حتى الثالثة صباحا اجتمعنا على مائدة الطعام، وجاء هو للسلام علي، ظل يتحدث معي ما يقرب من الربع ساعة، ثم سألني عما احتاجه، كنت وقتها بلا بيت وبلا مورد مالي غير راتبي، وكان يمكن أن تتغير حالتي لو ذكرت له ذلك، ولكنني قلت له.. أنا لست بحاجة إلى شيء، وها أنتم ترونني هذه اللحظة التي أحسبني فيها واحدا من ملوك العالم القدامى، لأنني محاط بكل هذا الحب من أساتذتي وصديقاتي وأصدقائي. ما أتمناه هو أنني أستحق هذا العناء الذي بذله الشاعر عبدالرزاق الربيعي والشاعر أحمد رافع، أنا متأكد أنهما لم يبذلا في كل جلساتهما السابقة من تعب مثلما بذلا ليأسسا لهذه الجلسة.. أنا سعيد بكم حتى أقاصي حدود البكاء. إغناثيو غوتريث "صديقي .. أنت لم تستطع حضور الجلسة ولكنك كنت حاضرا معنا.. هذا الرجل إغناثيو الذي لا أعرف كيف أصفه.. جاء من إسبانيا على حسابة الخاص ليراني، كان يشاركنا رغيفنا وطعامنا البسيط، ويجلس معنا بكل بساطته وتواضعه، هو الشاعر والأستاذ الأكاديمي، وكان يخرج مع أحفادي، ويصغي إلى أحاديثهم كما لو كانوا ندا له، وعندما يعود إلى إسبانيا يعكف على ترجمة شعري بفرح، وهو يعلم أنني لا أستطيع أن أقدم له شيئا، عبدالهادي سعدون أخي.. شكرا لك أيها المعماري الماهر في تشييد جسور المحبة.

لقد أخلصت لطريقي هذا.. أخلصت لعزلتي الجميلة، فلا أحد يرفع علي الهاتف، ولا أحد يعرف إن كنت أعيش في مونتريال أم غادرتها.. لقد أخلصت حتى لثلوج كيبيك التي تحذرني من مغادرة بيتي، ومن ثم هذه هي جائحة كورونا التي فرضت ظلها المعتم على حياتنا، ومع ذلك يأتي هذا الاحتفاء الذي يحسدني عليه أكبر قياصرة العالم.. أنا الآن أنهض من جديد من مغارة السيد المسيح وأقابل الحياة بمحبتكم. ومن هنا أوصي أولادي الشباب.. عليكم بقصيدتكم يا أبنائي، لتكن هي الأيدولوجيا التي تصنع الحياة، وهي الدين الذي ينشر المحبة بعد أن زوره أعداء المحبة، وهي المذهب الذي يعانق المختلف، بعد أن صار كل مذهب يحز عنق من يخالفه، لقد خربوا كل شيء، وهاهم يستهدفون قصيدتكم يا أبنائي، ليس هناك شعر يولد من رحم المؤسسات، أنتم بالنسبة لها صوت انتخابي لا غير، قصيدتكم هي كل شيء في الحياة فاخلصوا لها وإلا ضاعت. الإنسان هو مركز هذا العالم آمنوا بالإنسان، واجعلوا  الشعر يفتح له أكثر من نافذة ليرى جمال الحياة. الإنسان مجروح فساعدوه على تضميد جراحه 'في كل مكان أصله.. أجدك مجروحا يا هذا الإنسان'.

عندما أقيم حفل توقيع كتاب "أغاني الغروب" المترجم إلى الفرنسية في مكتبة أوليفيري حضر صديقي الشاعر الكيبكي آلان فالي واقتنى الكتاب.. وبعد يومين التقيته وأنا في طريقي إلى المكتبة العامة.. استوقفني وأخرج الكتاب من حقيبته، كان يحدثني بالاشارات لأنه يعرف أنني لا أجيد الفرنسية، وهو لا يعرف شيئا من الإنجليزية التي لدي شيء بسيط منها، قال إنه لم ينم ليلته حتى أنهى قراءة الكتاب.. ثم سحب يدي محاولا تقبيلها وقد حررتها منه بالقوة، كان يبكي، أقسم أنه كان يبكي، في تلك الساعة تذكرت سلام كاظم ذا العينين الشجريتين، تذكرت جواد الحطاب، تذكرت أحمد هاتف، تذكرت عبدالرزاق الربيعي وعدنان الصائغ وجميع أولادي الذين كانوا عندما يلتقون بي أسحب يدي منهم بالقوة، كانت قصائد كتابي الشعري المترجم وكما في كل ما كتبت تتحدث عن محنة وأزمة الإنسان العراقي، تتحدث عن محنة أهلنا المنكوبين بحكامهم، ولكن هذا الشاعر، وحتى غيره ممن التقيت بهم وقرأوني مترجما كانوا يرون في القصائد أنها تتحدث عن محنة الإنسان في كل مكان، فلكم أنت عظيم أيها الشعر، لأنك توحد الإنسان مع أخيه الإنسان بعيدا عن الأيديولوجيا المسيسة والدين المسيس والمذاهب المسيسة، صلوا في محراب قصيدتكم يا أبنائي الشباب".

وكانت الأمسية قد بدأت بكلمة للشاعر عبدالرزاق افتتح بها الجلسة الأولى، تحدث من خلالها عن المكانة التي يحتلها الياسري في ذاكرته فقال "مع بداية تفتح وعينا في مطلع السبعينات، كان صوت الشاعر عيسى حسن الياسري يشدنا إليه من بين جوقة الأصوات الستينية لتلقائيته، وعفويته، ولأن الشاعر يعزف على وتر حساس في ذواتنا هو وتر الجنوب، أجمل الأوتار، وأكثرها دفئا وعذابا بالنسبة لنا نحن الجنوبيين الذين وجدنا أنفسنا مقذوفين على هامش المدينة كنتيجة لأضخم هجرة من الريف العراقي الجنوبي إلى بغداد أواخر الخمسينات، وظلت المدينة بشوارعها المرصوفة بالإسفلت والقير الذي تذيبه حرارة يوليو إلى درجة أن المركبات كانت تبرك في بقع القير الذائب، ظلت تشكل عذابا لكل من عاش في البيئة الريفية، وكنا نغمض أعيننا في المساءات الباردة على حكايات الآباء والأمهات عن الأهوار بطيورها ونباتاتها ومياهها الغزيرة، لكننا نفتح أعيننا على واقع المدينة الصلد وحيطانها الإسمنتية الصامتة! ومن هنا بدأت عذاباتنا، ووجدنا في شعر عيسى حسن الياسري دفء أهلنا، وعذوبة مياه أهوارنا، وغناء طيورها، خصوصا في مجموعتيه 'فصول من رحلة طائر الجنوب' و 'سماء جنوبية' اللتين عكستا صوته المتفرد الذي كان يشدنا إليه".

وجاء دور الأستاذ الدكتور عبدالواحد محمد الذي تربطه علاقة قديمة بالياسري فقدّم نبذة موجزة عن الشاعر وشعره والعلاقة الإنسانية التي تجمعهما، المتطورة عبر الاتصالات واللقاءات والرسائل، وتحدث الأستاذ الدكتور صالح جواد الطعمة عن ترجمته لنصوص الياسري وأبرزها قصيدته "كاتدرائية بغداد" وترجماته للشاعر وكتابته عنه في مجلة الجديد.

وركز الشاعر المغربي محمد ميلود الغرافي في مداخلته على الترجمة والحاجة إلى ترجمة شعر الياسري ودورها في تقريب الشعر العربي المعاصر من المتلقي الغربي، وقام بترجمة حديث الشاعر الفرنسي لويس بيرتولوم الذي تحدّث عن مراجعته للقصائد التي ظهرت في كتاب "أمضي وحيدا" الذي صدر حديثا وعبّر عن إعجابه بالقصائد، لذا كتب مقدمة جميلة للكتاب ظهرت ترجمتها كمقدمة للأعمال الشعرية للمجلد الثالث بعنوان نشيد الأوز العراقي، وأيضا نشر ملفا خاصا من سبع صفحات عن الوالد في مجلة الروح المتمردة التي تصدر مرة واحدة في السنة.

ثم بدأت الجلسة الثانية التي أدارها الشاعر أحمد رافع وبدأها بكلمة عن شعر الياسري، فأكد رافع أن "الياسري يخبرنا عبر أكثر من أربعة عقود أن القرية ملاصقة لبراءة القصيدة وريعان طفولتها، وهي دلالات تشي بتمسك النص بجماليات الطبيعة، إذ يستثمرها لتحريك صوره الشعرية ولم يتخل بالمطلق عن النهوض الأول لأغنيته في الحياة وهو يعد أسباب الغربة نجوما متكسرة"، وأضاف الشاعر رافع أن "تأثيث الياسري معماره الشعري فنيا وموضوعيا جاء بعد مواصلة طويلة مع المدارس الشعرية والاتجاهات النقدية المختلفة، وهذا الإلمام الواسع لكل مجريات بحثه سواء في وطنه أو في الغربة قد منحه الصوت المميز في التعامل مع القصيدة بحرية وارتكاز على مضنيات الحياة، فهي أعطت له في المنفى الكثير وأعطى لها في الوطن القيد، لم يتجه نحو ما سار عليه الآخرون، وهذه تجذير علاقة حميمية بين قريته والدروب التي هالت عليه الأذى، والاغتراب بحد ذاته قضية منهجية تترتب نتيجة الممانعة وشيوع العبودية، وهذا ما ترفضه حرية الكلمة".

وفي ما يخص المكان أكد أحمد رافع أن "اللحظة المكانية الأولى التي انطبعت في مخيلة الشاعر وقريته الحالمة كانت مبعثا لتحول أجرته الطبيعة عبر سنين طويلة وهو يعتمد على مشاهدة العناصر المادية للقرية في وقت سابق، فالصوت المنبعث في طبيعة مدينته ميسان ونهر دجلة يختلف عما هو عليه في مدينته مونتريال، فالتحول مدعاة في جو القصيدة والياسري يدرك تحول رغبوية الحياة والماء المغنى بقصب الجنوب وأن قصيدته تمثل مشاهد تغيير الطبيعة وتنقل لنا التحول المكاني، إذ يخبرنا فعل الماء المتغير بجريان النص في تدفقه من ينابيع دجلوية وينتهي تدفقه إلى ينابيع الغربة، في الحقيقة هذا الجريان الطويل يحمل في تفسيره أن الشاعر يتقن الصورة الشعرية في تكييفها الإبداعي وفق المتغييرات التي تنشأ حوله".

وفي ما يتعلق بالمرأة وحضورها في القصيدة أكد رافع "مما لا شك أن حضور الأنثى في تجربته كانت منذ بداياته الأولى الشعرية وهو يتغنى بأحدى فتيات القرية، لاسيما أن المرأة يعدها نهرا لاستمرارية الحياة"، وأكمل رافع حديثه "لذا شكلت المرأة هاجسا حيويا عند الياسري، إذ ينقل صورة المرأة ليجعلها تلاصق المكان ويرتكز على الجزئيات المكانية للدلالة على وجودها، فالصورة المكانية المتشكلة تخبرنا أن المرأة الملاذ المكاني الوحيد الذي يلتجأ إليه، فهذه الفلسفة الخاصة في الرسم المكاني المرتبط مع الأنثى لها دوافعها الشاخصة التي تعمق رؤيته الرمزية إلى المرأة، وهو يعدها المرتكز الأساس في الحياة وتتقارب صورها التي يرسمها بألوانه المختلفة، إذ يجعلها تتقارب مع ألوان الأرض وتأتي خصوصية التقارب من إدراك جامع مانع بما تقدمه المرأة في الحياة، والياسري شاعر الإنسانية والقرية وكل شيء، وقصيدته الممتدة عبر سنين طويلة تحمل لنا ثقافة واسعة وإبحارا عميقا في الحياة".

ثم قدّم الشاعرة التونسية منية بوليلة، فتحدثت عن تجربة ترجمة نصوص لم تكن تعرف صاحبها عن قرب، فوجدت نفسها تخوض في عوالم الشاعر، وأمام تجربة جميلة ومليئة بالمشاعر والأحساسيس، وربما استلهمت البعض منها لكتابة نصوص وقصائد.

وتحدثت المستشرقة الإسبانية نويمي فيرو التي ترجمت للشاعر عيسى حسن الياسري رواية "أيام قرية المحسنة" ونشرت في مدريد عام 2020، عن تجربتها في الترجمة وعن الرواية المترجمة والأدب العراقي ممثلا بعبير الياسري روائيا، فيما تركز حديث عبدالهادي السعدون على تجربته من خلال الكتب الشعرية الثلاثة التي صدرت وتصدر بالإسبانية وعن دور الترجمة فيها ووصول الشعر العراقي إلى القارئ الإسباني، ثم ذكر أهم ما قيل عن تجربته من آراء متعددة مثل رأي إغناثيو ورأي سانتانا وغيرهما.

وتحدّث الدكتور خزعل الماجدي في سؤال أثاره أحمد رافع عن تجربة الياسري التي تابعها منذ الستينات، وحتى المجلد الثالث الذي صدر مؤخرا وأشار إلى أهم مميزات نص الياسري، وقال الدكتور حاتم الصكر "يتزامن الاحتفاء بثمانين الشاعر العزيز عيسى حسن الياسري، مع انتهائي من قراءة المجلد الثالث الأخير من أعماله الشعرية. وهو مكرس لقصيدة النثر.

جلسة افتراضية للبحث في ديوان طائر الجنوب
جلسة افتراضية للبحث في ديوان طائر الجنوب

تيقّنت أن الياسري لم يحمل في حقيبته سوى روائح القرية، ولون سمواتها وصفو مياهها، وهكذا  بدأ الرحلة الشعرية التي هي جزء من رحلة الحياة، كما يسميها في المجلد الجديد.

ماذا يريد عيسى؟ في 'بتلات' ديوانه المخصص للقصائد القصيرة جدا، وهي تسرني لأني أتحمس كثيرا بكثافة قصيدة النثر وأن تغدو مقاطع وشذرات، نقرأ بتلة من بيتين بعنوان 'أريد':

أريد أن أستريح

لقد أتعبني تسلقكِ يا نجود حياتي الوعرة.

هذا تلخيص لوصف عيسى لحياته في الشعر، والشعر في حياته، بأنها رحلة.

والبتلة لغة: هي الفسيلة التي انفصلت عن النخلة أمها واستقلت.

 وفيها رمزية الأم والارتباط بالقرية والأم وكلها إناث.. الفسيل

وذات رائحة جنسية للخصب وهي التويج...

وفي  بتلة بعنوان 'صناعة' يطلب أن يهجر المعلب ويقول:

 إنهم يصنّعونك أيها الشعر

كما يصنّعون الأغذية المعلبة

وهذا في الواقع مزاج الفلاح الذي يضيق بالأغذية المعلبة ويمقتها، بل يراها غذاء لا إنسانيا. وكذا يبدو له الشعر - وهو الذي يصف نفسه بالبدائي - غير قابل للتعليب في وصايا وإرشادات جاهزة.

تبدو 'صناعة' تتمة لبيانه الشعري في قصيدته 'الشعر'، حيث الطبيعة ومفرداتها ماثلة في ثنايا القصيدة:

يبدأ بسطر شعري من كلمة واحدة هي:

الشعر

ثم يتخذ أسلوب الالتفات، فلا يعرّفه أو يشرح فكرة عنه، بل يخرج ملتفتا ليقول ما يفيد بعفوية الشعر وتلقائيته:

 الشعر

لا تركوا أحجاركم في مجرى أنهاره النظيفة

اتركوه يختلط بمائها..

الشعر

اتركوه يمضي حرا

حتى يختلط بالعجين الذي تنضجه الأمهات أرغفة شهية..

اتركوه يتجوّل..

 حافيا..

حرا..

بسيطا

كبدائي لا يحمل ضغينة..

كأن الياسري يرسم صورة لنفسه: البدائي الحر المتجول حرا بسيطا، وكشعره هو ببساطته التي توصف بأنها ليست بساطة سطحية..

قصيدة الوداع  مؤلمة وهي رحلة منذ البداية..

لقد جعل الوداع في آخر الديوان.. ونجد بجانب الحزن رغبة شديدة في الحياة.. وهنا من منفاه حيث حمل القرية وأشياءها، نراه يضع الوداع في أقاصي الديوان الذي بمهارة شاعر عارف جعل افتتاحه بالقول:

أنا هو من عاش طفولة سعيدة

أنا هو من صافح أعياد الحصاد

وتعطرت ثيابه بطين السواقي

 ثم ٍأنهى الديوان وكأنه يغلق قوس القصائد والرحلة معا بقوله في قصيدة 'لكِ أسلم حياتي' :

بالقليل من الحزن

والكثير الكثير من الفرح والبهجة

سأبدأ هذه الرحلة:

وسأبدأ هذه الرحلة بقدمين مدماتين

بأثواب رثة

وبجسد ضامر

 لكن لا تغرنكم البهجة.. هذا الرجل - كما قال - حياته رحلة وعرة ومسالكها ضيقة.

 وها هو ذا في أواخر أبيات القصيدة والديوان والرحلة يقول:

أشعر.. وكأني أنهيت مهمة جليلة كلفت بها..

نعم يا عيسى لقد فعلت ذلك وإننا بك لفخورون

أنت حي في القصيدة والقصيدة حية فيك..

بهذه الحيوية ستعيش عصرا شعريا لا عمرا عابرا

 تمسك بالعشبة.. هي وعد جلجامش الذي سأل عن عشبة الخلود فلم يجد..

ورأى أنه لا شيء يخلد الإنسان بايولوجيان فعاد ليبني مدينته ويخلد عبر أعماله.

وهذا ما فعله عيسى فرضي بالشعر تراثا له..  

أحييك عيسى أخي، وأعانقك عبر الفضاء".

وفي الختام وجّه الياسري كلمة شكر للمشاركين فقال "ما أسعدني أنا التلميذ الصغير الذي يجلس أمام أقطاب الحضرة، حيث هذا الجمع الطيب من الأساتذة والأصدقاء،  ما أسعدني وأنا أعيش هذه الحالة من الوجد الصوفي، هل حقا أنا أستحق هذا الاحتفاء من أساتذتي وأصدقائي الكبار؟ أستاذي الذي جلست في صفه من عام 1960 الدكتور عبدالواحد محمد.. شكرا لك أيها المعلم الذي ما زلت ذلك التلميذ الصغير الذي يجلس  في صفك حتى لحظتي هذه.. زرتك ذات يوم من عام 1987 في بيتك الجميل عندما كنت تترجم مجموعة 'العشبة'، كنت تستعمل طابعة قديمة، ووجدت أصابعك مشدودة بشاش أبيض لأنها نزفت دما أثناء عملك في ترجمة قصائدي، فما كان مني إلا أن انحنيت وقبلت يدك وأصابعك الشريفة، أستاذي د. عبدالواحد محمد، أنت الذي نزفت أصابعك دما من أجل أن تقدمني إلى العالم، ممتن لك أستاذي، ممتن وفرح أن أجلس في صفك مرة أخرى، وحتى بعد أن فرقتنا المسافات ما زلت تلميذك الذي يتشرف بالجلوس في صفك يا معلمي حتى الآن.. وما زلت أذكر نبوءتك عندما عرفت أن الشاعرة الأسترالية الراحلة آن فيربيرن قد ترجمت إحدى قصائدي إلى اللغة الإنجليزية بمعاونة الشاعر العربي الكبير الراحل غازي القصيبي، حيث نشرت مقالة بعنوان 'عيسى حسن الياسري في الطريق إلى الفضاء العالمي' وها هي نبوءتك  تتحقق يا معلمي.. بعد ذلك تعاونت معها على ترجمتي".