الشارقة تحوّل شوارعها معارض مفتوحة لعشاق الفنون الإسلامية

من يمر بشوارع مدينة الشارقة الإماراتية، هذه الأيام، يراها وقد تحولت إلى متحف مفتوح للفنون الإسلامية. مجسمات لمآذن وقباب، جداريات للخط العربي، لوحات لآيات قرآنية ومشغولات خشبية ومعدنية وزخارف مستمدة من الفن الإسلامي.
الشارقة – يتنافس على مدار 30 يوما فنانون قدموا من مختلف أنحاء العالم، في نحت قطع فنية ولوحات وجداريات في شوارع مدينة الشارقة الإماراتية، وذلك ضمن مهرجان الفنون الإسلامية الذي تقيمه الإمارة كل عام.
المهرجان، الذي يعد أكبر مهرجان من نوعه بالدول العربية والشرق الأوسط، جمع في دورة هذا العام 63 فنانا من 20 دولة عربية وأجنبية، ليقدموا لعشاق الفن التشكيلي 377 عملا فنيا يجمع بين مدارس الفن التقليدية والمعاصرة.
جداريات وزخارف
تنظم الدورة الحالية، التي انطلقت يوم 19 ديسمبر الماضي وتستمر حتى 19 يناير الحالي، 55 معرضا و144 ورشة فنية، وتعرض 11 فيلما لتجارب فنية متنوعة، إلى جانب تنظيم دورات تدريبية متخصصة في الخط العربي لعشاقه.
ويقول فنانون ومحبون للفنون الإسلامية إن المهرجان الذي يقام للعام الـ21، نجح خلال دوراته السابقة، في إعادة الألق إلى الفن الإسلامي العريق، ليحجز موقعه في الساحة التشكيلية العالمية، وقد أسهم في الكشف عن مبدعين في هذا الفن، وفي طرح مشروعات فنية مميزة.
وأبدى سائحون وزوار لإمارة الشارقة إعجابهم الشديد بالجداريات الفنية واللوحات التي تزين شوارع الإمارة، هذه الأيام، وتغطي أكثر من 6 مواقع فنية رئيسية، منها متحف الشارقة للفنون، وواجهة المجاز المائيّة، ومركز مرايا للفنون.
63 فنانا قدّموا لعشاق الفن التشكيلي 377 عملا فنيا يجمع بين مدارس الفن التقليدية والمعاصرة
ويقول مدير مهرجان الفنون الإسلامية، محمد إبراهيم القصير إن “المهرجان نجح في وضع اسم إمارة الشارقة على خارطة الحركة التشكيلية العالمية، إذ بات يجذب عشاق الفن التشكيلي ومبدعيه من كافة أنحاء العالم، ويستقطب المصورين وعدسات التلفزيون التي تصور شوارع المدينة التي تتحول، على مدار 30 يوما، إلى معارض مفتوحة”.
ويتابع “تم اختيار عنوان (أفق) شعارا للدورة الحالية، لرغبة إدارة المهرجان في الابتعاد عن المباشرة، وفتح المجال للفنانين المشاركين للتعبير عن إبداعاتهم دون حدود”.
وأضاف القصير “استقطبت الدورة الحالية نخبة من الفنانين العالميين من مختلف أنحاء العالم، من بينها البرازيل وفرنسا واليابان والمملكة المتحدة، والسعودية ومصر لتقديم عروض بصرية وأعمال فنية من الجداريات والزخارف التي تعكس إبداعاتهم الفنية وتبرز عوالم بصرية مشغولة في لحظة إبداعية تستند إلى الخيال والحدس لدى الفنان”، مشيرا إلى أن المعارض الفردية والجماعية المشاركة في المهرجان نجحت في المزج بين روح الضوء وروعة الألوان ورمزية الصوت.
ومن المعارض التي ينظمها مهرجان الفنون الإسلامية، معرض “خريطة الطريق إلى الكنز الخفي” للفنان المصري البريطاني أحمد مصطفى، الذي يضم 12 عملا فنيا، من بينها عمل جداري بعنوان “الإسراء والمعراج وما بعد سدرة المنتهى”، ولوحات مستوحاة من آيات القرآن الكريم، تمتزج فيها الألوان متموجة مع حروف الآيات القرآنية بانسيابية وبأشكال هندسية.
ويعرض مصطفى أعمال مستوحاة من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن أسماء الله الحسنى، كما يعرض أعمالا تعكس جمال الخط العربي بالغوص في روح الآيات القرآنية، والتعبير عن ذلك باللون والحرف في تناغم وقوة.
ملتقى لخطاطات الخليج
ينظم المهرجان، للمرة الأولى، ملتقى لخطاطات الخليج، بالتعاون مع جمعية الإمارات لفن الخط العربي والزخرفة الإسلامية، تشارك فيه 21 خطاطة من الإمارات، والكويت، والسعودية، والبحرين وسلطنة عمان.
وتقول إدارة المهرجان إنها تنظم الملتقى لتسهم في دعم المبدعات في فنون الخط العربي، وعرض إبداعاتهم على جمهور كبير من سكان الإمارات وجمهور المهرجان من مختلف أنحاء العالم.
ويضم الملتقى 42 عملاً بتنويعات خطية لافتة، ويتضمن دورات لتدريب المهتمين وعشاق فنون وجماليات الخط العربي.
ومن ضمن المشاركات اللافتة بالمهرجان، العمل الفني “معراج” للفنانة الإماراتية فاطمة لوتاه الذي يتوسط ميدان “واجهة المجاز المائية”، ويهدف للتذكير بالقضية الفلسطينية.
وتقول لوتاه “العمل الفني، معراج، مستمد من عمارة قبة الصخرة بالقدس، ووضع في ميدان منطقة (المجاز)، وهي منطقة سياحية تستقبل الآلاف
من الزوار والسائحين من مختلف جنسيات العالم، ليذكر الجميع بالقضية الفلسطينية، ويؤكد أنها محفوظة في قلوبنا ووجداننا”.
أما منطقة قلب الشارقة التراثية والتاريخية فنبضت بلمسات الفنانة السعودية زهرة الغامدي، التي قدمت عملها الفني “دائرة الاعتدال” الذي حوّل الزخارف الإسلامية إلى لغة تجريدية.
وتقول الغامدي “يبرز العمل الزخارف الدائرية التي تعد من أكثر الزخارف الهندسية وضوحا، وتمثل قرص الشمس، ويسلط العمل الضوء على خصائص الزخارف الإسلامية كالاتزان والامتداد والتشعب والتكرار والتشابك”.
وقدم الفنانان السعودي خالد الزاهد واللبناني علي شعبان عملهما الفني “محراب” الذي يتزين به متحف الشارقة للفنون الإسلامية، ومن خلاله حاول الفنانان تشريح مكونات المسجد وإعادة تقديم كل وظيفة على حدة.
واستضاف مركز مرايا للفنون بمنطقة القصباء، معرض “كل في فلك يسبحون” للفنانة الفلسطينية دانة عورتاني الذي يضم سلسلة من الأعمال الفنية منها عملها المعنون بـ”الحب شريعتي” والذي اعتمدت فيه على التطريزات الثمانية المعلقة ذات النقوش المعقدة والمتقنة التي استلهمتها من القصائد الشعرية للشاعر ابن عربي، ليجسد العمل الفني شكلا من أشكال التأمل بلغة بصرية.
وحاولت عورتاني من خلال عملها الفني “أنصت إلى كلماتي” أن تقدم تركيبة فنية غامرة تجمع بين الألواح الحريرية المطرزة يدويا، والأصوات المؤثرة لنساء يلقين الشعر على مر التاريخ، لتسلط الضوء على قضية إقصاء المرأة من عالم الفن والسياسة والعلوم، كاشفة النقاب عن مجموعة كاملة من الشاعرات الراديكاليات في الفترة الزمنية بين العصر الجاهلي وصولا إلى القرن الـ12.
وتلونت قاعات وممرات ساحة الخط بمنطقة الفنون بالشارقة بمجموعة من اللوحات الخطية التي نسجت من الحروف صورة جمالية وبصرية يتربع الحرف العربي بها، من خلال القصائد الشعرية والأقوال المأثورة والنصوص القرآنية.
ومن أبرزها المعرض الفني “الكشف في الشارقة” للخطاطة التركية أمل تركمان، وهو ثمرة جهد مشترك بين الفنانة وطلابها، ويتضمن بعض التصاميم الفريدة في فن الخط، حيث خطت تركمان آيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية وأقوال الخطاطين الأتراك والأجانب بمعايير جمالية.
ومهرجان الفنون الإسلامية حدث فني دولي متخصص في الفنون الإسلامية تنظمه دائرة الثقافة بالشارقة، يعكس حيوية الفنون الإسلامية وعمقها التعبيري كلغة فنية عالمية.
ويعنى المهرجان الذي تأسس في العام 1998، بمنجز الفن الإسلامي في بعديه الحضاري والراهن، حيث يعرض كل عام لأنماط الفن الإسلامي الثرية والمتنوعة في الزمان والمكان، ويقام بشكل دوري لمدة شهر، مرة كل عام في منتصف شهر ديسمبر إلى غاية منتصف شهر يناير، برعاية الشيخ سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.
ويترجم المهرجان رؤية الشارقة، ومن خلالها الإمارات في تأصيل الفنون الإسلامية وتجديدها وترسيخ حضورها على الساحة العالمية المعاصرة للإبداع البصري.