الشارقة القرائي يناقش أسباب ندرة النشر العربي لكتب الأطفال وطرق تجاوزها

أكبر ملتقى عربي لأدب الطفل يفتح عالم الأدب على التكنولوجيا.
الجمعة 2025/05/02
منصة عربية تعزز ثقافة الطفل

يعتبر “مهرجان الشارقة القرائي للطفل” بدولة الإمارات العربية المتحدة، أبرز الفعاليات العربية التي تهتم بالطفل وترسيخ عادة القراءة وبناء ثقافة متينة ومنفتحة، وقد نجح على امتداد دوراته الـ15 السابقة في تأكيد أهميته الدولية، والبعد الابتكاري لبرامجه، وهو ما يتأكد في الدورة الـ16 هذا العام.

الشارقة – يقدم برنامج “مهرجان الشارقة القرائي للطفل” المنعقد هذه الأيام برنامجا متكاملا يتضمن أكثر من 132 فعالية، تشمل مجموعة واسعة من الجلسات النقاشية وسلسلة من ورش العمل التفاعلية التي تسعى إلى تنمية مواهب الناشئة والشباب وتعزيز قدراتهم في العلوم والفنون والآداب والموسيقى وغيرها من المجالات الإبداعية، من خلال الجمع بين التعلم واللعب.

ويواصل المهرجان، الذي يستمر من الثالث والعشرين من أبريل إلى الرابع من مايو، تميزه بطرحه للنقاش أهم إشكاليات صناعة كتب الطفل، وسبل تجاوزها والانفتاح على العالم التكنولوجي المتسارع.

الكتب والتكنولوجيا

المهرجان يؤكد مكانته كأهم وأكبر تظاهرة مخصصة لأدب الطفل عربيا وأحد أبرز المنصات على مستوى العالم

أكد ناشرون عرب يشاركون في مهرجان الشارقة القرائي للطفل بدورته الحالية أن أدب الطفل العربي يواجه تحديات عدة تتعلق بضعف المحتوى المحلي، وقلة الكتاب المتخصصين، والحاجة إلى تعزيز التسويق والتوزيع.

واستعرض عدد من الناشرين العرب أبرز العقبات التي تواجههم، إلى جانب الجهود المبذولة للنهوض بإنتاج ونشر كتب الطفل باللغة العربية، ضمن فعاليات المهرجان الذي يعد أكبر ملتقى عربي لأدب الطفل.

 وأكدت أحلام محيا حسن مسؤولة دار الحافظ للنشر من سوريا، أن من أهم التحديات اختلاف أذواق القراء وميولهم، مشيرة إلى أهمية التنويع في الإنتاج لمواكبة اهتمامات الأطفال المتباينة، ولفتت إلى أن التفاعل مع الكتاب المتخصصين في أدب الطفل ما زال محدودا، ما يتطلب تعزيز هذا الجانب لتقديم محتوى أدبي يواكب تطلعات الطفل العربي.

وأشارت إلى أن الإقبال على كتب الأطفال في تحسن لكنه بحاجة إلى دعم أكبر من المؤسسات التعليمية، واهتمام أوسع بالتسويق والفعاليات الثقافية الداعمة لضمان وصول الكتب إلى المدارس والمكتبات.

وأشاد أشرف شاهين مسؤول دار البرج ميديا للنشر والتوزيع في أبوظبي بأهمية مهرجان الشارقة القرائي للطفل كمنصة عربية تعزز ثقافة الطفل، داعيا إلى استنساخ هذه الفكرة في كافة البلدان العربية.

 وقال إن صناعة كتب الأطفال تتطلب موارد إنتاجية عالية بسبب المؤثرات البصرية الضرورية لجذب الفئة المستهدفة، وهو ما يحول دون سرعة إنتاج هذا الصنف من الأدب.

وأكد أن انتشار التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يشكل تحديا في جذب الطفل إلى الكتاب الورقي، داعيا إلى تطوير المحتوى المحلي وتوسيع دعم الجهات المعنية للمبادرات الثقافية التي تستهدف الأطفال. وأضاف أن الكتاب العربي يواجه صعوبة في التوزيع والمبيعات بسبب ضعف الإقبال، مشيرا إلى أن قلة الكتاب والرسامين المواكبين للعصر تعد من أبرز التحديات التي تواجه كتب أدب الطفل.

pp

وخلال جلسة حوارية حملت عنوان “وسائل التواصل الاجتماعي كقوّة إبداعية خارقة”، شهد مهرجان الشارقة القرائي للطفل نقاشا غنيا حول دور التكنولوجيا في حياة الأطفال، حيث أجمعت المشارِكات على ضرورة استخدام وسائل التواصل بشكل مسؤول، وتحويلها من منصات استهلاكية إلى أدوات تعليمية تعزز القيم وتنمّي الخيال، مؤكدات أهمية الحفاظ على الكتاب الورقي كمصدر أساسي موثوق للمعرفة في ظل التوسع الرقمي.

وشارك في الجلسة التي أقيمت في مركز إكسبو الشارقة كل من الكاتبة الهندية أمريتا غاندي، والكاتبة والصحافية السودانية مناجاة الطيب، والكاتبة العراقية سارة السهيل، وأدارها الإعلامي عبدالكريم حنيف.

أكدت أمريتا غاندي أن الطفل هو المبدع الأول، مشيرة إلى أن الإبداع الذي يقدّمه الكبار ما هو إلا امتداد للخيال الفطري لدى الطفل. وتحدثت عن تجربتها الشخصية كأم في التعامل مع المنصات الرقمية، مشددةً على أهمية أن يكون استخدام هذه الأدوات مبنيا على غايات واضحة، لا على الاستهلاك العشوائي، ومؤكدة أن التربية لا تكمن في المنع، بل في التوجيه الواعي وتعليم الأطفال فهم المخاطر والتعامل معها.

من جانبها، عبّرت مناجاة الطيب عن قلقها من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تركيز الأطفال وارتباطهم بالقيم الثقافية، مشيرةً إلى أن هذه المنصات تستنزف وقتهم وتؤثر على علاقتهم بالكتاب. ودعت إلى إعادة الاعتبار للكتاب الورقي، مؤكدةً أنه يظل المصدر الأهم للمعرفة، نظرا لما يخضع له من مراجعة وتحرير ومساءلة، خلافا للمحتوى الرقمي الذي يفتقر إلى الرقابة والجودة أحيانا.

أما الكاتبة سارة السهيل، فرأت أن الذكاء الاصطناعي سبق خيال الطفل، ما يتطلب من صنّاع المحتوى التربوي تطوير أدواتهم وتقديم محتوى قصصي تفاعلي يلامس اهتمامات الطفل وبيئته المعاصرة. ودعت إلى دمج القصص في المناهج الدراسية من خلال تقنيات حديثة، مؤكدة أن التكنولوجيا يمكن أن تكون جسرا لنقل الأفكار النبيلة إذا ما اقترنت برؤية تربوية وإنسانية واعية.

منصة عالمية

حح

لا يتوقف دور المهرجان عند الكتب بل ينفتح على عوالم أخرى معاصرة، فقد اصطحب مؤخرا زواره من الصغار في رحلة إلى عالم البودكاست مع صانعة المحتوى كارلا نجان، التي استهلت الورشة بتعريف الأطفال بمعنى البودكاست، والمعدات المستعملة في صناعته، وطرق إخراجه، ومجالات الاستفادة منه، ثم استعراض أفضل برامج البودكاست والمؤثرين فيه.

وتم خلال الورشة تقسيم مجموعة الأطفال إلى شخصين شخصين، يؤدي أحدهما دور المذيع والآخر دور الضيف على البودكاست، وكانت المتعة بادية في وجوه الجميع، بهذه التجربة الأولى، أما عن الموضوعات التي ناقشوها بأنفسهم، فكانت عن الكتب والقراءة والمهرجان القرائي للطفل.

الإقبال على كتب الأطفال في تحسن لكنه بحاجة إلى دعم أكبر من المؤسسات التعليمية واهتمام أوسع بالتسويق

وتفاعل الأطفال مع الأسئلة التي ناقشها زملاؤهم من “المذيعين والمحاورين الصغار”، حول أنواع الكتب المفضلة لديهم، وهل يفضلون القراءة الورقية أم الرقمية؟ ولماذا يحبون قصص المغامرات أكثر من بقية القصص؟ وغيرها، كما تعرفوا أيضا على تقنيات إضافة المؤثرات الصوتية لتسجيل البودكاست ليكون أكثر تاثيرا وقبولا بين الجمهور الذي يستهدفونه مستقبلا.

أهم ما في الورشة أن الأطفال تعلموا معنى أن تكون للبودكاست قيمة، فلا يستخدموه لمجرد الشهرة، أو لنشر ما لا ينسجم مع قيمهم وهويتهم، وأن يبحثوا من خلاله دائما عما يعزز معارفهم وخبراتهم في الحياة، ويجعلوا من البودكاست وسيلة لاكتشاف الآفاق، والتعرف إلى الآخر، والحصول على المتعة الناتجة من المعرفة والتواصل.

وتتواصل فعاليات المهرجان مؤكدة مكانته كأهم وأكبر مهرجان مخصص لأدب الطفل في العالم العربي، وأحد أبرز المنصات على مستوى العالم المهتمة بتنمية القراءة والوعي المعرفي لدى الأجيال الناشئة.

وانطلقت دورة هذا العام تحت شعار “لتغمرك الكتب”، وتقدم أكثر من 1024 فعالية تتنوع بين ورش للقراءة وعروض مسرحية وأنشطة فنية وجلسات تفاعلية وبرامج تعليمية، إلى جانب أكثر من 50 جلسة ثقافية يشارك فيها نخبة من الكتاب والرسامين العالميين، ما يعكس الطابع الشامل للمهرجان في مخاطبة الطفل.

وتشهد هذه الدورة حضورا دوليا واسعا، إذ يشارك في فعالياتها 122 دار نشر من 22 دولة عربية وأجنبية، و133 ضيفا من 70 دولة حول العالم، من بينهم 43 متحدثا من 17 دولة عربية من الأكاديميين والكتاب والرسامين، الذين عززوا مكتبة الطفل العربي بإصدارات متميزة في عدة مجالات، منها القصص والخيال العلمي والمغامرات والتربية والتعليم وعلم النفس والمسلسلات وأفلام الرسوم المتحركة.

13