الشارقة الصحراوي مسرح غير تقليدي يروي حكايات وسيرا وأشعارا

عروض المهرجان تحتفي بالحكايات والسير والأشعار التي أبدعتها المجتمعات الصحراوية العربية وتقدمها في قوالب فنية تتداخل فيها الأنماط الأدائية الحديثة والشعبية.
الجمعة 2023/12/15
لوحات مسرحية عن ثقافة أهل الصحراء

الشارقة - في شهر ديسمبر من كل عام، يتوافد فنانون من الفرق المسرحية العربية، وعشاق الروايات المسرحية، على إمارة الشارقة بالإمارات العربية المتحدة، ليعيشوا بين جنبات مسرح غير تقليدي. مسرح، دون منصة مسرحية، وفنانون يجسدون تفاصيل روايات مسرحية، دون ستار مسرحي، وفصول مسرحية تهرول فيها الخيول وتتحرك فيها الإبل بحريتها دون عائق.

إنه مسرح الشارقة الصحراوي، الذي يقام في قلب الصحراء، بين الكثبان الرملية، ويقدم لجمهوره أعمالا مسرحية لفرق من مختلف الدول العربية. المسرح يقام على أرض الصحراء، وينطلق الفنانون من خيام مصنوعة من وبر الماعز، تحيطهم مشاعل النيران، وتحيطهم الإبل والخيول التي تشارك في تجسيد مشاهد فنية، وتجذب إليها الأنظار، وإعجاب المشاهدين.

ويقام مسرح الشارقة الصحراوي، للعام السابع على التوالي، في صحراء منطقة نزوى، التي تبعد نحو 30 كيلومترا عن المدينة، وشهد في دورته التي اختتمت الأربعاء مشاركة فرق من سوريا والإمارات، ومصر والأردن وموريتانيا. وتحتفي عروض المهرجان بالحكايات والسير والأشعار التي أبدعتها المجتمعات الصحراوية العربية، وتقدمها في قوالب فنية تتداخل فيها الأنماط الأدائية الحديثة والشعبية.

ومن يتوجه لحضور فعاليات هذا الحدث الفني الفريد من نوعه، ينزل في منطقة صحراوية، لتقابله مشاهد مستمدة من تراث الصحراء والحياة القديمة بدول الخليج. ولعل أبرز هذه المشاهد، الخيام المصنوعة يدويا، ليجلس المشاهدون فيها منتظرين بدء العروض المسرحية كل ليلة. وأمام الخيام يرى نزلاء كل خيمة دلة القهوة العربية، ومشاعل اللهب، ونيران التدفئة، ويتولّى شباب يرتدون الزي الإماراتي الأصيل تقديم التمر والشاي والمشروبات التراثية لهم.

مريم المعيني: المهرجان يهتم بإبداع مجتمعات الصحراء العربية
مريم المعيني: المهرجان يهتم بإبداع مجتمعات الصحراء العربية

ووسط هذه الخيام يقف الطباخون وهم يتولّون شيّ الماعز والخراف على الطريقة الصحراوية تمهيدا لتقديم وجبات من اللحم والأرز للزوار في الخيام ضمن حفلات عشاء بدوية، وعلى مقربة منهم تقف فرق فنية تراثية تدق الطبول والأدوات الإيقاعية وتعلو أصواتهم بالأغاني الشعبية الإماراتية، ليعيش جمهور المهرجان أجواء الصحراء، وتفاصيل حياة أبناء الخليج قبل عشرات السنوات.

وفي كل مساء، يعرض المهرجان عملا مسرحيا من دولة عربية، حيث تفد الفرق المسرحية من الخارج، وتعد ديكوراتها بين كثبان الرمال، محاطة بالإضاءات الخفيفة، التي تضيء ظلام الصحراء.

وتتميز الديكورات ببساطتها، حيث لا تتعدى بضعة خيام، وجلسات عربية على الرمال، وبعض أواني الطبخ ودلال القهوة. ويظهر الممثلون مرتدين الجلباب والعباءة العربية، وهو الزي الذي يتشابه بين سكان الصحارى في الدول العربية، ويتبادلون تقديم مشاهدهم بلغة عربية مستمدة من حياة البدو، ويتشاركون في تقديم عادات وتقاليد متشابهة تشتهر بها القبائل العربية.

وتدور غالبية العروض المسرحية التي يقدمها المهرجان، بين صراعات القبائل في الصحراء، وقصص من العشق بين فرسان العشائر وفتيات من جميلات القبائل، وتتناول مشاهد تؤكد على قيم الوفاء والفداء والفروسية التي اشتهر بها عرب الصحراء.

ويحرص مخرجو العروض المسرحية على استثمار تقديم مسرحياتهم وسط الصحراء، ليدخلوا في عروضهم قوافل الإبل التي تتحرك حاملة على ظهورها أبطال المسرحيات، ويدخلون الخيول التي تشارك في معارك بين الفرسان، وحروب القبائل، وتشارك في الأعراس بالرقص، وتنقل أبطال العروض بين الخيام وسط إضاءات هادئة مستمدة من ضوء القمر، ووسط دهشة الجمهور وإعجابه، والذي يتفاعل بقوة مع هذه المشاهد التي لا يراها في الأعمال المسرحية التقليدية.

وبين سكون الصحراء وأضواء القمر يقف الرواة في المسرحيات وهم يتلون نصوصا أدبية ومسرحية أمام الجمهور، وتتعالى أصوات أبطال العروض المسرحية وهم يتلون الأبيات الشعرية ونصوصا مستمدة من التراث العربي. وعقب انتهاء كل عرض مسرحي، يجلس الممثلون والجمهور في ندوة موسعة، أو كما تسمى في المهرجان "المسامرة النقدية"، ويتم خلالها الاستماع لملاحظات الجمهور وآرائهم، ويعلق عليها أصحاب العمل المسرحي.

ويشارك في الجلسات النقاد والمسرحيون المتخصصون الذين يعلقون على التفاصيل الفنية بكل عرض ويبدون ملاحظاتهم حول أداء الفنانين ورؤية الإخراج. وتتطرق مداخلات المشاركين ومناقشاتهم في المسامرات إلى التحديات التي يفرضها الفضاء الواسع والمفتوح لعروض المسرح الصحراوي، وآليات أداء الممثل، وإلى أي مدى يمكن أن تؤثر عروض الصحراء في حضور الممثل وإيقاع حركته، وكيف يمكن أن يتكيف معها أو يتجاوزها.

◙ فنانون يجسدون تفاصيل روايات مسرحية
◙ فنانون يجسدون تفاصيل روايات مسرحية

وخلال دورة العام 2023 قدمت فرقة مسرح الشارقة الوطني العرض الإماراتي "الناموس" تأليف سلطان النيادي، وإخراج محمد العامري، بمشاركة نخبة من أبرز فناني المسرح في الإمارات. ومن موريتانيا، تقدم فرقة إيحاء للفنون العرض الموريتاني "ملحمة أولاد العالية"، تأليف وإخراج سلي عبدالفتاح.

أما العرض الأردني فحمل عنوان "منيفة" للمؤلف أحمد الطراونة وإخراج فراس المصري، وتقدمه فرقة المسرح الحر، بينما يحمل العرض السوري اسم "الذيب" تأليف وإخراج سامر محمد إسماعيل، وتقدمه فرقة تجمع أشجار للمسرح الحر.

ومن مصر قدمت فرقة المسرح الصوتي "الخروج إلى النهار.. ترنيمة الصحراء"، من إعداد وإخراج انتصار عبدالفتاح. ويشيد الباحث والكاتب المصري عصام عبدالله بفكرة المهرجان، مشيرا إلى أن التاريخ العربي حافل بالقصص الدرامية التي يمكن استلهامها لترسيخ تجربة المسرح، ويأتي المسرح الصحراوي ليبرز هذه القصص.

وأضاف أن المسرح الصحراوي يتميز بتقديم نصوصه في بيئة طبيعية، ليعيش الجمهور أجواء حياة الصحراء، ويصبحون جزءا من العرض. وأثنى عبدالله على أداء الفنانين وقدرتهم على ركوب الخيل والجمال، والمشاركة في المبارزة والقتال وهم على ظهور الخيول فوق الكثبان الرملية.

وتقول مريم المعيني، رئيس اللجنة الإعلامية للمهرجان: "يحرص مهرجان الشارقة الصحراوي على تقديم الحكايات والسير والأشعار، كإبداع لمجتمعات الصحراء العربية، والعمل عليها فنيا، والمزج بين الأنماط الأدائية الحديثة والشعبية في موقع المهرجان، المحاط بالكثبان والخيام كتجهيزات مسبقة للعروض المشاركة".

وتضيف "تأتي الدورة السابعة من المهرجان بعد فترة إعداد استمرت لنحو ستة أشهر، تم خلالها التواصل مع الفرق المسرحية الراغبة في المشاركة، وتوفير كافة الوسائل والإمكانات لتهيئة أفضل الظروف لجميع المشاركين في فعاليات هذه الدورة، التي تحفل بعروض مسرحية، ومسامرات نقدية وفكرية متميزة، إضافة إلى مسابقات واحتفاليات تعكس تقاليد البيئات البدوية في الدول العربية".

فن ضارب في الصحراء

15