الشارع المصري يُعرض عن خطاب المعارضة الشعبوي

الشعارات التي ترفعها الحركة المدنية تتماشى مع توجهات الأحزاب الناصرية واليسارية المسيطرة عليها وما لديها من صلات بمكونات ما يسمى بـ"محور المقاومة ".
السبت 2024/10/12
المصريون منشغلون بلقمة العيش

القاهرة – أعادت الحركة المدنية الديمقراطية في مصر وتضم الكتلة الأكبر من الأحزاب المعارضة، تدوير خطابها الشعبوي مع حلول الذكرى الأولى لاندلاع الحرب في قطاع غزة، ووجهت انتقادات لاذعة للحكومة المصرية واتهمتها بالتقصير في دعم القضية الفلسطينية، ومدحت حركة حماس وحزب الله اللبناني، غير أن خطابها لم يلق صدى في الشارع المصري الذي بات مهموما بأوضاعه المعيشية.

ونظمت الحركة المدنية التي تضم ثمانية أحزاب وبعض الشخصيات المستقلة مؤتمرا حمل عنوان “من العبور إلى الطوفان: تحديات المواجهة مع العدو الإسرائيلي”، سعت خلاله لعقد مقارنات بين موقف الجيش المصري في حرب السادس من أكتوبر قبل نصف قرن وبين ما حدث منذ عام مع إطلاق حركة حماس “عملية طوفان الأقصى”.

وكررت الحركة دعوتها للحكومة المصرية إلى إلغاء اتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل في العام 1979 (كامب ديفيد)، ونادت بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وطرد سفيرها من القاهرة، وعمدت إلى الربط بين تحسين الوضع السياسي الداخلي وبين القدرة على التعامل مع التحديات الخارجية، من دون النظر إلى طبيعية المكونات السياسية والأحزاب القائمة بالفعل وقدرتها على التواصل مع الجمهور.

أمينة النقاش: الحركة المدنية تظهر كمن يتواجد في جزيرة منعزلة
أمينة النقاش: الحركة المدنية تظهر كمن يتواجد في جزيرة منعزلة

وقال المرشح الرئاسي الأسبق للرئاسة المصرية حمدين صباحي “إن النصر في معركة 6 أكتوبر، والنصر في معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، عبّرا عن إرادة هذه الأمة، وأنجزا خطوة على طريق تحرير فلسطين، وإن ذلك هو الهدف الأسمى لكل عربي، لكنه يتطلب تكامل جهود الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية”.

تتماشى الشعارات التي ترفعها الحركة المدنية مع توجهات الأحزاب الناصرية واليسارية المسيطرة عليها وما لديها من صلات بمكونات ما يسمى بـ”محور المقاومة”، لكنها تتعارض مع اتجاهات الرأي العام التي تجاوزت مثل هذه الخطابات، خاصة أن المعارضة لم تكن مُقعنة على مستوى إيجاد حلول بديلة للمشكلات الداخلية.

كما أن التفاعل مع تشابكات الصراع القائم في المنطقة لا يأتي في مقدمة أولويات أجيال تسعى لتحافظ على الاستقرار الداخلي مع الفوضى التي تعانيها دول مجاورة.

ويرى مراقبون أن جمود الخطاب السياسي لأحزاب المعارضة يتعلق بمدى قدرتها على التطور الداخلي، فأغلبها يعاني مشكلات داخلية ويمكن أن تصرف التوجهات الشعبوية النظر عن طبيعة الوزن السياسي لهذا الحزب أو ذاك ومتابعة فشله في الخروج من حالة الانكماش التي تعانيها منذ سنوات، لكنها لن تتمكن من توظيف الأحداث الإقليمية لتقديم خطاب أكثر تطورا يُقنع الشارع.

وكانت الحرب التي اندلعت العام الماضي بقطاع غزة أحد سبل أحزاب الحركة المدنية نحو معالجة الخلافات الداخلية على إثر المواقف المتعارضة من الترشح في انتخابات الرئاسة التي أُجريت ديسمبر المنقضي.

وفي ذلك الحين وظفت فعاليات الاحتجاج لدعم القضية الفلسطينية على ما كان يدور في الغرف المغلقة وترتب عليها عدم التوافق على مرشح واحد، وقاد ذلك إلى تجميد حزبي العدل والمصري الديمقراطي الاجتماعي عضويتهما في الحركة.

واستهدفت دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي للحوار الوطني بشأن تضمين قضايا الأمن القومي ضمن مجالات الحوار، التعامل مع الآراء التي بدت شاذة بالنسبة لقطاعات كبيرة من المصريين، بهدف ألا تكون السلطة عرضة لانتقادات الشارع أو أحزاب المعارضة حول تفاعلاتها مع تطورات الوضع الإقليمي، خاصة أن القضية الفلسطينية كانت محل تسخين سياسي في الشارع المصري منذ سنوات، ثم توارت.

قالت المحللة السياسية أمينة النقاش إن الخطابات الشعبوية لا تحقق الغرض منها وقت الاضطرابات الإقليمية، وقد سعت الدولة بكافة الوسائل الدبلوماسية لتقديم وسائل الدعم للمدنيين في القطاع، وأن توجيه انتقادات للسلطة الآن يعني أن البديل أن تدخل حربا، وهو أمر مرفوض شعبيا، والقيادة السياسية تجنبت الانزلاق في المعارك الدائرة.

عبدالحميد زيد: المعارضة معنية بطرح بدائل عن تلك التي تتخذها الحكومة
عبدالحميد زيد: المعارضة معنية بطرح بدائل عن تلك التي تتخذها الحكومة

وأوضحت النقاش في تصريح لـ”العرب” أن المصريين لديهم قناعة بأن تحقيق مكاسب أو خسائر لا يكون بالخطابات أو الانجراف إلى حرب غير معروفة نهايتها، بالتالي فالحركة المدنية تظهر كمن يتواجد في جزيرة منعزلة دون أن تقيم بالضبط اتجاهات الرأي العام، لأن الحكومة تتعامل على مستوى جيد مع الضغوط التي تتعرض لها الدولة على اتجاهات مختلفة، بجانب مصارحة المواطنين بالأوضاع الاقتصادية الصعبة في الداخل.

وأشارت إلى أن الحركة المدنية تحالف شعبوي له رؤية ثورية تتمثل في توجيه الانتقادات إلى رأس السلطة وإتاحة المجال لممارسة العمل السياسي أمام الجميع، ولم تحاول إحداث تغيير في رؤيتها العامة يتماشى مع اهتمامات المواطنين، ما ترك انطباعات لدى كثيرين بأنها ليست لديها قراءة صائبة للواقع السياسي.

وأثار اللقاء الذي جمع المعارض المصري البارز حمدين صباحي بأمين عام حزب الله اللبناني الراحل حسن نصرالله قبل عام، ردود فعل سلبية في الداخل المصري، وفي ذلك الحين أُثيرت تساؤلات حول مغزى اللقاء الذي جاء على هامش المؤتمر القومي العربي الذي استضافته بيروت في يونيو 2023، وترك رواسب بأن معارضة الداخل تحمل أجندات خارجية غير مقبولة لدى المواطنين العاديين.

ودائما ما تعمل الحكومة المصرية على استهداف المعارضين عبر توجيه اتهامات بالتنسيق مع قوى خارجية، ما يجعل مواقفهم ذات الارتباط بالقضايا الخارجية محل شكوك حول أهدافها، ليكون ذلك فخا تنصبه السلطة وتقع فيه المعارضة بشكل مستمر.

وقال أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الفيوم (جنوب غرب القاهرة) عبدالحميد زيد إن التوجهات اليسارية لغالبية أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية تفسر موقفها من حسابات الدولة المرتبطة بالحرب الدائرة في قطاع غزة، وإن المعارضة تبقى معنية بتقديم حلول بديلة عن تلك التي تتخذها الحكومة، لأنها تتسم بحرية حركة قد لا تكون متوافرة لها حال حلت مكان السلطة، ما يجعل الخطاب الشعبوي الذي يعتمد على تقديم حلول سهلة نظريا هو السائد في مواقفها.

وأضاف زيد في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة المصرية تدرك أن القرارات الهامة والمصيرية، مثل قرار الحرب أو إنهاء السلام، لا يكون قياس الرأي العام مفيدا، إذا وجدت معارضة واسعة، وتترك الأخيرة لتُعبر عن موقفها بلا تضييق في حدود ما يسمح به القانون في مصر.

2