الشارع الليبي يطالب الرئاسي بتسلم الإدارة ويحدد موعد الانتخابات

طرابلس - منح آلاف المتظاهرين في العاصمة الليبية طرابلس المجلس الرئاسي مهلة لا تتجاوز 24 ساعة لتسلم إدارة البلاد، محددين تاريخ 25 يوليو 2026 كأقصى موعد لإجراء الانتخابات، ملوحين بالتصعيد الشعبي حال تجاهل مطالبهم.
ويعكس هذا الحراك المتصاعد غضب الشارع الليبي من الانسداد السياسي والانفلات الأمني، خاصة بعد الاشتباكات الأخيرة التي أودت بحياة مدنيين وألحقت أضرارا واسعة بالممتلكات.
وتُبرز التظاهرات الحاشدة في طرابلس، التي امتدت إلى ميدان الشهداء ومناطق أخرى مثل سوق الجمعة، وزاوية الدهماني، والنوفليين، بالإضافة إلى التحام المتظاهرين من مدن الزاوية وصرمان وصبراتة، مدى اتساع رقعة السخط الشعبي. وقد حملت هذه المظاهرات شعار "جمعة الخلاص"، حيث صدحت الحناجر المطالبة بـ"استعادة مفاتيح الدولة" ورفع لافتات تؤكد "السيادة للشعب".
وتجاوزت مطالب المتظاهرين في طرابلس مجرد إسقاط حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها رئاسة عبدالحميد الدبيبة، لتشمل رؤية شاملة لإصلاح المشهد السياسي برمته في ليبيا.
وأفاد بيان صادر عن الحراك بأن التظاهرة جاءت "استجابة لغضب الشارع الليبي من استمرار الأجسام السياسية الحالية، محمّلين حكومة الوحدة الوطنية والحكومة المكلفة من البرلمان والمجلس الرئاسي ومجلسي النواب والدولة مسؤولية الانسداد السياسي والانفلات الأمني الذي تشهده البلاد".
وطالب المتظاهرون في بيانهم بـ "حل كافة الأجسام السياسية، وتشكيل لجنة أزمة تتولى إدارة شؤون البلاد مؤقتً"، ودعوا المجلس الرئاسي إلى "الشروع فورًا في تحديد موعد لإجراء الاستفتاء على مشروع الدستور" الذي يرونه أساسًا لبناء دولة مؤسسات مستقرة، وتنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية بحلول 25 يوليو 2026".
وأكد البيان أن الحراك لن يتراجع، وأن الاحتجاجات ستبقى سلمية لكنها لن تتوقف، مشددا على أن "خيار العصيان المدني سيكون مطروحا في حال استمرار تجاهل مطالبهم من قبل المجلس الرئاسي أو بعثة الأمم المتحدة". كما دعا البيان "كافة أبناء الشعب الليبي إلى مواصلة الضغط الشعبي في كافة المدن"، معتبرين أن "ما يجري في البلاد يتطلب وقفة وطنية لإنقاذها من الفوضى والتمزق". وختم المتظاهرون بيانهم بعبارة قوية "نحن صوتكم، ولن نتراجع عن حقنا في التغيير السلمي".
وعبر رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، فجر السبت، عن "فخره" بما وصفه بـ"المشهد الحضاري" للتظاهرات.
وقال المنفي عبر حسابه على منصة إكس "نفخر بالمشهد الوطني الحضاري الذي قدمه أبناء شعبنا في العاصمة، عبر العودة لحق التعبير السلمي والمسؤول عن تطلعاتهم"، داعيا كل الليبيين إلى "مواصلة التعبير السلمي الراقي في مختلف المدن من أجل بناء دولة عصرية تعبر عن آمال الجميع".
وأشاد المنفي أيضا بدور المؤسسات الأمنية في حماية التظاهرات، مضيفا "لطالما كان الرهان على الاستماع لرأي الشعب بكل الوسائل، لتحقيق التغيير الإيجابي".
يُشكل الحراك الشعبي الأخير في طرابلس، بما حمله من مطالب جذرية وتهديدات بتصعيد سلمي، نقطة تحول حاسمة قد تُعيد رسم ملامح المشهد السياسي الليبي برمته.
فقدت حكومة الدبيبة شرعيتها الشعبية في العاصمة، على الرغم من الاعتراف الدولي النسبي. المظاهرات الحاشدة وتهديدات العصيان المدني تُشير إلى تآكل قاعدتها الشعبية، ما يُصعّب عليها الاستمرار في الإدارة الفعالة.
كما تُزيد المطالب بنزع الاعتراف الدولي من الضغط على الدول والمنظمات الدولية لإعادة تقييم دعمها، خصوصا مع استمرار الانسداد السياسي وتجاوز الحكومة لولايتها، ما يجعل موقف حكومة الدبيبة التفاوضي في أي حوارات سياسية قادمة، أضعف بكثير، إذ ستُجبر على الاستجابة للمطالب الشعبية وتقديم تنازلات.
وتُعطي مطالبة المتظاهرين المجلس الرئاسي بتسلم إدارة البلاد دفعة قوية لموقعه، فيما تشير استجابة المنفي، بفخره بالمشهد الحضاري ودعوته لمواصلة التعبير السلمي، إلى محاولة لركوب موجة الغضب الشعبي واستغلالها.
ويعتقد أنه إذا استمر الضغط، قد يُصبح المجلس الرئاسي الجهة الأكثر قبولا لقيادة المرحلة الانتقالية المؤقتة، خاصة إذا فشلت الأجسام السياسية الأخرى في التوافق، مما قد يمنحه صلاحيات تنفيذية أوسع.
ويُحمّل المتظاهرون مجلسي النواب والدولة مسؤولية الانسداد السياسي، وهذا الضغط الشعبي قد يُجبرهما على تسريع جهود التوافق حول القوانين الانتخابية والإطار الدستوري لإنقاذ ما تبقى من شرعيتهما. استمرار الجمود يُفقدهما المزيد من الثقة الشعبية، مما يجعل أي حلول مستقبلية تُقدمها محل شك وتدقيق.
تُشكل هذه التظاهرات دليلا على فشل المساعي الأممية الحالية في تنظيم الانتخابات وإنهاء الانقسام. وهذا قد يُجبر المجتمع الدولي على تبني استراتيجية أكثر حزما وفعالية، ربما بفرض عقوبات على معرقلي العملية السياسية أو دعم مبادرات بديلة. قد يُفكر المجتمع الدولي في سيناريوهات تُركز بشكل أكبر على تلبية المطالب الشعبية، ودعم آلية مؤقتة جديدة لإدارة البلاد تُحظى بتوافق شعبي ودولي.
وفي المقابل، قد تُحاول أطراف أخرى، كالحكومة المكلفة من البرلمان والجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، استغلال هذا الحراك لتعزيز مواقعها والضغط على حكومة الدبيبة، مما قد يُؤدي إلى مزيد من الاستقطاب أو حتى المواجهات.
وعلى الرغم من سلمية التظاهرات حتى الآن، فإن التهديد بالعصيان المدني وإمكانية استخدام القوة لفض الاحتجاجات يُهدد بتصعيد العنف وتدهور الوضع الأمني بشكل خطير، مما قد يُدخل البلاد في فوضى أكبر.
وتُراقب الأطراف الدولية، بقيادة الأمم المتحدة والدول الكبرى، التطورات في طرابلس بقلق بالغ. بينما تُؤكد على حق الشعب في التعبير السلمي، تُبدي هذه الأطراف مخاوف جدية من تصعيد العنف وتدهور الوضع الأمني.
وحثّت البعثة جميع الأطراف على التهدئة الفورية وضبط النفس، خاصة مع تصاعد التوترات وتقارير عن تعبئة عسكرية في العاصمة والمنطقة الغربية. أكدت البعثة التزامات جميع الأطراف بحماية المدنيين، مُحذرةً من أن الهجمات عليهم أو على الأهداف المدنية قد تُصنف كجرائم حرب.
ورغم إقرارها بحق التظاهر السلمي، مُشيرةً إلى أن استخدام العنف ضد المحتجين يُعد انتهاكًا خطيرًا لحقوق الإنسان، لاحظ البعض تناقضًا في موقف البعثة، إذ صرّحت الممثلة الخاصة للأمين العام، هنا تيتيه، أن حكومة الدبيبة لا تزال تتمتع بالشرعية الدولية رغم انتهاء ولايتها، ما أثار انتقادات بتقديم دعم ضمني لها. تُواصل البعثة دفعها نحو حوار سياسي شامل يجمع الأطراف الليبية لإيجاد حل توافقي يقود إلى الانتخابات.
وانضمت السفارة الأميركية في ليبيا إلى دعوات الأمم المتحدة للهدوء وضبط النفس. بشكل عام، تُدعم واشنطن المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، وتدعو إلى حل ليبي-ليبي يُنهي الأزمة ويُمهد الطريق لانتخابات حرة ونزيهة. حتى الآن، لم تُصدر مواقف رسمية صريحة تُدعم أو تُدين الحراك الشعبي، لكن تركيزها ينصب على تجنب التصعيد العسكري وحماية المدنيين.
ونصحت السفارة التركية في ليبيا مواطنيها المقيمين في طرابلس بتوخي الحذر وتجنب مغادرة منازلهم، مما يعكس قلقها من الأوضاع الأمنية. تُعد تركيا داعمًا رئيسيًا لحكومة الوحدة الوطنية بقيادة الدبيبة، لذا تُراقب التطورات عن كثب وقد تُحاول دعم استقرار الحكومة الحالية.
بشكل عام، تدعو معظم الدول الأوروبية والعربية المعنية بالملف الليبي إلى ضبط النفس وتجنب العنف، مُؤكدةً على ضرورة التوصل إلى حل سياسي شامل يُنهي الانقسام ويُفضي إلى انتخابات. يسود قلق من أن تُؤدي هذه التظاهرات إلى مزيد من تدهور الوضع الأمني أو انهيار كامل للمؤسسات، ما قد يُؤثر على استقرار المنطقة بأسرها. يرى بعض المراقبين أن هذه الاحتجاجات قد تُشكل فرصة ضغط جديدة على الأطراف السياسية لتقديم تنازلات والتوصل إلى اتفاق يُنهي حالة الجمود.