الشائعة وهشاشة المعرفة
تجد الشائعة أرضا خصبة لها في كلّ المجتمعات، فقبل اعتماد الكتابة كانت المشافهة هي قناة التواصل الوحيدة، وكانت الشائعة وسيلة لنقل الأخبار وبناء السمعة أو تقويضها، وتأجيج الفتن أو الحروب.
لا تقتصر الإشاعة على زمن بعينه، تراها تنشط في السلم وفي الحرب، وتظلّ تحقّق غاياتها برغم إجراءات الحيطة والحذر والمحاصرة، إلّا أنّها بانتشارها السريع الفتّاك تظهر هشاشة المعرفة المبنية على عدم ثقة بالنفس وبالآخر، وهذا ما يوجب البحث والتدبّر، ولا سيّما أنّ الهشاشة تنذر بالتعمّم في ظلّ الخراب الذي تحدثه الإشاعة في بنية المعرفة نفسها.
يحيط الباحث الأميركي جان نويل كابفيرير في كتابه “الشائعات” بعوالم ما يسميها الوسيلة الإعلامية الأقدم في العالم.ويرى أن الشائعة تطير وتزحف وتتعرج وتعدو، ويعتقد أن هذا ما يجعلها على المستوى المادي أشبه بحيوان مباغت وسريع الحركة يتعذر أسره ولا ينتمي إلى أيّة فصيلة معروفة.وبالنسبة إلى تأثيرها في البشر فيعتقد أنها أشبه بالتنويم المغناطيسي، ولا سيما أنها تبهر وتغوي وتسحر الألباب وتلهب الحماسة.
محاولته تفسير الشائعات تنطلق من عدة أسئلة منها: ما الذي يجعل الشائعات مكروهة؟ ما القواعد التي تحكم غايتها؟ ما هي الغاية الخفية التي تتجاوز المضمون الصريح المباشر للشائعة؟
يلفت كابفيرير إلى أن جميع الأسئلة المرتبطة بعدم التحقق من صحة الشائعة ترتكز على افتراض مسبق مفاده أن الرغبة في التحقق موجودة بالفطرة لدى الشخص الذي يسمع بها.
إذ يرى أن قوة الشائعة تجعلها في معظم الأحيان تتضمن معلومة تبرر ما يشعر به المرء أو يتمناه. ويعترف أن الشائعة معلومة متناغمة، أما السعي إلى التحقق منها ففيه ضرب من المازوشية، خصوصا أن النتيجة قد تكون معلومة متناقضة، ومن ثم فإن الاندفاع لتصديق الشائعة يستثني كل خطوة للتحقق منها.
لربّما يكون الإرباك في الشائعة هو إمكانية إثبات صحّتها. ففي زمن الحرب، يمكن للعدوّ وآذانه الوهمية أو ما يعرف بالطابور الخامس معرفة بعض الحقائق المخفية من خلالها. وهذا دليل على أنها تقوم أحيانا على أساس صحيح، أو قد تخلخل الأساس الصحيح إن وجد.
كاتب من سوريا