السينما سؤال وفضاء للمغامرة

المخرج المصري الشاب أحمد فوزي صالح: نحاول الاشتباك مع تاريخ مُهيمن للسينما المصرية.
الأحد 2019/04/28
أحمد فوزي صالح.. مغامرة جديدة في السينما العربية

منذ ما يقرب من عام ونصف العام، مع الانطلاقة الأولى لفيلم “ورد مسموم”، استطاع المخرج المصري الشاب أحمد فوزي صالح، في فيلمه الروائي الأول “ورد مسموم”، أن يلفت الأنظار إلى سينما جديدة تمتلك حساسية خاصة وأسلوبا مُتفرّدا قادرا على أن يشتبك بنظرته الخاصة مع قضايا المجتمع المصري. “العرب” حاورت صالح حول أسلوبه وتوجهه السينمائي انطلاقًا من فيلمه “ورد مسموم”.

في جُعبة المخرج الشاب فيلمان؛ الأول تسجيلي بعنوان “جلد حي”، والآخر فيلمه الروائي “ورد مسموم”. يُبين صالح أنه بدأ في العمل السينمائي أثناء دراسته بالمعهد العالي للسينما في القاهرة، إذ أخرج فيلمين بعنوان “موكا” وهو فيلم روائي قصير، و”كل يوم” وهو فيلم تسجيلي عن الأطفال في منطقة عزبة الهجانة.

وقد كان لأستاذه الناقد السينمائي السيد سعيد الفضل الأكبر عليه؛ فقد فتح أمامه آفاق الفنون وساعده على تكوين أسلوبه الخاص، من هنا بدأ اهتمامه بعالم المهمشين والفقراء والحياة السُفليّة في القاهرة، وتبلور أسلوبه الخاص في طريقة التصوير المعتمدة على الواقعية في الإضاءة والاعتماد على شخوص من الواقع وممثلين محترفين وهواة، وبفضل توجيهات السيد سعيد تنبّه صالح لدقائق صناعة الفيلم، وبعدها جاء مشروع فيلمه التسجيلي “جلد حي”.

الحياة السفلية

يشترك الفيلم التسجيلي “جلد حي” مع الفيلم الروائي “ورد مسموم” في المكان “منطقة المدابغ”، وهو واحد من الأحياء الشعبيّة العشوائية في القاهرة، مع ذلك يرى صالح أن فلسفة المكان في الفيلمين لا تتشابه؛ فالفيلمان مختلفان في الرؤية الفنية.

 يُركز الفيلم الأول على الأوضاع التي يعاني منها الأطفال في المكان، أما “ورد مسموم” فيأتي المكان كشخصية روائية شأنه في ذلك شأن الأخ والأخت في الفيلم، فالمكان يفرض سطوته هنا على شخصيات الفيلم ومصائرهم وقراراتهم، ولا مجال للحديث عن تكرار بعدما حقق الفيلم التسجيلي نجاحات على المستوى النقدي ومستوى المهرجانات والتوزيع كواحد من الأفلام التسجيلية التي تم تداولها على نطاق واسع.

يرى صالح أن من حق كل فرد أن يرى الفيلم كما يعتقد، وفقا لثقافته وخبراته في التعامل مع الأفلام، البعض قد يراه مأساويا أو ينقل بصدق حياة امرأة مقهورة في عالمنا المعاصر، شخص آخر قد يراه فيلما واقعيا ينقل الواقع، لا يُجمّله ولا يزيده سوءا، ذلك التنوع صحي ودليل على قوة الفيلم، في تعدد مستوى الإحساس به وفهمه
يرى صالح أن من حق كل فرد أن يرى الفيلم كما يعتقد، وفقا لثقافته وخبراته في التعامل مع الأفلام، البعض قد يراه مأساويا أو ينقل بصدق حياة امرأة مقهورة في عالمنا المعاصر

كما أن “ورد مسموم” حصد ما يربو عن 15 جائزة، وقد يكون العملان مكتملين؛ فالفيلم الأول يصور حياة الأطفال في هذا المكان، والفيلم الثاني قد يطرح تصورا عن مستقبل هؤلاء الأطفال في مثل هذا المكان.

يطمح صالح إلى أن يستكمل مسيرته في التوجّه ذاتها، قائلا “اخترت هذا النمط من السينما، وسأدافع عن هذه الطرق في التفكير والإنتاج السينمائي لأنها تُمثِّل قناعاتي الفنيّة. فأنا أعتقد أن الصورة هي اللغة الإنسانية الأولى التي نتشارك فيها وفي فهم الشعور الذي تولّده، فمتعتي في الحياة أن أكون صانعا للصور”.

حساسية جديدة

رغم النجاحات التي حققها فيلم “ورد مسموم” على المستوى النقدي، فإن ثمة انتقادات وُجهت له من أبرزها هيمنة الغموض على أحداثه ومعناه منذ بدايته وحتى نهايته، يوضح صالح “لكل شخص رؤيته وقراءته، بالنسبة إليّ لا أرى غموضا، هناك قصة واضحة وقد أشارت العشرات من القراءات لها، لكن الفيلم به مساحة لإدخال المتفرج داخل الفيلم، إنه يطرح أسئلة أكثر مما يصل إلى يقين. من الأسئلة التي يطرحها الفيلم لماذا تحب الأخت أخيها هذا الحب؟ فالفيلم لا يقدم إجابة لكنه يطلب من المشاهد أن يجد إجابته، وهذه طبيعة الفنون في الزمن الحالي”.

يتابع: الفن مهموم بطرح الأسئلة وتفجيرها وليس بتقديم الإجابات واليقين أو تقديم رسالة مجتمعية أو أخلاقية، الفيلم يطرح مجموعة من الأسئلة عن الفن والمجتمع، عن هيمنة العقل الذكوري على تفكير المرأة ومشاعرها، فالمهم أن نطرح الأسئلة لا أن نقدم إجابات.

فالسينما المصرية قدّمت الكثير من الأعمال التي تطرح إجابات حول العديد من القضايا، لكن تقديم الاجابات لا يعني بالضرورة تقديم عمل جيد، وبالتالي نحن جيل جديد نُقدِّم سينما جديدة ونمتلك حساسية جديدة ونحاول الاشتباك مع تاريخ مهيمن للسينما المصرية من خلال تقديم أطروحاتنا وأسئلتنا عن المجتمع والسينما.

يؤمن صالح أنه من الطبيعي أن تتراوح الآراء حول الفيلم إيجابا وسلبا، فقد كان صناع العمل مدركين أن الفيلم صادم على مستوى الصورة وطريقة السرد، فهو لا يعتمد على قصة ضخمة أو منحنيات تتراوح صعودا وهبوطا أو حبكات تُدغدغ مشاعر المتفرج، فالفيلم مشغول بطرح أسئلة حول الفن نفسه والنفس البشرية والمجتمع الذي ننتمي إليه، الفيلم يستغني عن الخطابية ويحمل القضايا والأفكار والصور وليس الكلام، الفيلم ينتهج نهجا راديكاليا على مستوى السينما، ويحكي قصته من خلال الصور.

الرواية والفيلم

مشهد من فيلم ورد مسموم حيث السينما ترتاد عوالم البؤس
مشهد من فيلم ورد مسموم حيث السينما ترتاد عوالم البؤس

اقتبس فيلم “ورد مسموم” قصته من رواية “ورود سامة لصقر” للكاتب المصري أحمد زغلول الشيطي، ويشير صالح إلى أن السيناريو الأخير الذي توصلوا إليه بعيد تماما عن رواية “ورود سامة لصقر”، لكنهم حافظوا على اسم الكاتب أحمد زغلول الشيطي على لوحات الفيلم كتقدير أدبي، فلا يوجد ما هو مشترك بين الفيلم والرواية سوى شخصية تحية وصقر، لكن الرواية تدور أحداثها في مدينة دمياط في الثمانينات، بينما تدور أحداث الفيلم في منطقة المدابغ في الألفينات. بالتالي على مستوى الزمن والمكان والعلاقة بين الشخصيات لا يوجد تشابه سوى هذا الخط الرفيع عن الأخت التي تحاول أن تُبقي أخيها بجوارها.

ويستطرد: فكرة الحذف مهمة جدا في الفن، فلو تصوّر الفنان أنه وصل إلى الكمال لن ينجح، والسبب الأهم في عملية الحذف أن الفيلم له شكل وفي النهاية عمل متكامل، فالحذف ضروري كي يخرج العمل متماسكا، وقد اعتمدنا في الإطار العام للفيلم على فكرة “أقل القليل” أو “التقشف”، أن يصير الاعتماد الأكبر على الصمت، وأن تتضمن الصورة أقل العناصر الممكنة.

ويمكن اعتبار فيلم “ورد مسموم” ابنا شرعيا للأدب، فكبار الروائيين والشعراء يكتبون أعمالهم بالاعتماد على الحذف لخلق مساحة للقارئ يمكنه فيها تأويل وقراءة العمل، وأثناء عملنا على الفيلم كان في وعينا مُتفرج شريك لا مُتلق، فالعالم والواقع بهما الكثير من أوجه النقص، والمهم كيف نراها، لأن الفن لا يمتلك يقينا أو حقيقة كاملة يقدمها للناس، وتعجبني دائما كلمة المخرج الفرنسي جان لوك غودار إن اللقطة سؤال أخلاقي.

ويرى صالح أن من حق كل فرد أن يرى الفيلم كما يعتقد، وفقا لثقافته وخبراته في التعامل مع الأفلام، البعض قد يراه مأساويا أو ينقل بصدق حياة امرأة مقهورة في عالمنا المعاصر، شخص آخر قد يراه فيلما واقعيا ينقل الواقع، لا يُجمّله ولا يزيده سوءا، ذلك التنوع صحي ودليل على قوة الفيلم، في تعدد مستوى الإحساس به وفهمه،

وأظن أن هذه قيمة كبيرة يبحث عنها أي عمل فني، أن يعاد تأويله بأكثر من شكل أو أكثر من رؤية، الاختلاف سُنّة الكون وتقبُل الاختلاف هو ما يجعل الحياة تستمر ويضفي عليها المتعة.

15