السينما تسرد ذاكرة الشعوب ورسائلها في مهرجان السويداء للأفلام القصيرة

لا يبتعد مهرجان السويداء للأفلام القصيرة عن الأزمات والإشكاليات التي يمرّ بها محيطه السوري والعربي، وإنما يسعى إلى استقطاب أفلام عن الحرب والحب والسلام، أفلام تعبر عن ذاكرة الشعوب وتسردها أمام مشاهدين لنشر ثقافة سينمائية قادرة على تقييم المنتج الفني وتحليله.
السويداء (سوريا) - انتظمت في مسرح قصر الثقافة بمدينة السويداء عروض مهرجان السويداء للأفلام القصيرة في دورته الخامسة بمشاركة اثنين وعشرين فيلماً من سوريا وعدد من الدول العربية.
وتضمن افتتاح المهرجان الذي تنظمه الوطنية للإنتاج السينمائي والتلفزيوني بالتعاون مع مديرية الثقافة والنادي السينمائي عرض مادة فلمية عن الفنان الراحل نضال سيجري الذي تحمل هذه الدورة اسمه تقديراً لعطائه ومسيرته الفنية والإبداعية.
والفنان سيجري توفي في العام 2013 عن عمر ناهز 48 عاما بعد معاناة طويلة من ورم سرطاني في الحنجرة. وكان قد أنجز عددا من الأعمال التلفزيونية والمسرحية أبرزها المسلسل الكوميدي الناقد "ضيعة ضايعة" وفيلم "طعم الليمون" الذي تناول فيه يوميات عائلات لاجئين فلسطينيين ونازحين سوريين من الجولان السوري، بالإضافة إلى مهجرين عراقيين اجتمعوا في منزل واحد.
وكان المهرجان قد انطلق قبل خمس سنوات، كما أشار مديره المخرج عصام الداهوك في كلمة خلال الافتتاح، بهدف نشر ثقافة السينما لكونها تمثل ذاكرة الشعوب ورسالة من أجل الحب والسلام والحرية والإنسانية والعدالة ومؤشراً على الرقي الفني والارتقاء في سلم الفنون.
ولفت الداهوك إلى أن المهرجان تطور موسماً بعد آخر حتى وصل إلى ما هو عليه الآن داعياً محبي السينما وعشاقها إلى التفاعل وتقديم أفضل ما يمكن لأن هذا البلد يستحق أن يحمل علامة فارقة في العلم والثقافة والفن.
وعرض المهرجان على مدى أيامه الخمسة اثنين وعشرين فيلما من سوريا والجزائر ومصر والمغرب والعراق ولبنان وهي أفلام تم انتقاؤها من بين 65 فيلماً مرشحاً تم إرسالها من طرف مخرجين عرب إضافة إلى أفلام أرسلت من دول أوروبية لكن تم الإحجام عن عرضها لأسباب تقنية وقانونية.

بدورها لفتت مديرة الثقافة في السويداء ليلى أبوفخر إلى أن المديرية كما تعنى بالتواصل مع كل الفنون ودعمها بهدف تنشيط وتفعيل الحراك الثقافي في المحافظة فإن المهرجان في دورته الحالية يشكل فرصة وتجربة هامة في هذا الإطار، ولاسيما مع هذا النوع من الأفلام التي جاءت كتطور في فن السينما الذي دخل خلاله تحديا يتمثل في قدرته على أن يلبي متطلبات الجمهور وذائقته وأن يوصل الأفكار العميقة من خلال التكثيف والإيجاز ببعض دقائق أو ربما ثوان.
واستهل عروض المهرجان الفيلم الصامت "صدى" من خارج المسابقة سيناريو وإخراج عصام الداهوك الذي يقدم فيه رؤية من الفن الرمزي والسريالي أحياناً بما يحمله من رموز ودلالات لكل عناصر الفيلم ومشاهده ليست بعيدة عما يعيشه السوريون اليوم في دعوة للعودة إلى أصولهم وحضارتهم وهويتهم للنجاة والخروج من الأزمة.
وعرض كذلك فيلم “رهاب الحب” من مصر إخراج حاتم قناوي والذي يطرح قضية اجتماعية تتعلق في جانب منها بالعنف ضد المرأة والتي تجعل فتاة تحمل في ذاكرتها مشهد قسوة الأب على الأم تهاب الحب والزواج خوفاً من أن تقع ضحية لذلك.
ثم عرض الفيلم القصير الصامت "المكالمة" من المغرب، من إخراج عبدالعالي الحراق والذي يتحدث عن مدمني المخدرات بصفة عامة ورحلتهم داخل هذا العالم وانتقالهم بين عالم الأحياء والموت أو عالم المناداة حيث يصبح المدمن متصلاً بعالم آخر مسلوب الإرادة وهكذا تجري مجريات الفيلم من شخص إلى آخر وفي النهاية تصبح تلك الأرض أرض الأموات المستقطبة للأشخاص من عالم إلى آخر.
واختتمت عروض اليوم الأول بفيلم جواد من سوريا إخراج أيهم عرسان وإنتاج المؤسسة العامة للسينما ويطرح فكرة القدوة والسند اللذين يجسدهما الأب بالنسبة إلى الابن والحالة التي يعيشها الطفل عندما يشعر بأن أحد هذه المعاني يمكن أن يهتز ولو قليلاً وما يمكن أن يتركه ذلك عليه من أثر لتتجه أحداث الفيلم بعدها إلى مكان آخر غير متوقع.
◙ المهرجان يأتي كواحد من الإنجازات الثقافية المتأثرة بالأوضاع في سوريا والمنطقة العربية، واستفاد مثل كل الحراك الثقافي في البلاد
وتواصلت عروض المهرجان يوميا حتى الخميس، بتقديم أفلام عربية تتناول قضايا شائكة تعيشها المجتمعات العربية، مثل الاختلافات بين الأجيال، وتأثير التكنولوجيا في الناشئة ومعاناة المهاجرين، وتداعيات الحرب على الإنسان بالإضافة إلى الأمراض الخطيرة والظواهر الاجتماعية والسلوكيات التي ترتبط بالمرأة والطفل.
ورأى كل من عضوي اللجنة المنظمة عصام حمادة وفريال زيدان أن المهرجان في دورته الحالية كان مختلفاً ومميزاً من حيث قيمة الأفلام والعروض والمشاركة العربية التي تعكس تجارب شبابية سينمائية بموضوعات ورؤى إخراجية وفنية مختلفة.
أما عضو لجنة التحكيم معن دويعر فقد أشار إلى أن المهرجان منذ انطلاقته يسير بخط بياني متصاعد عاماً بعد آخر بمتابعة وجهود القائمين عليه لافتاً إلى أن الأفلام المشاركة في هذه الدورة اتسمت بالغنى وتنوع أساليبها وموضوعاتها المطروحة التي تحمل غالبيتها أفكاراً عميقة قدمها الشباب واختلفت وتفاوتت طرق معالجتها وتناولها من النواحي الإخراجية والفنية.
يذكر أن الدورة الرابعة للمهرجان كانت قد اختتمت فعالياتها العام الماضي بندوة حول السينما والإعلام وتقنيات الفيلم القصير. وتطرقت الندوة إلى دور الإعلام في توجيه الإنتاج السينمائي.
ويأتي المهرجان كواحد من الإنجازات الثقافية المتأثرة بالأوضاع في سوريا والمنطقة العربية، واستفاد مثل كل الحراك الثقافي في البلاد من عودة الأمن إلى الكثير من المحافظات منذ العام الماضي، لينفتح على محيطه السوري والعربي.