السينمائي قيس الزبيدي يقدم درسا شاملا عن كتابة السيناريو

أونتاريو (كندا)- لا نتوقف عن سماع إشكاليات كتابة السيناريو في نقد الأعمال الدرامية والسينمائية، وهذا دليل على جوهرية فعل الكتابة في خلق عمل مرئي ومسموع متماسك، بل لا أفلام ولا مسلسلات ومسرحيات من دون سيناريوهات.
ويتسع الاهتمام بكتابة السيناريو ويرافقه سؤال يطرحه الكثيرون عن الشروط والتطورات المرتبطة بكتابته، وذلك بالتزامن مع التدفق الهائل في الإنتاج السينمائي وإنتاج المسلسلات محدودة الإنتاج أو تلك ذات الإنتاج الضخم مما يشاهده الملايين من المتابعين في مختلف أنحاء العالم كل يوم، بل كل ساعة.
في هذا الإطار صدر عن “محترف أوكسجين للنشر” في أونتاريو كتاب جديد للمخرج والباحث السينمائي قيس الزبيدي، يحمل عنوان “في البدء كانت الكلمة – السيناريو” مقدما ما يمكن اعتباره درسا في كتابة السيناريو.
يأتي هذا الكتاب للمخرج والمونتير والباحث السينمائي قيس الزبيدي ليضعنا ابتداء من عنوانه في صلب موضوعه، فهو كتاب عن السيناريو، وهو تعليمي وتاريخي في آن معا، يعلّم تأليف السيناريو ويشرح تفصيلا مراحل هذه العملية الإبداعية ومتطلباتها، ويقدم لكل المناهج المتصلة بها، مع تشريح لسيناريوهات أفلام وتمارين عملية على الكتابة.
ويأتي كل ذلك في سياق تاريخي متصل بنظرية الفيلم وتاريخ السينما، وعلاقة هذه الأخيرة مع المسرح والرواية، وتأثيرهما على السينما، وتأثيرها عليهما، والفروقات بين الأدبي والسينمائي، على اعتبار السيناريو “كتابة وصف شامل لصور وأصوات تسرد الحكاية على الشاشة”.
يطرح الزبيدي بداية سؤالا مفاده “هل كتابة السيناريو معرفة قابلة للتعلّم؟”، ليمضي بنا صاحب “اليازرلي” في مقاربة عملية تأليف القصص السينمائية وكيفية سردها، موضحا أن “كتابة السيناريو تخضع إلى طرق منهجية، لأن مثل هذا النص لا يمكن تصوره وتدوينه على الورق إلا وفق عملية تدريجية تمرّ بمراحل، قد تختلف في تفاصيلها، لكنها في النهاية متشابهة، وتم التعرف عليها عبر ممارسة الكتابة للسينما من قبل مجموعة هائلة من المخرجين والكتاب والدارسين”.
هذا ما يجعل “الكلمة – السيناريو” رهانا إبداعيا لا يتوج بـ”السيناريو” إلا عبر مراحل تستدعي قدرة على الكتابة البصرية وإتقانا للنواحي الفنية للسيناريو، من رسم الشخصيات والأزمات الإنسانية بشكل مقنع، والإلمام بالبيئة التي تجري فيها الأحداث، والخلوص إلى حوار مفهوم مستقى من الحياة.
وكما جاء في كلمة الغلاف “إن كنت كائنا سينمائيا دراميا فإنك تعرف بالتأكيد أن السيناريو هو ‘البدء’، إذ لا وجود لما نشاهده على شاشة كبيرة أو صغيرة من دونه. وحين يضع بين أيدينا مخرج ومنظر سينمائي بحجم قيس الزبيدي كتابا عن السيناريو، ويقول لنا إن تأليفه عملية قابلة للتعلّم، فهذا يعني أننا أمام كتاب استثنائي يقدم كل مستلزمات عملية تأليف السيناريو، عمليا وتاريخيا، مبينا المراحل والتقنيات المتبعة في هذه العملية، بما يجعل المكتوب على الورق جديرا بالانتقال إلى الشاشة، وهكذا تتحول من كائن سينمائي/درامي إلى كاتب سينمائي/درامي”.
جاء كتاب “في البدء كانت الكلمة – السيناريو” في 136 صفحة، وضم مقدمة وتسعة عشر فصلا، تبدأ بـ”تطور الوسيط السينمائي: المسرح والرواية والسيناريو”، مرورا بـ”وحدات بناء الفيلم، وعملية كتابة السيناريو ومراحلها، وبناء المكان والزمان في السينما”، وصولا إلى “الخيارات الجمالية لصانع الفيلم الوثائقي وأنواع هذا الأخير”.
كتبت هذه الفصول وأخرى بخبرة سنوات طويلة في الإبداع السينمائي، كتابة وإخراجا ونقدا، ليقدم لنا الزبيدي في هذا الكتاب مقاربة عملية كتابة السيناريو على مستويات متعددة، مستندا إلى أمثلة وتجارب وإسقاطات فنية وواقعية، مبينا كل المراحل والتقنيات المتبعة في هذه العملية، فالسيناريو، لم يكتب بهدف نشره وبالتالي قراءته، إنما لتحويله إلى حكاية تسرد من قبل وسيط آخر هو الفيلم وبالتالي لتتم مشاهدته.
وقيس الزبيدي مخرج ومونتير وناقد سينمائي، مقيم في برلين. نال الدبلوم في المونتاج (1964) والتصوير (1969) من “معهد الفيلم العالي” في بابلسبرغ/ألمانيا، وحصل على درجة الإخراج لكتابته وتصويره ومونتاجه فيلمه “في سنوات طيران النورس”.
قدم أكثر من 12 فيلما وثائقيا منها “بعيدا عن الوطن” (1969)، و”وطن الأسلاك الشائكة” (1980)، و”فلسطين سجل شعب” (1984). كتب وأخرج الفيلم الروائي التجريبي الطويل “اليازرلي” (1974). كما صدر له العديد من الكتب في النقد السينمائي ونظرية الفيلم منها “فلسطين في السينما”، و”المرئي والمسموع في السينما”، وشارك في عضوية لجان تحكيم مهرجانات عربية ودولية.