السيسي يعدل أولويات الحكومة لاسترضاء الشارع المصري

القاهرة - أخذ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على عاتقه تصويب مسار الخطة الاستثمارية للحكومة، أملا في تحقيق مكاسب سياسية من الاستجابة لشريحة كبيرة من المواطنين طالبت بالتركيز على القطاعات الخدمية بما يحقق عوائد مباشرة لها.
وعقد السيسي الثلاثاء اجتماعا مع رئيس الحكومة مصطفى مدبولي ووزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد، لمناقشة المستهدفات الضرورية، والتي ستركز على تنمية الموارد البشرية، ومنح قطاعي الصحة والتعليم أولوية.
ويرغب النظام في تهدئة غضب المصريين من استمرار الحكومة في تجاهل مطالبهم مقابل التركيز على خطط لم تجلب عوائد مباشرة إلى الناس، لذلك أصبح السيسي مهتما ببدء ولايته الثالثة في الحكم بصورة تعطي انطباعات جيدة عنها. ومن المقرر أن يؤدي السيسي اليمين الدستورية رئيسا للبلاد مطلع أبريل المقبل، وسط إحباط في الشارع من أزمات معيشية صعبة، بالتوازي مع إهمال الحكومة لقطاعات تمس احتياجات الناس مباشرة، ما خلق معارضة شعبية ضدها.
وتعتقد دوائر سياسية أن تدخل رأس السلطة لتصويب مسار الخطة الاستثمارية نابع من توجه إلى وضع حد للمقارنات التي طرحها خبراء بين المخصصات المالية الضخمة للمشروعات التنموية والتقشف الشديد مع نظيرتها الخدمية.
ويكشف الاتجاه الرئاسي المعاكس للحكومة عن إدراك النظام أنه مهما كانت هناك إنجازات قومية لن تجد صدى عند الكثير من المصريين طالما هناك تجاهل لأولوياتهم، حيث لا يهتم هؤلاء بتوفير خدمات لائقة تلبي احتياجاته.
ويصعب فصل تغير أولويات الحكومة عن وجود توجه إلى انسحاب مؤسسات الدولة من الدخول في استثمارات تنموية ضخمة، وإفساح المجال للقطاع الخاص، وبالتالي لم يعد أمام الحكومة من خيار سوى القيام بدورها الطبيعي المتمثل في التركيز على القطاعات الخدمية.
وهناك دوائر داخل السلطة مقتنعة بضرورة إعادة النظر في التركيز على الشق الاقتصادي من دون توجيه نفس الاهتمام إلى قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة، لتفكيك المعارضة المجتمعية التي ارتفع صوتها ولا تقتنع بما تحمله رؤية الحكومة من انعكاسات سلبية.
ويفسر ذلك سعي الرئيس السيسي لتقليل الفجوة بين الحكومة والمواطنين في ما يتعلق بأولويات الاستثمار، فالحكومة تتمسك بالتركيز على الاقتصاد والأغلبية الشعبية تريد أن تستثمر في تعليم وصحة أولادها، ما يتطلب تقريبا للمسافات وتعديلا في أولويات الدولة.
وقال سعيد صادق الباحث والخبير في علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة “إن تعديل أولويات الإنفاق مؤشر إيجابي على بدء الاستماع لصوت العقل، ومن المهم ألا يرتبط ذلك بظرف سياسي أو محاولة لخفض منسوب القلق في الشارع، بقدر ما يتطلب أن يعكس قناعة حكومية”.
وأضاف صادق في تصريح لـ”العرب” أن “تجاهل نبض الناس خلق معارضة شعبية مستعدة للتمرد، لأنها تتحرك مدفوعة بمطالب مشروعة ولا بديل عن تنفيذها، ومن الخطر السياسي عدم الاستجابة لهم، وإنْ جاء التعاطي معها متأخرا، لكن المهم تنفيذ الوعود”.
ويعد الارتباك في إدارة الإنفاق على قطاعي التعليم والصحة مؤشرا على إخفاق الحكومة في إدارة العلاقة مع المصريين في المجالات المختلفة، ويكفي أن المنظومة التعليمية وحدها تضم قرابة 26 مليون شخص، يمثلون نحو 25 في المئة من التركيبة السكانية، إضافة إلى أسرهم، والفشل في ترضيتهم مجازفة سياسية.
ويبدو التعديل الأخير في أولويات خطة الدولة محاولة أخيرة من السيسي لعلاج إخفاقات الحكومة المتكررة في ترضية الناس وتحجيم غضبهم من ملفات حساسة، وشكّل هؤلاء معارضة مجتمعية غير منظمة، تتعلق بأسر مدفوعة بخوفها على أهم استثمار لديها، وهو الأبناء الذين يمثلون خطا أحمر بالنسبة إليها.
ويتصدر التعليم أولويات المصريين ولا يقل أهمية عن رغيف الخبز (العيش)، ويأتي بعده قطاع الصحة الذي وصل إلى حالة تدهور شديد في البنى التحتية ونقص الأطباء وهجرة الكثير منهم إلى الخارج، وهي الأزمة نفسها الموجودة في التعليم حيث يصل عجز المعلمين إلى 400 ألف معلم فقط، بينما تحتاج المدارس ضعف هذا الرقم.
ويشير التراجع عن الاستثمار في مشروعات قومية إلى أن الحكومة ليست لديها رفاهية الاستمرار في تحدي الرأي العام، ومن السهل الاعتراف بأنها تحركت في مسار مرفوض شعبيا وعليها تصويبه، فالدولة تواجه تحديات تتطلب ترميم الفجوة الداخلية.
وفهم بعض الخبراء تدخل السيسي في إعادة التوازن إلى الخطة الاستثمارية للحكومة على أنه يعكس شعورا بصعوبة الاستمرار في الدفاع عن تصورات الحكومة أكثر من ذلك، بعد أن تمادت في ارتكاب أخطاء عديدة تسببت في اتساع الهوة بينها وبين المواطنين، في خضم صعوبات إقليمية تستدعي التدخل العاجل لوقف استفزاز الناس.
وأثبتت بعض المستجدات أن المعارضة والشارع كانا على صواب عندما بح صوتهما في مطالبة الحكومة بترتيب أولويات الإنفاق، لكنها تمادت في العناد وجلبت لنفسها خسائر وباتت مضطرة للعودة إلى الصواب بترك الاستثمار والتركيز على الشق الخدمي.
ولا يخلو نهج السيسي من محاولة لإقناع المصريين بأن الدولة قررت تعويضهم عن سنوات الصبر وتحمل الصعوبات لفرض الأمن والاستقرار وبناء دولة مستقرة سياسيا، وهناك ضرورة لتحقيق مطالبهم بعد أن نجحت الدولة في تثبيت أركان التنمية.
ويتوازى مع ذلك تنامي الشعور داخل النظام بأنه مهما حاولت الحكومة إقناع الناس بتحسن الأوضاع الاقتصادية والخروج من عنق الزجاجة دون توجيه مخصصات مالية ضخمة للتعليم والصحة كقطاعين مهمين سوف تظل حالة الإحباط من الواقع والمستقبل مسيطرة على الشارع.
وتتشكك شريحة من المواطنين في التعهدات الحكومية بشأن الاستثمار في القطاعات الخدمية، لأن السيسي تعهد من قبل بالتركيز على الصحة والتعليم، لكن الحكومة لم تحقق ذلك، والآن تفعل الأمر نفسه مع اقتراب بدء الولاية الثالثة.
ويبدو السيسي مهتما أكثر بالتركيز على النواحي الخدمية في لقاءاته مع كبار المسؤولين والوزراء ومطالبتهم بخطط تنفيذية عاجلة دون التطرق إلى النواحي الاستثمارية، في محاولة لتثبيت ثقة الناس في نظامه مهما فقدوها في الحكومة.