السيسي يعترف بالعجز عن مواجهة حرب الإشاعات في ظل الصمت الرسمي

القاهرة- لم تعد مصر تئن فقط من تداعيات أزمة اقتصادية حادة طالت دولا عديدة في العالم، بل يشكو كبار المسؤولين فيها مما يمكن وصفه بزيادة ملحوظة في منسوب “المغالطات السياسية” التي تمثل إزعاجا لما يصاحبها من تشويش على محاولات النظام الحاكم تصحيح الأوضاع وتخفيف الأوجاع عن المواطنين.
وقد ناشد الرئيس عبدالفتاح السيسي في كلمة له بكاتدرائية العاصمة الإدارية (شمال القاهرة)، مساء الجمعة، عقب تهنئته البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية والأقباط بأعياد الميلاد، المصريين بعدم الإصغاء إلى “كل من يتحدث في الشأن العام، خاصة الأشخاص الذين خارج دائرة المسؤولية”.
وتطرق في كلمة مقتضبة إلى الشائعات التي انتشرت الأيام الماضية بشأن بيع قناة السويس قائلا “في ناس بتقول (تقول) خلي بالكوا (خذوا حذركم) قناة السويس مش عارف هيعملوا فيها إيه (لا أدري ماذا يريدون بشأنها)، خلي بالكوا هيبيعوا حاجات منعرفش إيه (خذوا حذركم من بيع أصول)”.
◙ السيسي يردّ بنفسه على كل كبيرة وصغيرة في الدولة في ظل ضعف أداء الحكومة والبرلمان ووسائل الإعلام
ومع أن الرئيس السيسي لم يتطرق إلى التفاصيل، غير أنه حرص في هذه المناسبة الدينية على الإشارة إلى خطورة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد والتفاؤل بإمكانية عبورها، وإلى النتيجة التي أدّى إليها إقرار البرلمان المصري “مبدئيا” مشروع قانون لإنشاء صندوق خاص بقناة السويس، حيث راجت تكهنات بأن الصندوق مقدمة لبيع أو تأجير القناة التي تمثل رمزا وطنيا عند المصريين.
وكانت الرسالة التي حملها خطاب السيسي في مقر الكاتدرائية واضحة في مسألة الشائعات والأضرار الناجمة عنها والوثوق في تصوراته وحده، بما يعني أن ما يتم تداوله من خارج دوائر المسؤولين بعيد تماما عن الحقيقة، ليس فقط في ملف قناة السويس التي انحصرت الردود الرسمية حول ما شاع بشأنها في مجال النفي من دون تفاصيل.
وتتزايد ما تعتبره دوائر حكومية في مصر بالشائعات تارة والمغالطات السياسية تارة أخرى والتحريض والحرب النفسية على الدولة تارة ثالثة مع الندرة في الحصول على المعلومات من الجهات الرسمية وبطء الرد على ما يتناثر من اجتهادات أو تخمينات، والاقتصار غالبا على النفي مباشرة دون توفير المعلومات اللازمة التي تثبت الحقيقة.
وقال رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة إكرام بدرالدين إن الشائعات التي تستهدف الدولة المصرية تنطوي على “حرب نفسية بامتياز، وترمي إلى بث حالة من اليأس والإحباط عند الطرف الموجهة إليه الشائعة (الشارع)، وهذا يتطلب مضاعفة الجهود من مختلف مؤسسات الدولة لمواجهتها، وليس الرئيس السيسي وحده”.
وأضاف لـ”العرب” أنه مطلوب من كل مسؤول في موقعه أن يتحدث للناس من دون تضخيم أو تهوين، ويصارح الشارع ويكون هناك قدر كبير من المكاشفة والمصارحة، ولو هناك مشكلة عميقة على المجتمع أن يعرفها من المسؤول بشكل مباشر.
واستثمرت جهات معارضة في الخارج، تقودها جماعة الإخوان والإعلام والتابع لها، الآلية العقيمة التي تتعامل بها الحكومة مع الشائعات، خاصة اللغط الذي انتشر حول ملف قناة السويس، وأدّى العجز الرسمي عن تفنيد ما أذيع أو بث أو كتب بصورة دقيقة وفورية إلى ترسيخ الكثير منه وتحويله إلى ما يشبه الثوابت أو الحقائق.
وجاءت الضربة الموجعة من الشبهات التي تناثرت حول تعديل قانون هيئة قناة السويس مؤخرا، حيث تجاهل السيسي الرد على الكثير مما يتردد حول الأزمة الاقتصادية وروافدها الاجتماعية، وبدا معنيا أكثر بالرد على الأزمة التي سببتها القناة في مناسبة دينية – مسيحية كان نجمها الأول.
وحملت الشائعة هذه المرة مضمونا سياسيا كبيرا يتعلق بشرف الجيش المصري الذي تكبد تضحيات بالغة لتأميم قناة السويس شركة مصرية منذ حوالي سبعة عقود.
ويمكن حلّ ما يطلق عليه الرئيس السيسي بـ”الشائعات” حول قناة السويس أو غيرها من القضايا التي يثار حولها اللغط من خلال توفير المعلومات سريعا من مصادرها المباشرة، وتوسيع مساحة الحرية لوسائل الإعلام لتقصي الحقائق وتقديمها إلى الجمهور.
كما أن ترك بعض الملفات تتحول إلى كرة ثلج ثم يتم نفيها بلا تفاصيل كافية لن يؤدي إلى تصويبها، وهو ما حدث مع قناة السويس التي يصعب المساس بها لأسباب وطنية، لكن الطريقة التي جرى التعاطي بها لم تبدد الشكوك، ولم يفلح خطاب السيسي للمرة الثانية في نفض الغبار عنها، لأنه اكتفى بالبعد العاطفي في حديثه.
◙ السيسي ناشد المصريين بعدم الإصغاء إلى "كل من يتحدث في الشأن العام، خاصة الأشخاص الذين خارج دائرة المسؤولي"
ويقول مراقبون إن الفترة المقبلة سوف تشهد المزيد من الشائعات والمغالطات السياسية، لأن النظام المصري أتيحت له العديد من الفرص ولم يستثمرها بطريقة جيدة عندما حصل على مساعدات ومنح ومعونات وقروض خلال السنوات العشر الماضية، وهو ما لم يعد متوافرا بسهولة في الوقت الراهن.
وربما تكون الظروف العالمية لعبت دورا مضاعفا، إلا أن الرؤية المصرية تفتقر إلى تعظيم الفوائد الاقتصادية وتقتصر على مشروعات البنية التحتية ذات المردود البعيد.
ويضيف المراقبون أن ما يشكو منه الرئيس السيسي يسهل دحضه إذا وجه الوزراء وكبار المسؤولين بالتفاعل السريع، لكنهم يرتاحون للشكل الحالي حيث يعفيهم من تحمل عواقب ما يمكن أن يقدموا عليه من ردود تتسبب في حرج سياسي لهم.
ويقود تصدر الرئيس المصري للرد بنفسه على كل كبيرة وصغيرة في الدولة إلى جعله المسؤول الوحيد الذي يعرفه الشعب، ففي ظل ضعف أداء الحكومة والبرلمان ووسائل الإعلام والقيود المفروضة على الأجهزة الرقابية لن يجد المواطنون سوى رئيس الدولة لتحميله إخفاقات المؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ولذلك قد تتصاعد حدة الشائعات ويتم تداولها في الشارع المصري على نطاق واسع مع استمرار الأزمة الاقتصادية وعدم وجود جهات رسمية تمتلك الجرأة لتفنيدها أو معالجتها، ما يفضي لاصطحاب مغالطات سياسية تؤثر على هياكل الدولة المصرية.