السيسي يرسّخ الدور الدفاعي للجيش المصري

القاهرة- تحرص مصر من وقت إلى آخر على التأكيد على عدم المشاركة في حروب خارجية إلا في الحدود التي تمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي للبلاد، وحدوث اعتداء فعلي عليه، وهو هدف لم يتغير في الخطاب الرسمي على مدار السنوات الماضية التي واجهت فيها مصر، ولا تزال، تحديات إقليمية عديدة، ويبدو أن الهدف كان بحاجة إلى تأكيد جديد مع اندلاع الحرب الحالية على قطاع غزة.
وشدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال تفقده تفتيشا عسكريا ميدانيا، الأربعاء، على أهمية الدور الدفاعي لجيش بلاده من دون انخراط في صراعات مسلحة خارجية قد تكون لها انعكاسات سلبية على مصر، ملمحا إلى تحاشي تكرار مغامرات سابقة لم تكن مدروسة جيدا، في إشارة أوحت بالنأي عن الانخراط العسكري في حرب غزة.
ووجه السيسي رسائل طمأنة إلى الداخل بشأن جاهزية واستعداد الجيش لصد أي تهديد مباشر على سيادة الأراضي المصرية، بعد أن شهدت الأيام الماضية جدلاً شعبياً حول الخطر المتزايد من إمكانية تنفيذ مخطط إسرائيلي خاص بتهجير سكان غزة إلى سيناء.
وتعلم شريحة كبيرة من المواطنين أن دخول مصر في مواجهة إسرائيل تعاطفا مع الفلسطينيين في غزة يعني مواجهة شاملة مع الولايات المتحدة وحلف الناتو، وبالتالي ضياع الكثير من مشروعات التنمية التي ينتظر المصريون جني ثمارها.
وأوضح الرئيس المصري أثناء حضوره اصطفاف إجراءات تفتيش حرب الفرقة الرابعة المدرعة بالجيش الثالث الميداني بالسويس شرق القاهرة، أن بلاده تتعامل مع كل الأزمات “بعقل وصبر دون تجاوز في استخدام القوة”، مشيرًا إلى أن “القوة الرشيدة والحكيمة إحدى السمات الرئيسية للقوات المسلحة المصرية”.
وفُهم من حديث السيسي عن أوهام القوة والنصر وقوله “يجب ألا يقود نحو الاندفاع باتجاه اتخاذ قرارات غير مدروسة، يتم الارتكان فيها على الغضب المدفوع بحماس زائد عن اللازم”، على أنه يهدف إلى فرملة أصوات طالبت الجيش بالتحرك سريعا رداً على إصابة عدد من الجنود المصريين في سيناء بقذيفة من دبابة إسرائيلية عن طريق الخطأ قبل أيام.
ووجه السيسي رسائل متعددة، أبرزها أن الموقف المصري ينبني على دراسات عسكرية وسياسية دقيقة، وأن الانحياز إلى الحلول الدبلوماسية محاط بمحددات مرتبطة بطبيعة الصراع الذي قد يأخذ في التوسع والتمدد في منطقة الشرق الأوسط دون أن يدفع ذلك إلى جر مصر إلى صراعات عسكرية تُنهكها مع وجود أزمات اقتصادية داخلية.
وكشفت رمزية الزمان والمكان اللذين خرجت منهما تصريحات السيسي عن أن الموقف المصري المعلن يحظى بتأييد ودعم الجيش، وأنه على أهبة الاستعداد للتعامل مع أي تهديد جديد.
وقال الخبير العسكري العميد سمير راغب إن رسائل السيسي تمثلت في التأكيد على أن مصر لديها “قيادة رشيدة لا تتورط في اتخاذ قرارات غير مدروسة، لمنع تكرار تجارب سابقة دفع الشعب المصري ثمنها غاليًا، وتسليط الضوء على القدرات القتالية التي يتمتع بها الجيش، وكفاءة الفرقة الرابعة المدرعة التي تقوم دائما بأدوار حاسمة في الحروب والرد على التهديدات”.
وأضاف راغب في تصريح لـ”العرب” أن التصريحات حوت مضمونا خاصا بأهمية التوصل إلى حل سياسي للقضية الفلسطينية، وهو ما يشي بأن القاهرة تسعى لوضع القضية على الطاولة عندما تسكت المدافع وتتوقف الحرب، وعدم السماح بتصفيتها على الطريقة الإسرائيلية، وأن التسوية السياسية ممكنة وبلا حروب مدمرة.
وأشار إلى أن السيسي أكد أن التدخل بالقوة العسكرية من جانب الجيش المصري دون اعتداء مباشر أمر تجاوزه الزمن، وأن تجدد الحروب التي تدور بين الفلسطينيين والإسرائيليين ترجع إلى كونهما لم يصلا بعد إلى مرحلة السلام، وطال الزمن أم قصر فإن قيمه العادلة وقبول الآخر هي التي تقود إلى الحلول الدائمة.
وذكر الخبير العسكري أن العروض وإجراءات تفتيش الحرب دائما ما تكون بمناسبة الاحتفال بانتصارات حرب أكتوبر، وتواجد السيسي فيها ورسائله لا يعنيان تصعيداً ضد أحد، لكن ما حدث أنها تزامنت مع تطورات إقليمية ودولية، لافتًا إلى أن الصورة التي رسمها اصطفاف عناصر المدرعات ومشاركة أسلحة متنوعة في العروض لا تعزز اتجاه مصر إلى الحرب، لكنها تبقى في خلفية المشهد والجهود المصرية مع الحلفاء والأصدقاء لإيجاد حل سياسي للصراع الحالي.
ويقول مراقبون إن الحضور الفاعل للجيش في المشروعات التنموية لا يؤثر على الجاهزية القتالية داخل صفوفه، وأن هناك حدودا معروفة للحفاظ على الأمن القومي المصري سواء أكان ذلك بالتعمير أو مواجهة التهديدات ومكافحة الإرهاب، وأن الأنشطة المترابطة تجعل الدولة مستقرة ولا يمكن أن يؤثر نشاط على الآخر.
وأكد عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد حسن أن التفتيش العسكري حمل إشارة مهمة بأن حدود مصر ليست مستباحة لأحد، وأي إرادة خارجية لحل الصراع التاريخي لا يرتضيها الفلسطينيون لن يتم القبول بها.
وقال أحمد حسن في تصريح لـ”العرب” إن استخدام إسرائيل “القوة الجنونية” في غير موضعها لن يؤدي إلى حل المشكلة، وتدمير حياة أهالي غزة يجب ألا تكون تحت تأثير الانفعال، وأن مصر تعي جيداً ما يتم التخطيط له وهي قادرة على حماية حدودها.
ولفت إلى أن القوات المشاركة في التفتيش العسكري المصري أغلبها دفاعية ورادعة، في تأكيد آخر على أن مصر ليس لديها نوايا هجومية لكنها سوف تدافع عن أمنها القومي، حال تعرضت البلاد إلى أي انتهاك أو اعتداء.