السيسي يرسم خطوطا عريضة للإنقاذ دون طرح آليات التنفيذ

أزمة ثقة في الشارع المصري بالتوجهات المستقبلية للدولة.
الأربعاء 2024/04/03
تحديات كثيرة تنتظر السيسي في ولايته الجديدة

تباينت المواقف والآراء بشأن الخطاب الذي ألقاه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بمناسبة أدائه اليمين الدستورية لولاية جديدة، حيث هناك من اعتبره مقدمة لتحول في السياسات، وآخرون رأوا أنه لم يحمل جديدا يمكن الرهان عليه، لافتين إلى أن الإشكال لا يتعلق بالمبادئ العامة المطروحة بل بتنزيلها على أرض الواقع.

القاهرة - عرض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خطوطا عريضة لرؤيته بشأن إدارة البلاد خلال السنوات المقبلة مع أدائه اليمين الدستورية لفترة رئاسية جديدة الثلاثاء.

وطغت على هذه الرؤية الجوانب الاقتصادية، وسبل التعامل مع الأزمات الإقليمية المشتعلة بالقرب من الحدود المصرية، وأرسل إشارات تفيد بتعديلات كبيرة على مستوى إدارة مؤسسات الدولة.

ووجد خطاب التنصيب ردود فعل متباينة، فهناك من اعتبره مقدمة لتغيير في التوجهات والأدوات التنفيذية لتحسين الأوضاع المعيشية وتكريس الاستقرار بما يساهم في مجابهة التحديات الخارجية، وهناك من يرى أن أطره الرئيسية لا تحمل تحولات نوعية على المستويين السياسي والاقتصادي، وأن الفترة المقبلة بحاجة إلى قرارات أكثر وضوحًا لتعزيز أدوات الإنتاج وتحسين البيئة السياسية.

وحظي خطاب السيسي، الذي جاء من مقر البرلمان المصري في العاصمة الإدارية الجديدة بشرق القاهرة، باهتمام واسع من المصريين، في ظل انتظارهم تغييرا كبيرا يتماشى مع بدء مرحلة تشهد فيها البلاد ترقبا لما سوف تؤول إليه أوضاع الاقتصاد، وسط وعود أوحت بأن الانتقال إلى العاصمة الإدارية سيواكبه تغيير في مسارات السلطة.

وتجاهل السيسي الإشارة إلى إجراء تعديل وزاري أو تعيين نائب للرئيس في خطابه، لكن البعض من المراقبين فسروا حديثه عن الإصلاح المؤسسي الشامل بأنه مؤشر على تغيير سيطال الحكومة في الأيام المقبلة ويتماشى مع تلميحات شبه رسمية هدفت إلى خلق صور إيجابية للمواطنين عن المرحلة المقبلة.

إيهاب منصور: الحديث عن استكمال الحوار الوطني عنوان عريض
إيهاب منصور: الحديث عن استكمال الحوار الوطني عنوان عريض

وتعهد السيسي في خطابه بتبني إستراتيجيات تعظم قدرات وموارد الدولة الاقتصادية، وتعزز صلابة ومرونة الاقتصاد في مواجهة الأزمات وتحقيق نمو قوي ومستدام ومتوازن.

وأعلن عن تبني إصلاح مؤسسي شامل يهدف إلى ضمان الانضباط المالي وتحقيق الحوكمة السليمة من خلال ترشيد الإنفاق العام وتعزيز الإيرادات العامة، مشددا على الاستمرار في استكمال إنشاء المدن الجديدة وتطوير المناطق الكبرى غير المخططة واستكمال برنامج سكن لكل المصريين الذي يستهدف الشباب والأسر محدودة الدخل.

وقال رئيس الهيئة البرلمانية للحزب الديمقراطي الاجتماعي إيهاب منصور إن المحاور التي تحدث عنها الرئيس السيسي يوجد اتفاق بشأنها، والأزمة تكمن في آليات التنفيذ والاستعانة بحكومة قادرة على تحويل ما تحدث عنه إلى واقع، لافتا إلى أن “الحديث عن تعظيم الموارد ليس بجديد ولم نجد الحكومة تقدم الدعم المطلوب للمزارعين، وهو ما ترتب عليه نشوب أزمات عنيفة في زراعة الأرز والقمح”.

وأوضح منصور في تصريح لـ”العرب” أن “مصر بحاجة إلى حكومة اقتصادية لديها خبرات كافية للقيام بدور تنفيذي لمجلس الوزراء، ولها خلفية عامة بالأزمات المعيشية المستحكمة، وقدرة على إدارة القدر الهائل من القروض، والاستفادة من الاستثمارات الأجنبية، والمواطنون بحاجة إلى أن يصلهم هذا الشعور ليكونوا أكثر ثقة بتوجهاتها المستقبلية”.

وأشار إلى أن الحديث عن استكمال الحوار الوطني عنوان عريض يتطلب بذل جهود فعالة تعزز قيمته من خلال توسيع مساحة الحرية والاستماع إلى وجهات النظر المختلفة، وفتح الباب أمام نقاش ثري حول إعادة ترتيب الأولويات وترشيد الإنفاق.

وتبدو مطالب المصريين بشأن التغيير الشامل في الوجوه والسياسات هي التحدي الأبرز في الفترة الرئاسية الجديدة، ما يجعل مؤسسات الدولة أمام معضلة تحسين صورتها عبر تغييرات كبيرة، قد لا تحدث إذا استمرت سيطرة ما يسمى بـ”الدولة العميقة” وواصلت البيروقراطية هيمنتها.

حسام علي: حديث السيسي عن الحوكمة يشي بتغيير حكومي واسع
حسام علي: حديث السيسي عن الحوكمة يشي بتغيير حكومي واسع

وأكد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في القاهرة مصطفى كامل السيد أن خطاب الرئيس السيسي لم يخرج عن الأهداف العامة التي تحدثت عنها الحكومة في الفترة الماضية، وأن التطرق إلى مسألة إعادة الحوكمة عملية تتعلق بما التزمت به مصر أمام صندوق النقد الدولي ضمن شروط الاتفاق الأخير لزيادة قيمة القرض من 3 إلى 8 مليارات دولار، وما يحمله ذلك من انعكاسات على الموازنة العامة للدولة.

وأكد كامل السيد في تصريح لـ”العرب” أن “الخطاب لم يتطرق إلى العقبات التي قادت إلى تعقيد المشكلات الاقتصادية وعرقلة الأهداف التي كانت ترمي إليها الدولة بشأن تعزيز الإنتاج الصناعي والزراعي، ومازال الجزء الأكبر الذي استنزف موارد الدولة والمتعلق بالبناء والتشييد والمشروعات الكبرى مستمرا، مع توقع بدء المرحلة الثانية من العاصمة الإدارية والتوسع في شبكات النقل العامة، ومد شبكة القطارات السريعة، والحديث عن المزيد من المدن الجديدة”.

وشدد كامل السيد، وهو أحد أعضاء الحركة المدنية الديمقراطية (معارضة)، على أن استئناف الحوار الوطني لن يكون شبيهًا لما سار عليه في الماضي، والذي ارتكز على الحوار بين المعارضة والحكومة، ومع انقسام الحركة المدنية لن يكون هناك حضور فاعل للمعارضة، ومن المتوقع أن يتحول إلى حوار مجتمعي أسوة بما حدث بالفعل داخل العديد من المؤسسات الحكومية والأهلية قبل انطلاق الحوار الوطني.

كما أن عدم تنفيذ بنوده، وفي القلب منها إطلاق سراح المحبوسين احتياطيًا وإصدار قوانين جديدة لانتخابات البرلمان، يجعل من الصعب التعويل على دور فاعل للحوار.

ودعا السيسي في أبريل 2022 إلى أول حوار وطني من نوعه منذ توليه الرئاسة، وفي الخامس من يوليو من العام ذاته بدأ الحوار على مستوى مجلس أمناء قبل أن ينطلق فعليا في مايو الماضي، وأسهم في الإفراج عن عدد كبير من السجناء في قضايا مرتبطة بالرأي وشهد مناقشات ساخنة حول ملفات سياسية واقتصادية متعددة.

ويقول متابعون إن المسألة الإيجابية في خطاب التنصيب تتمثل في التركيز على تطوير التعليم والتأكيد على استكمال مشروع التأمين الصحي الشامل وزيادة مخصصات برامج الدعم النقدي المعروف بـ”تكافل وكرامة” واستكمال مراحل مشروع “حياة كريمة” الذي يرتبط بتحسين سبل الحياة المعيشية في المناطق الفقيرة.

وذكر عضو كتلة الحوار، وهي منصة ليبرالية تقف على مسافة وسطى بين الحكومة والمعارضة، حسام علي أن التركيز على تحقيق الأمن الغذائي هو جزء من مطالب شعبية ترى ضرورة تصحيح مسارات الإنتاج المحلي، وتجهيز البنية الأساسية التي تمهد لنجاح المشروعات وتمنح أملاً في المستقبل، وأن الناظر إلى وضع الدولة حاليا يجدها قد تغيرت كثيرا، مقارنة بما كانت عليه أوضاعها قبل ثلاثين عامًا.

ولفت علي في تصريح لـ”العرب” إلى أن مساحة الحريات العامة الممنوحة للإعلام أكثر إيجابية الآن إذا قورنت بما كانت عليه قبل ثلاث أو أربع سنوات، ما يشي بحدوث تغيير ملموس، لكنه بحاجة إلى المزيد من الوقت كي يتبلور بصورة أوضح، خاصة أن حديث السيسي عن الحوكمة يشي بتغيير حكومي واسع يتلاءم مع متطلبات المرحلة.

2