السيسي يدافع عن المشاريع القومية وسط ضغوط اقتصادية

خرج الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن صمته تجاه الانتقادات التي تطال جدوى المشاريع القومية في مصر في وقت تعصف فيه أزمة اقتصادية خانقة بالبلد. ويحمّل مراقبون تلك المشاريع أزمة شح العملة الصعبة وارتفاع نسبة التضخم، ما يزيد من الأعباء المعيشية على المصريين.
القاهرة - يتساءل منتقدون عن سبب ضخ الحكومة المصرية عشرات المليارات من الدولارات في مشاريع البنية التحتية العملاقة، في وقت تكافح فيه مصر لاحتواء عبء ديونها وتوفير الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم لعدد متزايد من السكان.
ودافع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الاثنين عن المشروعات العملاقة التي يجري تنفيذها منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد، قائلا إنها ليست السبب في الاضطرابات الاقتصادية التي أدت إلى انخفاض قيمة العملة المحلية وتسارع التضخم.
ومنذ أن أصبح السيسي رئيسا في 2014، شرعت مصر في إنشاء بنية تحتية تحت قيادة الجيش شملت توسيع قناة السويس وبناء عاصمة جديدة في الصحراء وشق طرقات واسعة.
وفي خطاب نوايا صادر بتاريخ الثلاثين من نوفمبر للحصول على حزمة إنقاذ مالي من صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار، تعهدت مصر بإبطاء وتيرة الاستثمار في المشروعات العامة، بما في ذلك المشروعات القومية، وذلك للحد من الضغوط على سوق الصرف الأجنبي والتضخم.
وأصدرت الحكومة في وقت سابق من هذا الشهر أمرا بتأجيل المشروعات التي تحتوي على مكون كبير من العملات الأجنبية وخفض الإنفاق غير الضروري.
وقال السيسي في تصريحات بمناسبة الاحتفال السنوي بيوم الشرطة في مصر “هناك كلام على أن الأزمة الراهنة هي بسبب المشروعات القومية”.
وتساءل “هل كان ممكنا لقناة السويس التي كان دخلها أربعة مليارات دولار وفي أحسن الحالات أربعة ونصف مليار دولار ألّا يتم تطويرها، واليوم بعد سبع سنوات تقريبا دخلها السنوي وصل إلى ثمانية مليارات دولار؟”.
وخضعت قناة السويس للتوسعة لأول مرة في عام 2015 ويجري الآن توسيعها مرة أخرى. وتحدث السيسي عن الاستثمارات التي جرى ضخها في شبكة الكهرباء في بداية حكمه والتي نتج عنها فائض كبير في الطاقة.
وقال السيسي “هل كان ممكنا ونحن لدينا أزمة كهرباء ألا يتم العمل على تطوير البنية الأساسية في الكهرباء حتى نجابه الطلب ونحرك التنمية؟”، وأضاف “الخلاصة التي يجب أن أقولها إنه لم يكن لدينا ترف أو سوء تقدير في الموضوع”.
ومن بين أهم المشاريع القومية في مصر العاصمة الإدارية الجديدة وتوسيع قناة السويس.
ويبدأ الرئيس المصري زيارة إلى الهند الأربعاء حيث سيلتقي بكبار رجال الأعمال ويكون ضيف شرف في يوم الجمهورية الهندية الذي يوافق السادس والعشرين يناير.
وذكر بيان للرئاسة المصرية أن الزيارة ستشمل مباحثات بشأن تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين واستعراض فرص الاستثمار الهندي في مصر.
وتسعى القاهرة لحشد الاستثمارات الأجنبية في الوقت الذي تحاول فيه مواجهة نقص في الدولار أدى إلى انخفاض حاد في قيمة الجنيه.
وفي العام الماضي سعت مصر للحصول على مساعدة من الدول الخليجية الحليفة الغنية بالطاقة ومن صندوق النقد الدولي بعد أن فاقمت التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا من التحديات التي تواجهها.
وتسعى مصر أيضا لإقامة علاقات سياسية وتجارية تتجاوز تحالفاتها التقليدية مع الولايات المتحدة والقوى الأوروبية، بما يشمل منطقة أفريقيا جنوب الصحراء وآسيا.
وتعول دوائر حكومية على المشاريع لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية التي تحتاجها لتوفير العملة الصعبة والمساعدة على دوران عجلة الاقتصاد المتعثرة، إلا أن خططها تلقى انتقادات من معارضين يشككون في الجدوى الاقتصادية للمشاريع القومية العملاقة، كما أنها تستنزف موارد الدولة المالية.
وتقول الحكومة المصرية إن 90 في المئة من الاستثمارات في المشاريع القومية تم تنفيذها بمشاركة القطاع الخاص بما يستهدف توفير 78 في المئة من فرص العمل.
وتشير الحكومة المصرية أيضا إلى أن المشاريع القومية ساهمت في تعزيز وتيرة النمو الاقتصادي إلى ما يفوق 5 في المئة وعملت على خفض معدلات البطالة من 13 في المئة في 2013 إلى 7 في المئة في 2021.
وتؤكد الحكومة كذلك أن المشاريع مكنت الاقتصاد من مواجهة الأزمات الراهنة ووفرت مستويات البنية الأساسية الممكنة للقطاع الخاص ما أدى إلى تحسين ترتيب مصر في عدد من المؤشرات الدولية الخاصة بالبنية الأساسية والتنافسية والطاقة.
وتشير دوائر رسمية إلى أن المشاريع القومية تهدف إلى دفع عجلة الاقتصاد التضامني، فالأموال التي تم إنفاقها على المشاريع القومية جزء كبير منها يستفيد منه المواطن المصري بصفة مباشرة ويؤثر إيجابيا على متطلبات حياته اليومية، وهو تمشّ تسعى حكومة السيسي لتكريسه.
وبلغ حجم الاستثمارات التي تم تنفيذها بالمشروعات القومية للطرقات خلال السنوات الماضية نحو 305 مليارات جنيه، واستحوذت شبكة الطرقات القومية الجديدة على النصيب الأكبر من حجم الأعمال الاستثمارية بإجمالي 175 مليار جنيه، فيما بلغ حجم الاستثمارات بمشروعات محاور الجسور على النيل والبالغة 21 جسرا جديدا نحو 30 مليار جنيه. وقامت الدولة بإنشاء ما يقرب من 600 جسر ونفق أعلى تقاطعات السكك الحديد على مستوى الدولة بكلفة بلغت 85 مليار جنيه.
كما تم تنفيذ مشروعات ضخمة لتطوير وصيانة ورفع كفاءة 5000 كيلومتر من شبكة الطرقات القديمة بكلفة استثمارية بلغت 15 مليار جنيه، والتخطيط لتنفيذ المشروع القومي للطرقات بإجمالي أطوال 7000 كيلومتر بكلفة 175 مليار جنيه، وبلغ إجمالي الأطوال المنفذة بالمرحلتين الأولى والثانية من الشبكة القومية الجديدة للطرقات 4500 كيلومتر.
وفي المقابل يجادل خبراء بأن الأولوية الراهنة هي مواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بالبلاد والتي يعود جزء منها إلى استنزاف الموارد المالية للدولة في مشاريع بنية تحتية مشكوك في مردوديتها الاقتصادية، أو أن تأثيرها في الاقتصاد المصري سيكون بعيد المدى على الأقل.
ويشير هؤلاء إلى أنه رغم أزمة الديون المصرية المستفحلة، تبقى هذه المشاريع ذات أولوية حكومية وهو تمشّ وجب مراجعته.
ودفعت الأزمة الاقتصادية الحكومة المصرية إلى إعادة جدولة الديون، والاعتماد على القروض طويلة المدى، وإصدار سندات ذات قسائم صفرية أي سندات من دون فائدة تُباع بسعر مخفَّض جداً لمواجهة أعباء الموازنة المنهكة.
ويقول محللون إن من التحديات التي تطرحها هذه المشاريع الضخمة هي أنها تُنفَّذ على حساب مشاريع من شأنها إحداث تحسينات اقتصادية ملموسة تساهم في رفع المستوى المعيشي للمصريين العاديين الذين يرزحون تحت وطأة مشقات اقتصادية متزايدة.