السيسي يحذر المصريين من ثورة جديدة

التخويف من الاحتجاج يتزامن مع ارتفاع نبرة الغضب والاستياء من الأوضاع المعيشية.
الجمعة 2023/03/10
ماذا لو عاد المصريون إلى الاحتجاجات

القاهرة- أعاد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ترهيب الشارع من تداعيات الاحتجاج ضد الأوضاع الاقتصادية والسياسية، ملمحا إلى أن “فاتورة الثورات كبيرة، وما حدث قبيل ثورة 25 يناير 2011 وأثناءها وبعدها، نتجت عنه تداعيات سلبية كادت تُسقط الدولة”.

وروى السيسي خلال احتفالية رسمية عُقدت الخميس عن يوم الشهيد حكايات مثيرة عن تداعيات الخراب والدمار اللذين حلاّ بالبلاد بسبب الفترة التي عاشتها مصر خلال ثورة يناير، مطالبا المصريين بعدم تكرار ما حدث والتمسك بالحفاظ على بلدهم من التآمر عليه.

وتزامنت رسائل الرئيس المصري إلى الشارع مع ارتفاع نبرة الغضب والاستياء من الواقع الذي صار عليه الناس جراء الظروف الاقتصادية والمعيشية بالغة الصعوبة، وارتفاع معدلات الغلاء إلى مستويات قياسية أمام عجز الحكومة عن إيجاد حلول جذرية لسوء الأوضاع الاقتصادية.

وقال أمام حشد من قادة الجيش والشرطة ورجال الدين والإعلام والبرلمان “إياكم يا مصريين تتسببوا في خراب بلدكم تاني، الكلام اللي اتعمل، حصل لما البلد فكّت في 2011، وهتحاسب على كلامي أمام الله.. علموا الكلام ده (هذا) في المدارس والإعلام والكليات، تدمير الدول من الداخل أخطر شيء”.

◙ تكرار السيسي للحديث عن سلبيات الحراك الثوري يوحي بأن معركة النظام الكبرى تكمن في الحفاظ على تماسكه الداخلي

ولا يبدو الشارع مكترثا بتكرار تعويل النظام في مصر على التخويف من مخاطر عدم الأمن والاستقرار باستدعاء الماضي على مستوى الإرهاب والانفلات الأمني وسوء الأحوال الاقتصادية، باعتبار أن التحديات الراهنة تبدو أكثر قسوة مما كانت عليه في السنوات الماضية، إلا من ثبات الاستقرار.

واستبعد محمد سامي الرئيس السابق لحزب الكرامة أن يكون التحذير المتكرر من الإقدام على أيّ تحرك احتجاجي، كما حدث من قبل، مقنعا للناس، لأن الشارع له حسابات مختلفة عن حسابات السياسيين ودوائر السلطة، فهو يبحث عن حياة كريمة وتوفير متطلباته، لا أن تخاطبه بروايات تاريخية عن مساوئ الاحتجاجات.

وهذه ليست المرة الأولى التي ينتقد فيها السيسي ثورة يناير بقسوة ويراها دائما سببا في خراب البلاد، وكانت بمثابة شهادة وفاة للدولة، لولا تدخل الجيش بقوة في فرض الاستقرار، ومواجهة التنظيمات المسلحة في سيناء أو غيرها، وفي مرات عديدة تحدى أن تتكرر الاحتجاجات.

وبدت نغمة الرئيس المصري الخميس، عند الحديث عن الاحتجاجات الثورية، هادئة وبسيطة وتخاطب المواطنين العاديين لا النخبة، واختلفت عن سياق أحاديثه السابقة التي كانت أثارت موجة غضب جراء فهمها على أنها تهديد ووعيد من مجرد التفكير في الثورة، لأن الشارع لم يعد يتقبّل تلك النبرة.

محمد سامي: الشارع له حسابات مختلفة عن حسابات السياسيين ودوائر السلطة
محمد سامي: الشارع له حسابات مختلفة عن حسابات السياسيين ودوائر السلطة

وأكد محمد سامي لـ”العرب” أن الرئيس السيسي لا يحمل ودا لثورة يناير، وهذا يختلف عن انطباعات الشريحة الأكبر من المصريين الذين يعتبرونها حدثا فريدا وتاريخيا كان يجب أن يحدث، مهما كانت تداعياتها السلبية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وقال إنه لولا ثورة يناير 2011 ما وصل السيسي إلى حكم البلاد، ولا يعني أن الإخوان والتيارات الإسلامية استغلوا الاحتجاجات لتحقيق طموحاتهم الخبيثة للوصول إلى السلطة أو التخريب، أنها كانت ثورة سيئة والسبب في كل ما تعانيه مصر، مهما بلغ حسن النوايا.

ولا يرغب الكثير من المؤيدين للسيسي أن يداوم على تحميل نفسه أكثر من طاقته، وتذكير الشارع بالتحديات والمخاطر، لأنه عندما يتصدى بمفرده لطمأنة المصريين وتبديد مخاوفهم أو حثهم على الصبر لا الاحتجاج، سيفقد بعضا من رصيده وقد يصبح كلامه مكررا وبلا تأثير عند الناس.

وتعكس الرسائل السياسية لرأس الدولة في مصر مدى إصراره على رفض آليات الحراك الذي أطاح بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك والأطراف التي قادت المشهد آنذاك، والمتمثلة في شباب الثورة، وهؤلاء اختفوا تدريجيا لمضايقات أمنية أو بسبب المحاكمة بتهم مختلفة أو نتيجة الهروب خارج البلاد.

ويستثمر خصوم النظام المصري في تصاعد حدة الأزمات الداخلية لحضّ المواطنين على الخروج إلى الشارع احتجاجا على أوضاعهم المتردية، وهو ما يزعج النظام ويجعل السيسي يلجأ إلى توظيف مساوئ الثورة والتحذير من الانسياق وراء المخططات الخبيثة دون أن يشير إلى الإخوان صراحة في أيّ من كلامه، أمس الخميس.

وتعهد السيسي بإنشاء معرض عن الحرب ضد الإرهاب في سيناء وعرض جهود الجيش والشرطة وفضح المجرمين من التيارات المتشددة بالاسم والصورة ليتأكد المصريون من خوض الدولة بكل مؤسساتها حربا شرسة لتثبيت الأمن والاستقرار بعد انسياق الشارع خلف دعوات تظاهرية انقلبت إلى ثورة استغلها متآمرون.

ولم يعد الرئيس المصري معنيا كالمعتاد بالتركيز على تدشين مشروعات كبرى جديدة يجذب من خلالها انتباه الناس بقدر ما يستثمر كل احتفالية لافتتاح أيّ مشروع ليأخذ مجال الحديث إلى نقاط أخرى للتخفيف من حدة التحديات، ودعوة المصريين للصبر، والتحذير من الانجراف وراء الأعداء، أمام تنامي شعور داخل بعض دوائر السلطة بأن هناك نارا تحت الرماد قد تشتعل بسبب تراكم الأزمات.

◙ رسائل الرئيس المصري إلى الشارع تزامنت مع ارتفاع نبرة الغضب والاستياء من الواقع الذي صار عليه الناس جراء الظروف الاقتصادية والمعيشية بالغة الصعوبة

وتعتقد دوائر سياسية أن تكرار تذكير الرئيس المصري بسلبيات الحراك الثوري يوحي بأن المعركة الكبرى أمام النظام تكمن في الحفاظ على التماسك الداخلي لأن عدو الداخل أخطر من الخارج لكونه يلعب على وتر الأزمات والإخفاقات الحكومية في غالب الملفات.

وأخفقت الدوائر القريبة من النظام المصري، على مستوى نواب البرلمان والأحزاب ووسائل الإعلام، في إقناع الشارع بأن التحديات الراهنة أكبر من قدرات الحكومة، ونتاج ظروف وتداعيات خارجية، وهي النقطة التي تطرّق إليها السيسي بتأكيده أن الأزمة الاقتصادية ليست مقياسا منصفا لما تحقق من إنجازات.

وتبدو غالبية المصريين ضد تكرار الاحتجاج الثوري، لأنهم ذاقوا مرارة عدم الاستقرار وتهاوي قدرات الدولة، لكن اللعب على هذا الوتر من جانب الحكومة مغامرة غير محسوبة العواقب، فقد يصلون إلى مرحلة لن يجدوا فيها ما يخسرونه، طالما أنه يتم تحميلهم فوق طاقاتهم بحجة أنهم صامتون وصامدون.

وقد يقود ربط الاحتجاجات بالإرهاب لتخويف الناقمين على سياسة الحكومة من أيّ تظاهرات إلى ثورة شعبية، فهي مسألة غير مقنعة عند شريحة كبيرة من الناس، ولا يجب البناء على الأسلوب الترهيبي وتوظيف صمت الشارع على الغلاء وسوء مستوى المعيشة.

وسواء حققت الرسائل الرئاسية أهدافها أم لا، فإنه بدا واضحا شعور الأجهزة المصرية بارتفاع مستوى الغضب وعدم رضاء شريحة من الناس عمّا تحقق من إنجازات أخفق مردودها في إقناع جزء كبير من المواطنين بجدواها الاقتصادية والاجتماعية، وأن هناك أرضية خصبة لثورة ثالثة ما يتطلب ترويضا عاجلا لها.

1