السيسي يجس النبض بإجراءات تقشفية تمس محدودي الدخل

تلميح بإلغاء علاوات الموظفين، وتقارير أمنية تحذر من تزايد الاحتقان الاجتماعي جراء سياسات التقشف.
الثلاثاء 2018/11/06
إجراءات تثقل كاهل المصريين

القاهرة – درج الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على اتخاذ المؤتمرات الشبابية التي يعقدها منبرا لتوصيل رسائل سياسية لمن يعنيهم الأمر، وفاجأ، الاثنين، الحضور في جلسة “كيف نبني قادة المستقبل” بالحديث عن إلغاء العلاوة الدورية للموظفين للسنة المقبلة، وهي مفاجأة تمس نحو 6 ملايين موظف مصري، بخلاف عائلاتهم.

ويرعى الرئيس المصري الدورة الثانية لـ”منتدى شباب العالم” في شرم الشيخ، خلال الفترة من 3 إلى 6 نوفمبر، وتحضره عناصر شبابية من دول مختلفة، يحرص على مخاطبتها والمشاركة في المناقشات.

وتبلغ نسبة أجور الموظفين في الموازنة العامة للدولة نحو 15 مليار دولار، ويصل متوسط علاوتهم في العام نحو 120 جنيها (حوالي 7 دولارات)، وهو مبلغ بسيط، لكنه يمثل أهمية كبيرة لدى قطاع من محدودي الدخل، ينتظرونه كل عام لإعادة جدولة مصروفاتهم المتزايدة.

يتعامل البعض من المتابعين مع كلام السيسي في إطار جس النبض، والتعرف على ردود فعل المواطنين قبل اتخاذ القرار رسميا، لأن الحكومة تبنت الكثير من الإجراءات التقشفية سابقا ولم تلجأ إلى هذه السياسة، كما أن شريحة كبيرة من الموظفين كانت تتمنى زيادة في نسبة العلاوة وليس إلغاءها نهائيا، لسد الفجوة بين المرتبات وزيادة الأسعار.

وينطوي كلام السيسي على عدم ثقة في رد فعل الشارع المصري، المثقل بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بعد سلسلة من الإجراءات التي اتخذت في إطار سياسة إصلاح الهياكل الإدارية وتحسين مستوى البنية التحتية، قوبلت بالصمت أملا في تحسن الأحوال المعيشية.

وجاء حديث إلغاء العلاوة، متزامنا مع تقارير أمنية حذرت من ارتفاع القلق، لأن سياسات التقشف أضرت بقطاعات واسعة في المجتمع، ما يجعل المجال مفتوحا لخروج الغضب إلى الشارع، وتوظيفه من قبل قوى معارضة، تشكك في توجهات السيسي الإصلاحية.

الشريحة الكبيرة التي تعيش تحت حد الفقر، بدأت تفقد الثقة في جدوى المشاريع العملاقة، لأن غالبيتها تخدم رجال الأعمال

وتكمن الأزمة في أن الاتجاه نحو توجيه المتوفرات المالية للإصلاح، يكون لصالح مشروعات لا يشعر بمردودها أحد على المدى القصير، ويتطلب ذلك سنوات طويلة، مثل التعليم والصحة، ما قد يزيد من السخط الشعبي.

وأشارت تقارير كثيرة إلى انخفاض شعبية السيسي، جراء تصوراته الاقتصادية والاجتماعية، التي لم تلحق ضررا بالطبقة الغنية، لكنها كانت في غير صالح الشريحة الكبيرة في المجتمع، التي تعيش تحت حد الفقر، وبدأت تفقد الثقة في جدوى المشروعات العملاقة، لأن غالبيتها تخدم رجال الأعمال والمستثمرين.

وحاولت الحكومة المصرية تقليل مساحة الهوة، والإيحاء للمواطنين أنها تشعر بمعاناتهم، فقامت بتبني مشروعات خدمية لصالح الفقراء، من خلال إيجاد منافذ لبيع الكثير من المنتجات بأسعار زهيدة، ما أفاد طبقة بسيطة وجدت في هذه المساعدة منفذا تحصل منه على بعض حاجاتها الرئيسية.

ولم تحقق هذه المعادلة أهدافها، لأنها ظلت قاصرة على شريحة محدودة، لديها قدرة على الشراء، بينما هناك غالبية تعجز عن سد حاجاتها الأساسية لضعف الرواتب.

ويرى البعض من المراقبين أن كلام السيسي عن إلغاء العلاوة جاء مرافقا لحديثه عن التعليم وضرورة توفير نحو 130 مليار جنيه (حوالي 7.5 مليار دولار) لبناء فصول دراسية، وهي دلالة يرمي من ورائها حث الفقراء على تقبل التمادي في سياساته التقشفية، لأنها سوف تعود بالفائدة على أبنائهم المحرومين في الحصول على فرص تعليمية جيدة.

وتحتاج الحكومة المصرية إلى بناء 250 ألف فصل دراسي لاستيعاب الكثافة الراهنة، واستكمال خطوات مشروع تطوير التعليم، الذي يعتبره السيسي نقلة نوعية لبناء الإنسان المصري، ويبذل جهدا كبيرا لتجاوز التحديات التي تواجهه، نتيجة فقر البنية التحتية. ويعزف الرئيس المصري دوما على وتر تقبل التقشف كأمر الواقع، مثل “خراب المدارس أو تحمل تكلفة الإصلاح”، ويعتبر الاعتراض على نظام التعليم الجديد، بسبب المدارس المتهالكة انتقادا ورفضا لشخصه، باعتباره صاحب فكرة التطوير. ولم يشر إلى الموازنة التي تعتمد عليها المشروعات التي يقوم بتشييدها، من طرق وجسور وبنية تحتية، ولم يتم الإعلان عن مصادر تمويلها، لكنه يتعمد في مجالي التعليم والصحة أن يتحمل المواطن تكلفتهما الباهظة.

ويتخوف البعض من المراقبين أن يكون ربط عدم زيادة العلاوة بتحسين مستوى التعليم، مقدمة لإلغاء مجانية التعليم في المدارس الحكومية، وهو ما ألمحت إليه شخصيات محسوبة على الحكومة مؤخرا، لأن الحصول على نقود من جيوب الموظفين لبناء مدارس قد يتبعه تحمل كل أسرة تكلفة تعليم أولادها. وقال إكرام بدرالدين، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الحديث عن خطوات حكومية جديدة لمزيد من التقشف، يتطلب النظر إلى الأبعاد السياسية، لأن القرارات المرتقبة قد تكون صحيحة اقتصاديا، لكنها تمثل خطورة على السلم والاستقرار الاجتماعي.

وأضاف لـ”العرب”، أن السيسي أصبح على قناعة بأن الشارع سوف يتحمل المزيد من الأعباء، بحكم التجارب السابقة، وتخطى مرحلة جس النبض، لكن التغول في ذلك، وعدم التعامل مع المسألة بحسابات دقيقة، عملية خطيرة، خاصة إذا كانت القرارات تمس البسطاء الذين يمثلون السواد الأعظم من المصريين.

4