السيسي لصندوق النقد: الأولوية لرفع الضغط عن كاهل المصريين

الرسالة المضمنة التي وجهها الرئيس المصري ودعا فيها حكومة بلاده إلى مراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولي، تجنبا لـ"أعباء إضافية على المصريين"، وصلت إلى الصندوق. أكد ذلك ما قالته رئيسة الصندوق، خلال اجتماعها بالسيسي، من أن الصندوق بالتعاون مع الحكومة المصرية سيضع "أفضل مسار" للإصلاحات الاقتصادية بما يلبي طموحات الطرفين.
القاهرة - أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الأحد أنّ بلاده ستبدأ الثلاثاء مراجعة جديدة سبق تأجيلها لاتفاقها مع صندوق النقد الدولي الذي أكدت مديرته كريستالينا جورجيفا دعمها “الاستقرار والتنمية الاقتصادية” لأكبر دولة عربية من حيث عدد السكان.
وكان من المقرر أن يجري صندوق النقد الدولي في نهاية سبتمبر الماضي مراجعة جديدة لاتفاقية القرض المبرمة مع مصر في أبريل، لكن الصندوق أرجأ المراجعة إلى موعد لم يتحدد بعد وتأجل بالتالي حصول مصر على شريحة جديدة من القرض قيمتها 1.2 مليار دولار.
وقال مدبولي في مؤتمر صحفي في العاصمة الإدارية الجديدة مع المديرة العامة لصندوق النقد الدولي إنّ "المراجعة الرابعة للبرنامج ستبدأ غدا وفريق عمل الصندوق سيبدأ عمله اعتبارا من غد مع البنك المركزي والوزارات المعنية".
وأكدت جورجيفا التزام مصر بالإصلاحات الاقتصادية التي طلبها الصندوق وأهمها “التحوّل إلى نظام سعر صرف مرن، وزيادة دور القطاع الخاص كمصدر للنمو وفرص العمل وتعزيز الحماية الاجتماعية من خلال الابتعاد عن الدعم غير المستهدف".
وأثنت جورجيفا في كلمتها على “القوة الرائعة التي أظهرها (الشعب المصري) في وقت صعب بشكل خاص في هذه المنطقة”، مشيرة إلى أنّ الصندوق “يقدر شراكتنا ومدى قوة دعمنا لمصر من أجل استقرارها وتنميتها الاقتصادية”.
جاء ذلك في بيان صادر عن الرئاسة المصرية، في أعقاب لقاء جمع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بـجورجيفا، التي وصلت البلاد السبت لبحث برنامج الإصلاح الاقتصادي الحالي لمصر. وذكرت مديرة صندوق النقد الدولي أنها تتفهم بشكل كامل حجم التحديات الكبيرة التي تواجهها مصر في ضوء المستجدات الإقليمية والدولية.
وأشارت إلى سعي الصندوق بالشراكة مع الحكومة المصرية “للتوصل إلى أفضل مسارات الإصلاح التي تراعي جميع الأبعاد ذات الصلة، وعلى النحو الذي يحافظ على نتائج الإصلاحات ذات الأثر الإيجابي على الاقتصاد المصري”.
والاثنين الماضي قالت جورجيفا إن الاقتصاد المصري يواجه تحديات بسبب الصراعات في غزة ولبنان والسودان وسط خسارة 70 في المئة من إيرادات قناة السويس. من جانبه أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ما قاله سابقا بأن أولوية الدولة هي تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين من خلال مكافحة التضخم وارتفاع الأسعار.
وصرح متحدث باسم رئاسة الجمهورية في بيان نشرته الرئاسة المصرية على صفحتها في موقع فيسبوك، بأن اللقاء الذي حضره أيضا مصطفى مدبولي تناول مناقشة التطورات الخاصة بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، الذي يتم بالشراكة مع الصندوق، حيث أعرب السيسي عن تطلع مصر لاستكمال التعاون مع الصندوق خلال الفترة المقبلة، والبناء على ما تحقق بهدف تعزيز استقرار الأوضاع الاقتصادية، وخفض معدلات التضخم.
وأشار السيسي إلى ضرورة مراعاة المتغيرات وحجم التحديات التي تعرضت لها مصر في الفترة الأخيرة بسبب الأزمات الإقليمية والدولية، التي كان لها بالغ الأثر على الموارد الدولارية وإيرادات الموازنة، مشددا على أن أولوية الدولة هي تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين، لاسيما من خلال مكافحة التضخم وارتفاع الأسعار، مع استمرار جهود جذب الاستثمارات وتمكين القطاع الخاص لزيادة معدلات التشغيل والنمو.
وأعربت مديرة صندوق النقد الدولي عن تقديرها البالغ لجهود الدولة المصرية خلال المرحلة الأخيرة، والبرنامج الإصلاحي الذي يتم تنفيذه بعناية مع وضع الفئات الأكثر احتياجا في مقدمة الأولويات، مشيدة بالتقدم الذي تحرزه مؤشرات الاقتصاد الكلي رغم التحديات غير المسبوقة في الفترة الراهنة، وهي المؤشرات التي انعكست في النظرة الإيجابية لمؤسسات التصنيف الائتماني الدولية ورفع تصنيف مصر الائتماني وتزايد الاستثمارات.
◙ 165 مليار دولار حجم الديون الخارجية التي ترزح تحتها مصر وتمر حاليا بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها
وأكدت تفهمها الكامل لحجم التحديات الكبيرة التي تواجهها مصر في ضوء المستجدات الإقليمية والدولية، منوهة إلى سعي الصندوق -بالشراكة مع الحكومة المصرية- للتوصل إلى أفضل مسارات الإصلاح التي تراعي جميع الأبعاد ذات الصلة، وعلى النحو الذي يحافظ على نتائج الإصلاحات ذات الأثر الإيجابي على الاقتصاد المصري، خاصة على صعيد تحسين المؤشرات الكلية للاقتصاد، وتعزيز جهود النمو والتنمية، المدفوعة أساسا بنمو القطاع الخاص، مع التركيز على مكافحة التضخم واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحد منه.
وكان الرئيس المصري قد دعا في 20 أكتوبر الماضي حكومة بلاده إلى مراجعة الموقف مع الصندوق، تجنبا لما وصفه بـ”أعباء إضافية على المصريين”.
مضيفا أن “برنامج صندوق النقد الإصلاحي الذي يرافقه قرض بقيمة 8 مليارات دولار، والذي تم التوصل إليه في وقت سابق من هذا العام، "يتم تنفيذه في ظل ظروف إقليمية ودولية وعالمية صعبة للغاية".
وتابع قائلا "أقول للحكومة ولنفسي، إذا أدى هذا التحدي إلى ضغوط على الجمهور لا يمكنهم تحملها، فيجب مراجعة الوضع ومراجعة الموقف مع الصندوق".
وكانت مصر قد أعلنت عن أكثر من صفقة خلال العام الجاري، تبيع فيها حصصا للدولة في العديد من الشركات لمصلحة القطاع الخاص المحلي. ويعود أصل الاتفاق بين الصندوق ومصر إلى نوفمبر 2022، في ذلك الوقت اتفقت مصر مع الصندوق على برنامج إصلاحات اقتصادية يرافقه قرض بقيمة 3 مليارات دولار، قبل أن يتم تعليقه في 2023، بسبب خلافات بين الجانبين أبرزها رفض القاهرة لتعويم الجنيه.
وتأثرت القاهرة بشدة جراء الحرب الروسية – الأوكرانية منذ فبراير 2022، ونتج عن ذلك ارتفاع فاتورة واردات السلع المقومة بالنقد الأجنبي ما أدى إلى تراجع وفرة الدولار، وفاقم ذلك تخارج أكثر من 20 مليار دولار من استثمارات الأجانب بأدوات الدين المصرية.
وفي 2023 ساءت سوق الصرف الأجنبية في مصر ما دفع إلى ظهور السوق السوداء للعملة، ورافق ذلك تعليق الصندوق إجراء مراجعات لبرنامجه الإصلاحي مع القاهرة، والذي عادة ما ينتج عنه صرف شريحة من القرض المالي. ومرد الخلاف في ذلك الوقت هو رفض مصر تحرير سعر صرف الجنيه.
لكن مع اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، في أكتوبر 2023، تراجعت السياحة الوافدة إلى مصر، ثم هبطت حركة عبور السفن من قناة السويس، إذ تعد عائداتهما بجانب الصادرات من أهم مصادر النقد الأجنبي للبلاد.
وفي مطلع 2024 تحدث صندوق النقد الدولي في أكثر من مناسبة عن تضرر مصر بسبب التوترات الجيوسياسية في الإقليم، إلى أن تم الاتفاق على توسيع القرض السابق من 3 مليارات إلى 8 مليارات دولار، والذي جرى إعلانه في مارس من العام نفسه.
وفي مارس الماضي حررت القاهرة سعر صرف الجنيه، وعلى إثر ذلك تراجع أمام الدولار من 31 إلى 48.5 جنيها في الوقت الحالي، بحسب بيانات البنوك العاملة في مصر. وفي الشهر نفسه رفعت أسعار الوقود بنسبة وصلت إلى 10 في المئة، تبع ذلك رفع سعر الخبز المدعم 300 في المئة من 5 قروش إلى 20 قرشا للرغيف.
كما ارتفعت أسعار المواصلات وتذاكر المترو في يوليو، وهو الشهر نفسه الذي نفذت فيه مصر رفعا ثانيا في أسعار الوقود المباع للمستهلك النهائي، إلى جانب زيادات متباينة على أسعار الغاز المنزلي والصناعي. وفي أغسطس الماضي قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن الحكومة سترفع تدريجيا دعم الوقود، ليتساوى مع سعر الكلفة بحلول نهاية 2025.
الصورة ليست قاتمة من كل الجوانب؛ فقد سبق زيارة وفد الصندوق السبت قرار وكالة فيتش للتصنيف الائتماني رفع تصنيف الديون طويلة الأجل لمصر بدرجة واحدة من “B-” إلى “B”، مشيدة بعدد من التحسينات في ظروف الاقتصاد الكلي للبلاد التي تمر بأسوأ أزمة اقتصادية.