السيسي في طريق مفتوح للفوز بولاية رئاسية ثالثة

قبضة السلطة وتشتت المعارضة يحولان دون أي تغيير.
الاثنين 2023/12/11
لا بديل يمكن الرهان عليه

الرئيس عبدالفتاح السيسي في طريق مفتوح للفوز بولاية ثالثة، رغم الإخفاق في إدارة الملف الاقتصادي وما يثيره ذلك من تململ شعبي، ويرى نشطاء سياسيون ومحللون أن العديد من العوامل تحول دون أي تغيير منها قبضة السلطة الحالية وتشتت المعارضة السياسية.

القاهرة - انطلقت الانتخابات الرئاسية في مصر الأحد، على أن تستمر ليومين إضافيين، فيما لا يبني المصريون أي توقعات حيال إمكانية أن تفضي إلى تغيير، حيث تبدو النتائج محسومة سلفا لجهة فوز الرئيس عبدالفتاح السيسي بولاية ثالثة. ودعي 67 مليون مصري للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التي طغت الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة على الاهتمام بها، خصوصا في غياب أيّ منافسة جدية. ويخوض السباق إلى جانب السيسي (69 عاما)، ثلاثة مرشحين غير معروفين على نطاق واسع من الجمهور.

واصطف مصريون خارج المراكز التي فتحت أبوابها عند التاسعة صباحا (07:00 ت.غ). وبعد ثلاثة أيام من الاقتراع تختتم الانتخابات عند الساعة 19:00 ت.غ الثلاثاء، على أن تعلن النتائج الرسمية في الثامن عشر من ديسمبر. وشهدت المشاركة في اليوم الأول تفاوتا بين المناطق، ففي حيّ عابدين بوسط القاهرة، تجمع العشرات من المصريين من أعمار مختلفة، غالبيتهم من النساء، أمام مدرسة تستخدم كمركز اقتراع وقد أحيطت بتواجد أمني كبير.

ورفعت لافتات كتب عليها "اخرج وشارك"، بينما صدحت في المكان أغنيات وطنية. وقالت سيدة خمسينية قبل الإدلاء بصوتها "لنكن واقعيين، هذه انتخابات محسومة للسيسي بسبب عدم معرفة الناس بالمنافسين". وأضافت السيدة "رغم الغلاء وصعوبة الحياة إلا أننا بحاجة إلى شخص يستطيع التعامل مع ما يحدث على الحدود مع غزة".

وتتصدر المشكلة الاقتصادية الاهتمامات في بلد يواجه أكبر أزمة اقتصادية في تاريخه، مع معدل تضخم يلامس 40 في المئة وعملة محلية فقدت 50 في المئة من قيمتها، ما أدى إلى انفلات الأسعار. ويعيش 60 في المئة من سكان مصر الذين يناهز عددهم 106 ملايين نسمة، حول خط الفقر.

خالد داوود: الانتخابات تأتي في ظل جو خانق وقمع للحريات
خالد داوود: الانتخابات تأتي في ظل جو خانق وقمع للحريات

ولا تثير هذه الانتخابات حماسة المصريين بعد أن ألقت الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة المجاور، ظلالها على الحملة الانتخابية التي أجريت في نوفمبر. وباتت البرامج التلفزيونية المسائية في القنوات المحلية المقربة من أجهزة المخابرات المصرية، تحاول الآن الربط بين الانتخابات والحرب في غزة. وقال مقدم البرامج على قناة صدى البلد أحمد موسى "هناك مليونان (في غزة) يريدون الدخول عندنا.. لا يمكن أن نكتفي بالمشاهدة.. يجب أن نخرج (للمشاركة في الانتخابات) ونقول لا للتهجير".

إضافة إلى السيسي، يخوض الانتخابات ثلاثة مرشحين هم فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي (يسار وسط)، وعبدالسند يمامية من حزب الوفد الليبرالي العريق الذي بات اليوم هامشيا، وحازم عمر من الحزب الشعبي الجمهوري. وبدا أن الأخير كان الأكثر إقناعا في مناظرة تلفزيونية وحيدة شارك فيها كل المرشحين باستثناء السيسي الذي أوفد أحد أعضاء حملته بالنيابة عنه.

وحاول وجهان من المعارضة خوض غمار الانتخابات، دون جدوى. ويقبع أحدهما، وهو الناشر الليبرالي هشام قاسم، في السجن حاليا. أما الآخر، وهو النائب السابق المعارض أحمد الطنطاوي، فبدأت محاكمته بتهمة “تداول أوراق تخص الانتخابات بدون إذن السلطات”. وقد وصف الطنطاوي عملية الاقتراع الجارية بـ”إجراءات لإعادة تنصيب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لدورة ثالثة”.

وقال في تصريحات صحفية إن "السلطة المصرية استبعدت المرشح الجاد القادر على الفوز"، ما جعل الانتخابات “انتهت عمليا”، ولذلك يتعامل معها المواطنون على أنها “مجرد تحصيل حاصل".

ولفت الناشط السياسي الصحافي خالد داوود إلى أن الانتخابات تأتي "في ظل جو خانق وقمع للحريات والسيطرة التامة (من قبل السلطات) على الإعلام الرسمي والخاص وإصرار الأجهزة الأمنية على منع المعارضة من العمل في الشارع". وأضاف داوود "لسنا واهمين أن الانتخابات تجري في ظروف مثالية أو تلبّي الضمانات التي طالبنا بها لكي تتمتع بالمصداقية والنزاهة".

غير أنه أكد أنه سيشارك ويعطي صوته لفريد زهران “لتصل رسالة واضحة وصريحة للنظام الحالي: أننا نطمح إلى التغيير ونتمسك به، وبعد عشر سنوات من إدارته للبلاد أصبحنا في وضع شديد الصعوبة وتدهورت الأوضاع المعيشية للمصريين ونواجه خطر الإفلاس بسبب سياسات النظام الحالي".

ووصل السيسي، وزير الدفاع والقائد السابق للجيش، إلى السلطة إثر ثورة شعبية أطاحت بالرئيس السابق محمد مرسي في يوليو 2013. وفي انتخابات عامي 2014 و2018، فاز السيسي بأكثر من 96 في المئة من الأصوات.

◙ الانتخابات لا تثير حماسة المصريين بعد أن ألقت الحرب بين إسرائيل وحركة حماس ظلالها على الحملة الانتخابية التي أجريت في نوفمبر

وبعد ذلك أدخل تعديلا دستوريا لتصبح ولايته الثانية ست سنوات بدلا من أربع وليتمكن من الترشح لولاية ثالثة. وفي هذا السياق تتجه الأنظار إلى نسبة المشاركة التي بلغت 41.5 في المئة في 2018، أي أقل بست نقاط عن الانتخابات السابقة.

ويرى مصريون مؤيدون للرئيس المصري أن السيسي هو مهندس عودة الهدوء إلى البلاد بعد الفوضى التي أعقبت ثورة العام 2011 وإسقاط حسني مبارك. ومنذ بداية 2014، وعد السيسي بإعادة الاستقرار بما في ذلك اقتصاديا. وأطلق الرئيس المصري في العام 2016 برنامجا طموحا للإصلاحات المالية والاقتصادية شمل تحرير سعر صرف العملة المحلية وخفض دعم السلع الأساسية الذي تمنحه الدولة لبعض الفئات محدودة الدخل.

وأدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار وتصاعد الغصب الشعبي. وتضاعف الدين الخارجي لمصر ثلاث مرات خلال السنوات الأخيرة، ولم تدرّ المشروعات الكبرى التي تنفذها الدولة ويسند تنفيذها غالبا إلى الجيش، العوائد المتوقعة منها.

ويشير الباحث يزيد صايغ إلى أن "السيسي لا يمكنه فرض أي تغيير على الجيش وإلا أصبح مهددا بفقدان منصبه". ويستبعد أن تشهد البلاد أي احتجاج جدي لأن الرئيس المصري المنبثق من الجيش، يحكم البلاد بيد من حديد. ويقول محللون إن المشكلة لا تكمن أيضا في السلطة السياسية الحاكمة بل أيضا في غياب بديل ديمقراطي قادر على كسب ثقة الشارع في ظل معارضة مشتتة ومنقسمة على ذاتها.

2