السيسي في الإمارات

منذ السبعينات كانت مصر تمثل عمقًا إستراتيجيًا لدول الخليج العربي فيما ظلّت دول الخليج الداعم الاقتصادي والاستثماري الأول لمصر ولهذا كان التنسيق والتشاور بينهما دائمًا على أعلى المستويات.
الاثنين 2025/06/09
رسالة تؤكد قوة العلاقات الخليجية - المصرية

من يتابع ما يُبث أو يُكتب ويتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قد يتصور أن العلاقات الخليجية – المصرية على شفا أزمة أو خلاف سياسي يتنامى خلف الكواليس، وهو اعتقاد وصل حتى إلى بعض المحللين الذين يُعرفون بالموضوعية والرصانة. ولكن من يقرأ المتغيرات السياسية بعقل هادئ ووعي بطبيعة العلاقات، يدرك أن الروابط بين دول الخليج العربي وجمهورية مصر العربية أعمق وأكبر من أن تؤثر فيها اجتهادات بعض المغردين والمدونين، أو حتى حملات التهييج الممنهجة التي تستغل أي بادرة اختلاف في وجهات النظر أو تفاوت في الرؤى والقرارات الإستراتيجية والسيادية للدول.

في الواقع تشهد وسائل التواصل الاجتماعي انتشارًا واسعًا للقراءات والتحليلات السياسية السطحية للعلاقات الدولية، حيث تُصبح هذه المنصات ساحات مفتوحة لكل من لديه رأي أو معلومة أو موقف، بغض النظر عن مدى دقتها أو عمق فهمه وإدراكه السياسي. وما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن تصنيفه إلا ضمن التقديرات الشخصية والانطباعات الفردية والرغبات العاطفية.

لكن الحقيقة الثابتة هي أن صُنّاع القرار في دول الخليج العربي وجمهورية مصر العربية يمتلكون خبرة سياسية وفكرًا قياديًا ورؤى إستراتيجية تمكنهم من قراءة المشهد السياسي بشكل يُحقق المصالح العليا لأوطانهم. ومن هذا المنطلق، فإن أي اختلاف -أو حتى خلاف- بشأن قضية معينة بين الطرفين يُعد أمرًا طبيعيًا لا يدعو للاستغراب، بل إنه جزء من طبيعة العلاقات الدولية، حيث لا تتطابق المواقف دائمًا، حتى بين الدول التي تجمعها علاقات إستراتيجية وثيقة ومتجذرة.

فالسياسة، لمن يفهمها، قائمة على المصالح، ومن الطبيعي ألا يكون هناك توافق دائم في المواقف. وإذا نظرنا للعلاقات الخليجية – المصرية من منظور علمي ومنهجي، سنجد أنها رغم متانتها التاريخية وقوتها الإستراتيجية، قد مرت بمحطات شهدت تفاوتًا في تقدير المواقف أو اختلافًا في وجهات النظر حول بعض القضايا، أو حتى حول أسلوب معالجة الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية، ولكن دون أن تهتز أو تتأثر أسس هذه العلاقة الإستراتيجية.

◄ صُنّاع القرار في دول الخليج العربي وجمهورية مصر العربية يمتلكون خبرة سياسية وفكرًا قياديًا ورؤى إستراتيجية تمكنهم من قراءة المشهد السياسي بشكل يُحقق المصالح العليا لأوطانهم

منذ السبعينات كانت مصر تمثل عمقًا إستراتيجيًا لدول الخليج العربي، فيما ظلّت دول الخليج الداعم الاقتصادي والاستثماري الأول لمصر، ولهذا كان التنسيق والتشاور بينهما دائمًا على أعلى المستويات، بعيدًا عن تأثير التغريدات والحملات الإعلامية التي تقودها جهات ذات توجهات وأهداف معروفة.

زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى دولة الإمارات تأتي في هذا السياق. فإذا نظرنا إلى الزيارة من زاوية التحليل السياسي نجد أنها تحمل عدة رسائل واضحة للنخب السياسية الإقليمية والدولية، منها:

أولا، التعقيدات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط تفرض ضرورة التنسيق والتعاون والتفاهم حول العديد من الملفات، نظرًا لانعكاساتها المباشرة والخطيرة على أمن المنطقة عامة، وعلى أمن دول الخليج العربي ومصر بشكل خاص.

ثانيا، الزيارة ربما تهدف إلى متابعة تطورات التعاون الاقتصادي والاستثماري بين الجانبين.

ثالثا، حملت الزيارة رسالة واضحة تؤكد قوة العلاقات الخليجية – المصرية عمومًا، والعلاقات الإماراتية – المصرية بشكل خاص.

وغالبًا ما تكون الزيارات الدبلوماسية، خاصة إذا كانت بهذا المستوى الرفيع، إحدى أدوات الدبلوماسية الناعمة التي تبعث برسائل طمأنة تفيد بأن العلاقات بين الدول طبيعية ومستمرة ومتطورة، بعيدًا عمّا يُقال في وسائل الإعلام أو يُتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وعلى المتأثرين بما ينشر عبر هذه المنصات أن يدركوا أن السياسة لا تُدار وفق الأهواء، ولا تُتخذ القرارات فيها بناءً على العواطف والانطباعات، بل على أساس المصالح والحسابات الدقيقة العقلانية، وهو ما يتقنه القادة السياسيون الذين يُديرون العلاقات بين الدول بحنكة وتجربة تراكمت عبر العقود.

8