السياسة شأن روائي

الأربعاء 2017/03/29

في تعبير لافت لأندري مالرو في مذكراته المضادة، أثناء استعادته لرحلته الهندية الأولى، تحدث عن الغواية التي تكتسيها محادثاته مع رؤساء الدول، “حيث أن الحديث مع أي صديق هندوسي، حتى لو كان آخر حكماء الهندوسية، لا يمكن أن يجعل الزمن حساسا كما يجعله جواهر لال نهرو عندما يتحدث عن غاندي” مثلا، إذ الأمر يتعلق بمصائر الناس وتحويل وقائع كان قدرها منتهيا، وهو تحديدا ما قد يشغل أي روائي. فالرواية لا تتعلق بالحكمة أو بالمعرفة الأصليتين، وإنما بتفاصيل الوصول إليهما معا، تلك التي قد يحكي عنها المناضل والداعية والمؤرخ والسوسيولوجي وعالم الاقتصاد والفيلسوف وحتى الانتهازي والضحية.

حضرت قبل أيام ندوة حول الإنتاج الفكري والأدبي للمفكر المغربي عبدالإله بلقزيز، وكان الهاجس المركزي للندوة هو التنقل بين روافد الكتابة لدى هذا الكاتب تحديدا الذي يتصل بتقليد طويل متواتر منذ أبي حامد الغزالي ومحيي الدين ابن عربي إلى هايدغر وجون بول سارتر. وما الدافع إليه؟ ولماذا بات يمثل ظاهرة متنامية في حاضر الثقافة العربية؟

ولعل إحدى أهم الأفكار التي طغت على النقاش تلك التي طرحها الصديق المفكر محمد نورالدين أفاية، ومفادها أنه لا يمكن الحديث اليوم عن تنقل أو عبور وإنما عن إيجاد تفريعات لمعين فكري واحد يستدعي له صورا وتشكيلات تفي بالقصد بالنظر إلى الإمكانات التي تتيحها الكتابة بما هي اشتغال متوحد بالزمن والواقع والمحتمل وبالنظر إلى ارتكازها في شتى حالاتها على الخيال الملهم لشتى حقول المعارف.

لكن ما استثارني إلى حد كبير في سؤال المراوحة بين الفكر والرواية العربية المعاصرة تحديدا وبصرف النظر عن حالة بلقزيز، أن هذه المراوحة تتجلى دوما بشكل أوضح حين يتعلق الأمر بكتاب معجونين بالسياسة، أو مشتغلين بها، أو منظرين لمآزقها؛ سواء من اختصاصات الفلسفة أو العقائد أو الاجتماع أو الاقتصاد أو ما جاورها من حقول.

حالات يمكن أن تستوقفنا في كل مرة نجد أن الاختصاص الأصلي للكاتب لا علاقة له بمهاوي الأدب أو الرواية، وإنما هو متورط في أسئلة أكبر وأعمق، من عبدالله العروي إلى محمد الأشعري ومن عبداللطيف اللعبي إلى محمد الناجي، أسماء قادمة من قضايا الفكر والاجتماع وبعضها من معترك النضال وحده، لكن وحدها السياسة توحد انتماؤهم إلى ملكوت الرواية، هل الرواية هي اختصار للسياسة وإيحاءاتها العاتية؟ ربما، لكن الشيء الأكيد أن الروائي العميق والاستثنائي لا يمكن يوما أن يكون شخصا محايدا ولا صانع حكايات مسلية.

كاتب مغربي

15