السياسة الخارجية العمانية في معترك الأحداث الإقليمية

السلطنة تعمل على تحقيق السلام والاستقرار في الخليج والمنطقة والعالم.
الاثنين 2024/02/26
سياسة خارجية نشطة

سلطنة عمان تحافظ على علاقات جيدة مع مختلف دول المنطقة ما يؤهلها للعب دور الوساطة في عدة أزمات إقليمية. وتستند الخارجية العمانية على مبدأ الحياد في سياساتها ما مكنها من تحقيق اختراقات في عدة بؤر توتر.

مسقط - شهد معرض مسقط الدولي للكتاب، ضمن فعاليات دورته الـ28 والمُقامة من الحادي والعشرين من فبراير الجاري وحتى الثاني من شهر مارس المقبل، جلسة حوارية بعنوان “السياسة الخارجية العُمانية في معترك الأحداث الإقليمية والدولية”، تحدث فيها الكاتب والمحلل السياسي المصري عاصم رشوان، وأدارها الدكتور المعتصم المعمري، بتنظيم من دار الفلق.

وقال عاصم رشوان، المتحدث الرئيسي بالندوة، إن جوهر السياسة العمانية الخارجية والركيزة التي انطلقت منها مواقف عمان ورؤيتها وتعاملها مع مختلف القضايا الخليجية والعربية والإقليمية والدولية، هي العمل الجاد والمخلص من أجل تحقيق السلام والأمن والاستقرار في الخليج والمنطقة العربية وعلى مستوى العالم.

وأضاف أن سياسات السلطنة ومواقفها اتسمت على الدوام بالوضوح والشفافية والصراحة في تعاملها مع مختلف المواقف والتطورات، سواء كانت على المستوى الثنائي أو متعدد الأطراف أو الجماعي، مما جعلها موضع تقدير إقليمي ودولي واسع النطاق على مستوى قيادات العالم وشعوبه.

السياسة العمانية تقوم على مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحل المنازعات بالطرق السلمية

وقد كان ذلك سببا في ما تحظى به الدبلوماسية العمانية من ثقة وتقدير إقليمي ودولي، كما أهلها ذلك، بحسب قوله، لتكون طرفا فاعلا في كل الجهود الخيرة الساعية لحل المشكلات الخليجية والإقليمية وغيرها على امتداد العقود الماضية.

وتابع بالقول إن السلطنة تقوم بالكثير من الجهود غير المعلنة، من أجل تقريب المواقف وتجاوز الخلافات بين الأطراف المعنية بمشكلات عديدة خليجية وعربية وإقليمية ودولية.

وأكد رشوان أن السياسة العُمانية ومواقف السلطنة كافة تقوم على مبادئ عديدة، منها حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى واحترام سيادتها، ورفض التدخل على أي نحو في الشؤون العمانية الداخلية والالتزام بمبادئ الحق والعدل والإنصاف وحل المنازعات بالطرق السلمية والعمل على الأخذ بسبل الحوار الإيجابي وتعزيز المصالح المشتركة والمتبادلة، ودعم الجهود الطيبة التي تقوم بها المنظمات الإقليمية والدولية من أجل السلام وتعظيم التعاون بين الدول والشعوب.

وبيّن أن سلطنة عُمان ترفض كل صيغ الاستقطاب إقليميا ودوليا، إدراكا منها بأن ذلك لا يسهم في حل المشاكل والخلافات، ساعية، بدلا من ذلك، إلى إتاحة الفرص لتحقيق قدر أكبر من التفاهم والإدراك لمواقف الأطراف، معتبرة أن ذلك يسهم في تقصير المسافات وبناء الجسور بين الأطراف المختلفة، وهو ما أدى إلى نجاحها في الوصول إلى حلول مقبولة لمشكلات كانت تشكل تهديدا للأمن والاستقرار إقليميا ودوليا.

ولفت الكاتب والمحلل السياسي المصري عاصم رشوان إلى أن سلطنة عمان لم تسع أبدا إلى استغلال جهودها لتحقيق مصالح ذاتية ولا توظيفها من أجل أجندة خاصة، وأرجع ذلك إلى أن السلطنة مهتمة وملتزمة دوما بالسعي من أجل أن يعُم الأمن والاستقرار والسلام والوئام بين دول وشعوب المنطقة، كما أنها لم تقم أبدا ببناء علاقات مع طرف على حساب أطراف أخرى وذلك وفقا لقوله.

واعتبر رشوان أن مواقف سلطنة عمان وتصرفاتها وتعاملاتها مع مختلف التطورات الخليجية والعربية والإقليمية والدولية على مدى عقود وسنوات، وحتى اليوم، لم تكن إلا استجابة أمينة للمنطلقات والأسس الثابتة التي ارتضتها باعتبارها دولة مستقلة ذات سيادة تصوغ وتدير علاقاتها وتتخذ مواقفها بما يحقق مصالحها الوطنية دون الإضرار بمصالح الدول الأخرى، وبحسب قوله، فقد أكدت أحداث الماضي القريب والبعيد سلامة مواقف السلطنة وصواب قراءتها الدقيقة والواقعية للأحداث وبُعد نظرها في الكثير من المواقف.

ورأى المُحاضر والمتحدث الرئيسي بالندوة أن سلطنة عُمان تُشكل نموذجا للتصالح مع النفس في مواقفها وردود أفعالها، وأنها نسجت صورة مثالية للتناغم بين شعبها ومؤسساتها كافة.

كما أنه يحسب لعُمان وقيادتها تلك المواقف التي تميّزت بها السلطنة تجاه الكثير من قضايا المنطقة، واسترجع بعض القضايا التي كان للسلطنة فيها موقف متفرد، مثل موقفها المتعلق بالتعامل مع المسألة العراقية – الكويتية، حيث ظلت تسعى حتى اللحظات الأخيرة إلى انسحاب القوات العراقية تفاديا لاندلاع حرب الخليج الثانية، المسماة حرب تحرير الكويت، محذرة بكل وضوح وشفافية من مخاطرها وتداعياتها على المنطقة في حينها بكل ما يحمله ذلك من مخاطر.

ونوّه عاصم رشوان بأن بالرغم من ذلك الموقف، إلا أن السلطنة لم تتخل عن التزاماتها في اتفاقيات الدفاع المشترك الموقعة بين دول مجلس التعاون الخليجي الست، حيث شاركت بقوات عسكرية ضمن قوة “درع الجزيرة” لدول مجلس التعاون الخليجي التي كانت ترابط آنذاك في منطقة “حفر الباطن” بالمملكة العربية السعودية حتى الانتهاء من تحرير الكويت.

وقال إن من المهم الإشارة إلى أن عمان ربما كانت الوحيدة التي رفضت إدراج نفسها في قائمة تعويضات “المتضررين من حرب الخليج” مترفعة، معتبرة ما قدمته واجبا مبدئيا، وليس عملا مدفوع الأجر؟

واستعرض المحاضر العديد من المواقف التي تُحسب لعُمان وقيادتها الحكيمة، السابقة والحالية، ومنها أنها لم تكن يوما طرفا في الاستقطابات العربية – العربية ما خفي منها وما بطن، إيمانا منها بأن كل ما يجري في هذا السياق ليس سوى سحابات في الأجواء العابرة بين الأشقاء سرعان ما تنقشع، وأنها تبقى مجرد متغيرات لا يجوز أن تمتد تأثيراتها السلبية إلى الثوابت العربية – العربية التي كانت وستبقى دوما هي محور انطلاق السياسة العمانية تجاه الأشقاء في العالم العربي، ومن تلك المواقف موقف السلطنة تجاه القضية السورية، وموقفها تجاه القضية الليبية وغير ذلك من القضايا، كما استعرضت الندوة موقف سلطنة عُمان من القضية الفلسطينية والأحداث الجارية في غزة.

وثمّنت المحاضرة مواقف وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي، تجاه القضية الفلسطينية، وهو الموقف الذي جاء معبّرا عن فهم عماني عميق لجذور الصراع مع العدو الإسرائيلي، كما جاء ليؤكد التزام السلطنة الثابت بمبادئ ارتضتها هي لسياساتها الخارجية في شأن قضية العرب والمسلمين الأولى.

وشددت المحاضرة على أن سياسة سلطنة عمان الخارجية تجاه قضايا المنطقة بشكل عام والعلاقات العربية البينية بشكل خاص، تُبيّن وبوضوح أن السلطنة كانت قارئة بعناية لأحداث التاريخ مستفيدة من دروسها، وهو ما أنتج سياسة تجري وفق معايير وضوابط ثابتة وحاكمة قوامها تجاوز المتغيرات لحساب الثوابت، والاحتفاظ لنفسها بمسافة تضمن لها حيادا إيجابيا يؤهلها في الوقت المناسب لتكون وجها مقبولا لدى الفرقاء بما يسمح لها بهامش واسع للمناورة من أجل التحرك باتجاه مساع حميدة لتحقيق التوافق وصولا إلى حلول سلمية تراعي مصالح الشعوب، وتمنع الانزلاق نحو الصراعات.

وتناولت المحاضرة السياسة الداخلية العادلة للسلطنة، والقائمة على أساس المواطنة وتماسك النسيج المجتمعي والتسامح وقبول الآخر.. جميعها أكسبت عمان مكانة عربية وعالمية متميزة حتى أصبحت الصورة الذهنية للمواطن العماني ودولته خارج الحدود عاكسة بصدق لكل هذه المفاهيم الإيجابية.. “مستوجبة الانحناء احتراما لعمان الدولة وعمان السلطان وعمان الشعب”.

وحضر الندوة عدد من المفكرين والباحثين والكتاب العمانيين والعرب بينهم الشيخ سيف بن هاشل المسكري الأمين العام المساعد الأسبق للشؤون السياسيّة بمجلس التعاون لدول الخليج العربيّة، والعضو السابق بالهيئة الاستشاريّة للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي، والإعلامي والمحلل السياسي حسين عبدالغني، والكاتب سعيد عبده، رئيس مجلس إدارة دار المعارف ورئيس اتحاد الناشرين المصريين، بجانب جمهور كبير من روّاد الدورة الـ28 من معرض مسقط الدولي للكتاب.

7