السياح القلائل يكتشفون الجوانب الخفية من باريس

قلة السياح في باريس قد تزعج العاملين في القطاع لكنها تمكّن من نزلوا ضيوفا على مدينة الأنوار في زمن كورونا من الاستمتاع بأماكنها الجميلة واكتشاف أسرارها على مهلهم، رغم حرمانهم من السهر أو الجلوس في المطاعم والمقاهي.
باريس – إن كان عدد السياح الأجانب قليلا في باريس هذه الأيام فإن الموجودين منهم في العاصمة الفرنسية، على قلّتهم، لهم حظ وافر في اكتشاف جوانب منها ما كانت تخطر على بال الكثير منهم قبل أن تلقي الجائحة بثقلها على المدينة التي تُعتبر من أكثر الوجهات استقطابا للسياح في العالم.
سيّاح باريس في الزمن الراهن وبسبب جائحة كورونا، محرومون من متاحفها ومطاعمها والتسوق في متاجرها الكبرى المقفلة، وهي التي تجتذب عادة الزائرين من كل أصقاع العالم، فرادى وجماعات، ويأتونها أحيانا في حافلات.
ومن المفترض أن يكون هؤلاء السياح قد استظهروا بفحص لفايروس كورونا تؤكد نتيجته السلبية على سلامتهم من الإصابة بكوفيد – 19 كي يُسمَح لهم بدخول الأراضي الفرنسية، وينبغي عموما أن يخضعوا لفحص آخر عند عودتهم إلى دولهم. وحين يصلون إلى باريس تبدأ رحلتهم مع سلسلة من الأنشطة الممتعة.
جينيفرا موريلّو وهي طالبة من مدينة ميلانو الإيطالية تستفيد من وجودها في العاصمة الفرنسية لتحصل على رسم وجهيّ لها بريشة أحد فناني ساحة تيرتر، على قمة تلة مونمارتر.
وبينما تصدح من حولها العصافير بزقزقاتها التي يستحيل عليها في العادة سماعها، تشرح قائلة، “من قبل، كان يوجد الكثير من الناس يريدون أن يرسمهم الفنانون، أما الآن فلم يعدّ يوجد هذا القدْر السياح، وبالتالي إنها فرصة لي”.
إلا أن ما يحبط موريلّو هو إغلاق الحانات الباريسية، تقول “إنه لأمر مؤسف، لأن أجمل ما في باريس حسب اعتقادي هو رؤية الناس والاستمتاع بالمقاهي والحانات”.

وفي ظل هذا الواقع، بات الأجانب يركّزون على التنزّه، ويستمتعون بهندسة المباني أو يكتشفون المعالم الأثرية، ولو من الخارج فحسب.
ومع أن بول فيدا من مقاطعة كيبيك الكندية أخذ يتعوّد على القيود المرتبطة بالجائحة ويتكيّف معها، فهو يؤكد بعد انتهائه من زيارة كاتدرائية القلب الأقدس، أنه “حزين قليلا لوجود عدد قليل جدا من الناس”.
أما الاستراتيجية التي يتّبعها فتتمثل في اختيار مكان والذهاب إليه، بصرف النظر عما إذا كان مغلقا أم لا، والحرص على العودة قبل السادسة مساء، وهو موعد حظر التجوال الذي يفرض على من يتجاوزه عقوبة دفع “غرامة قدرها 135 يورو!”، حسبما يذكر فيدا.
ويستحسن الكثير من السياح قلّة عدد المتواجدين في باريس، إذ تتاح لهم فرصة اكتشاف العاصمة الفرنسية على نحو أفضل. ففي العام 2019، قبل اندلاع الأزمة الصحية، اجتذبت باريس وضواحيها 50 مليون زائر، وهو رقم انخفض بمقدار الثلثين في العام 2020.
يقول أخصائي البصريات السويسري إيفان فدوفيتشيتش (27 عاما) وهو يرتشف القهوة في الهواء الطلق وسط ساحة تروكاديرو مع أحد أصدقائه، “أشعر بأن باريس ملك لي!”. ويضيف “لا يمكنك فعل الكثير، لا يمكنك أن تأكل أو تشرب – إذ أن المطاعم والمقاهي تلبي الطلبات الخارجية فحسب – لكننا نستفيد من هذا الوضع”.
أما كريستين جوار التي جاءت للمرة الأولى من مانيلا مع زوجها الفرنسي لزيارة المدينة فتقول “الأمر يبدو إلى حدّ ما وكأنه مكان خاص، فكل الأمكنة مقفلة والهدوء يعمّ المدينة حقا”.

في ظل هذا الواقع، بإمكان الزوجين أن يأخذا كل وقتهما للعثور على الزاوية المثالية لصورة عائلية أمام قوس النصر في جادة الشانزليزيه، وهو مكان يتزاحم فيه عادة مئات الأشخاص في الزمن الطبيعي.
غير أن المشكلة تكمن في كيفية التعامل مع حالات الطوارئ، كتناول وجبة عند الجوع، أو دخول المرحاض إذا اقتضت الحاجة.
وتحبّ كريستين جوار تناول الوجبات الجاهزة على مقعد عام في الهواء الطلق… ما دام الطقس رائقا. أما نيال كاردن فيلاحظ من جهته أن ثمة صعوبة في العثور على مراحيض لقضاء الحاجة البشرية، إذ أن “المراحيض العامة محدودة، بل هي محدودة جدا”، على ما يشرح الطالب الأيرلندي البالغ من العمر 21 عاما والذي يتابع دراسته في غرب فرنسا، ضمن برنامج الاتحاد الأوروبي للتعليم والتدريب (إيراسموس).
لكنّ كاردن، مع ذلك، يصرخ قائلا، “يا له من منظر!”، وهو يقف على الدرجات شبه الفارغة لحدائق تروكاديرو، متأملا برج إيفل الواقع على نهر السين.
ويقرّ بأنه يفتقد “حياة المقهى وحياة المطعم”، واصفا ذلك بأنه “أمر محزن”، ويعتبر أن “عدم إمكان زيارة قمة برج إيفل هو أيضا أمر محبط قليلا”، لكنّه يرى “ضرورة تثمين الأشياء الصغيرة”. ويضيف نيال “بصراحة، المدينة أكثر هدوءا بكثير. أنا أفضّل ذلك في الواقع”.
في الشهر المنقضي، شكّل الأجانب ما نسبته 4 في المئة فحسب من الحجوزات في الفنادق المفتوحة حاليا، وفقا لجمعية العاملين في السياحة في إيل دو فرانس (المنطقة الباريسية).
وينعكس ذلك على انخفاض إيرادات الفنادق بما معدّله 73 في المئة عما كان عليه في الشهر نفسه من العام الفائت، وفقا للجمعية، وتصل النسبة إلى 88 في المئة للفنادق الواقعة في مدينة باريس نفسها.
ويلاحظ إيفان فدوفيتشيتش أن “وجود عدد قليل جدا من الناس في الشوارع يبدو غريبا”، مضيفا “لهذا السبب سأعود إلى باريس عندما تعود الأمور إلى طبيعتها”.


