السياح العالقون في المغرب: نغادر اليوم ونعود غدا

أغلقت دول العالم أبوابها البرية والبحرية والجوية، لا أحد يدخل ولا أحد يخرج خوفا من خطر فايروس كورونا المستجد، هذا القرار ساهم في تراجع قطاعي السياحة والسفر وأثر على البلدان التي تعتمد على السياحة كقطاع اقتصادي حيوي، لكن المغرب ورغم الارتباك الذي تعيشه السياحة يبقى متفائلا بموسم الصيف.
مراكش (المغرب) - تشعر السائحة البولندية أنا كاراس بالحيرة بعدما باتت عالقة في مراكش، إثر تعليق المغرب كافة الرحلات الدولية بسبب فايروس كورونا. وتقول “أنا قلقة، لا أستطيع العودة، كل المرافق تغلق هنا ولم أستمتع بجمال مراكش كما كنت أتوقع”، كاراس لا تبالغ في قلقها فهي تعلم جيدا أن السلطات المغربية ستهتم بها.
وتقول “إني لا أستطيع النوم في مراكش، فهي مدينة لا تترك المجال للنوم إلا قليلا، سحرها في الليل كما في النهار، فالسوق الليلي في المدينة يتميز بسحر يجذبني إليه، حيث أستمتع بالطعام الشهي، أكلت الشاورما والدجاج المشوي، أتابع العرافين وراقص القرود، وفي النهار أحاول أن أتجول في سوق الحرف كما أنني خضبت يدي بالحناء منذ وصولي”.
وقررت الحكومة المغربية إغلاق المطاعم ودور السينما والأماكن الرياضية والترفيهية إلى أجل غير مسمى، بدءا من الإثنين الماضي، في إطار تدابير التصدي لخطر تفشي فايروس كورونا المستجد.
وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية إن “المملكة قررت تعليق جميع الرحلات الجوية الدولية لنقل المسافرين إلى إشعار آخر في إطار الإجراءات الوقائية ضد انتشار فايروس كورونا”.
ويتوقع مراقبون مغاربة تضرر القطاع السياحي الذي يعتبر ثاني أكبر مصدر للعملة الأجنبية، خصوصا أن أغلبية السياح الذين يزورون البلاد يأتون من أوروبا التي سجلت معدلات مرتفعة من حالات الإصابة بالفايروس.
وقالت وزيرة السياحة نادية فتاح العلوي إن السياحة أحد القطاعات الاقتصادية التي “تضررت بشدة” من الأزمة الصحية المرتبطة بفايروس كورونا المستجد المنتشر في مختلف بقاع العالم، لاسيما في ما يتعلق بتوقيف الرحلات الجوية الدولية.
ووجد الآلاف من السياح الأجانب أنفسهم عالقين في المغرب إثر تعليق الرحلات الجوية، مثل أنا (37 سنة) التي تعمل مندوبة تجارية وجاءت من صوفيا لقضاء عطلة في المغرب برفقة أصدقائها.
وبدأت آثار الركود السياحي بسبب تداعيات تفشي وباء كورونا تظهر في مراكش، حيث ظلت العربات السياحية المجرورة بالخيول رابضة قرب ساحة جامع الفنا وسط المدينة.
وأشاح معظم السياح بوجوههم عن مروضي الأفاعي والموسيقيين الهواة الذين ينشرون عادة المرح في الساحة الشهيرة، مركزين أنظارهم على هواتفهم ترقبا لأي جديد حول الرحلات الاستثنائية التي يفترض أن تعيدهم نحو بلدانهم.
ويصف مدير متحف إيف سان لوران/ حدائق ماجوريل سعد التازي، الوضع “بالمحزن، الأزقة خالية”. وبينما استقطب هذا الموقع السياحي العام الماضي أكثر من مليون زائر يغلق اليوم أبوابه وسط سكون تام في محيطه الخالي من المارة.
ويشير مسؤول في المصالح المحلية لوزارة السياحة بمراكش إلى أن “كل شيء تغير، المغاربة توقفوا عن الخروج والتجوال والسياح الأجانب أصابهم القلق”، لكن أغلبهم يصر على العودة فور تحسن الأوضاع وتراجع خطر الفايروس المستجد الذي سوف يكون قبل بداية الصيف حسب توقعاتهم.
وأصاب الكساد الملاهي الليلية التي أغلقت أبوابها، ما يفاقم خسائر القطاع السياحي بالمدينة الحمراء حيث يمثل نشاط الملاهي الليلية ثلاثة أرباع رقم تعاملاته.
ويضيف المسؤول السياحي “تعودنا على الأزمات، لكن الأزمة الحالية فريدة من نوعها”.
وتعد السياحة قطاعا حيويا في المغرب، حيث استقبلت العام الماضي نحو 13 مليون سائح، إذ تشكل قرابة 10 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي. وبحسب ما أفاد بيان للوزارة، بعد تعليق الرحلات الجوية الدولية رخصت وزارة السياحة المغربية “لما يقارب مئة رحلة خاصة مكنت من عودة عدة آلاف من السياح إلى بلدانهم”، مؤكدة على “معاملة السياح من كافة الجنسيات على قدم المساواة”.
وحاول مرشد سياحي بريطاني في مراكش طمأنة مجموعة من السياح على طريقته الخاصة قائلا لهم “سنجد حلولا، وفي انتظار ذلك استمتعوا بالتجوال في المدينة”.
وقال المواطن الألماني دافيد نيهوس المنحدر من ولاية بافاريا جنوبي ألمانيا الذي غادر مع أسرته إلى مدينة مراكش، “كنت قلقا على عائلتي من عدم العودة إلى بلادي… جلسنا في الفندق دون أن نستمتع بسحر مراكش وساحة الفنا العجيبة”.
ويذكر أن الاتحاد الدولي للسياحة، المجموعة السياحية الأولى في العالم، علّق القسم الأكبر من نشاطاته كالرحلات المنظمة.
وجاء على موقع وزارة الخارجية الألمانية على الإنترنت أنه من المتوقع استمرار تقييد حركة الطيران والسفر على نحو كبير واتخاذ إجراءات للحجر الصحي وتقييد الحياة العامة في كثير من الدول.
وأضاف نيهوس أنه في الواقع كانت لديه ثقة في أن يعود سالما مع أسرته إلى بلاده، لكنه يشعر ببعض القلق من الوضع الحالي الذي يعيشه العالم برمته وليس المغرب وحده، متوقعا أن هذا الوباء ستكون نهايته قريبة فالعلم تطور وتطورت معه الإمكانيات وستساعد الدول بعضها للخروج من الأزمة، ليفتح العالم أبوابه على بعضه وستكون لأسرته عودة إلى المغرب قد تكون في هذا الصيف.
حالة الهلع لا يعيشها السياح العالقون في المغرب فقط، بل يعيشها كل السياح القابعين في المطارات والفنادق المغلقة منتظرين دورهم في السفر. وقالت صابرينا البالغة من العمر 30 عاما والتي جاءت من باريس لقضاء بضعة أيام في مراكش مع والدتها، “أنا قلقة على والدتي خاصة وأن سفارة فرنسا تحيلنا إلى شركات الطيران التي تحيلنا بدورها إلى السفارة”، لكنها تؤكد أن الوضع في المغرب أقل خطرا من باريس، وكانت تتمنى أن تستمتع بالطقس الرائع وأسواق مراكش القديمة، مشيرة إلى أنها تعرف جيدا مراكش وزارتها العديد من المرات، ولن تتوقف عن زيارتها في المستقبل.
وأضافت “أردت شراء تذكرة للعودة الثلاثاء إلى بلجيكا، لكني عالقة هنا”.
وبالمثل يجد دافيد (33 عاما) الذي وصل مطلع مارس إلى المغرب برفقة صديقته حيث كانا ينويان التجوال في المملكة على متن دراجة نارية، نفسه عالقا بسبب تداعيات كورونا التي أربكت حياة الملايين عبر العالم، لكنه مازال متفائلا بانفراج الوضع خاصة وأن عدد الإصابات في المغرب أقل مما هو عليه في إسبانيا، قال “سنعبر عائدين إلى إسبانيا إذا فتحت الحدود، وإلا فلا بأس إن بقينا هنا”.
ورغم إلغاء الحجوزات خاصة من الدول الأوروبية، مازال خبراء السياحة متفائلين بإنقاذ الموسم الصيفي في المغرب خاصة إذا ما تراجع خطر فايروس كورونا الذي بدأ ينقشع في الصين، ولن يطول الأمر في أوروبا، كما يتوقعون.
وتعوّل وزارة السياحة المغربية على السياح الذين اعتادوا اختيار المغرب كوجهة سياحية في الصيف للاستمتاع بالشواطئ الرملية والغابات، كما تتوقع أن يكون سوقها الرئيسي بعد القضاء على الفايروس المستجد فيها، علما وأن السياح الصينيين اكتشفوا المغرب كوجهة سياحية في السنوات الأخيرة.

