السوق الموازية ملاذ العائلات التونسية لمجابهة تكاليف العودة المدرسية

ارتفاع أسعار مستلزمات الدراسة دفع الأسر محدودة الدخل إلى هجر المكتبات.
الثلاثاء 2023/09/12
العودة المدرسية مكلفة

تثقل العودة المدرسية كاهل العائلات التونسية محدودة الدخل. وتجد هذه العائلات متنفسا لها في الأسواق الموازية التي تتوفر على المستلزمات الدراسية بأسعار مناسبة لموازناتها. ورغم مساعدة الحكومة لهذه العائلات إلا أن ارتفاع الأسعار وزيادة نسب التضخم وارتفاع كلفة التمدرس تجعلها غير قادرة على مجابهة نفقات الدراسة.

تونس - تجد العائلات التونسية محدودة الدخل نفسها مجبرة على الالتجاء إلى الأسواق الموازية لشراء مستلزمات العودة المدرسية بأسعار منخفضة رغم دعوة وزارتي الصحة والتجارة إلى “ضرورة اقتناء الأدوات المدرسية من المكتبات”، وسط تحذير من “شراء مستلزمات تتعارض مع البيانات القانونية والصحية للمنتوج”.

ولا تزال غالبية الأسر تحمل عبء العودة المدرسية رغم قرار الحكومة التونسية الترفيع في المساعدة المالية الخاصة بالعام الدراسي الجديد لفائدة نحو 500 ألف تلميذ من أبناء العائلات الفقيرة ومحدودة الدخل، من 50 دينارا (17 دولارا) إلى 100 دينار(34 دولارا).

وأمام غلاء أسعار المستلزمات المدرسية في المكتبات، يجد عدد من التونسيين ضالتهم في الأسواق الموازية، حيث تتكدس الأدوات المدرسية مجهولة المصدر على قارعة الطريق وفي الأسواق الأسبوعية بأسعار مناسبة.

وقالت فضيلة القاسمي (50 عاما) وهي أم لثلاثة أطفال، “أضطر للذهاب إلى سوق سيدي بومنديل وسط العاصمة لاقتناء الحاجيات الدراسية بأسعار مناسبة نظرا لغلاء أسعارها في المكتبات، إضافة إلى عدم توفر الكراس المدعوم.”

عمار ضية: أغلب العائلات تلتجئ إلى شراء المستلزمات المدرسية بالتداين
عمار ضية: أغلب العائلات تلتجئ إلى شراء المستلزمات المدرسية بالتداين

وأمام غلاء سعر الكراس (من حيث الحجم وجودة الورق)، تؤكد القاسمي أنها “هجرت المكتبات لهذا السبب تحديدا”، مضيفة أنها تجد “ضالتها منهما في الأسواق وبسعر معتدل”.

ولفتت القاسمي إلى أنه رغم عدم جودة الموارد المعروضة إلا أن أسعارها تبقى في متناول الأسر محدودة الدخل خصوصا إذا كان لها أكثر من تلميذ في أكثر من مستوى دراسي.

وقالت لـ”العرب” إن نجاح ابنتها في الباكالوريا هذا العام زاد من إثقال كاهلها لأن مصاريف الدراسة الجامعية مكلفة .

من جهته، أوضح فيصل العباسي رئيس الغرفة الوطنية لتجار الجملة والمواد المدرسية والمكتبية أن “سعر الكراس المدعوم، زاد خلال الأعوام الأخيرة بسبب ارتفاع سعر الورق في السوق العالمية”، معتبراً أن “مسألة الدعم في تونس تعدّ معضلة كبرى لأن الكمية التي تم إنتاجها من الكراس المدعوم غير كافية ولا تذهب إلى مستحقيها”.

وعلى الرغم من أن فرقاً مشتركة من وزارتي الصحة والتجارة شرعت في عمليات المراقبة في مختلف مسالك التوزيع واتخذت إجراءات قانونية وحجزت كميات من المستلزمات المدرسية التي تشكل خطراً على صحة التلاميذ، إلا أن الظاهرة تتجاوز قدرات الدولة، ولا تزال تلك المواد معروضة في شوارع مختلف المدن والمناطق.

ويتزايد الإقبال على هذه المواد رغم خطورتها نظرا لارتفاع كلفة الدراسة في تونس خلال السنوات الأخيرة بصفة ملحوظة.

وقدرت المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك كلفة العودة المدرسية للتلميذ الواحد بحوالي 900 دينار (300 دولار) في حين قدرتها وزارة التربية بـ2014.7 دينار في المرحلة الابتدائية.

وبينت إحصائيات وزارة التربية أن كلفة التلميذ الواحد في المرحلة الابتدائية تطورت من 1090.1 دينار سنة 2010 إلى 2014.7 دينار سنة 2023 في حين تطورت كلفة التلميذ الواحد في المرحلة الإعدادية والثانوية من 1658.7 دينار سنة 2010 إلى 3532.3  دينار سنة 2023.

وقال رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ إن “كلفة العودة المدرسية مشطة والعائلات تجد صعوبة في توفير مستلزمات أبنائها، مشيرا إلى أن خارطة نتائج الامتحانات في تونس تعكس خارطة الفقر، فالأولياء المقتدرون ماديا بإمكانهم فعليا ضمان نجاح أبنائهم، أما من لا يملك الأموال فهو شبه متأكد من فشل أبنائه”. وأضاف أن الهدف الذي يجب العمل عليه اليوم هو إصلاح المنظومة العمومية واسترجاع مكانتها.

عدد التلاميذ للعام الجديد سجّل ارتفاعا طفيفا بالمقارنة مع العام الماضي يقابله تقريبا نفس العدد من المغادرين سنويا
عدد التلاميذ للعام الجديد سجّل ارتفاعا طفيفا بالمقارنة مع العام الماضي يقابله تقريبا نفس العدد من المغادرين سنويا

وتتزامن العودة المدرسية هذا العام في تونس مع تدهور اقتصادي واجتماعي غير مسبوق في البلاد يظهر من خلال تدني القدرة الشرائية وارتفاع نسبة التضخم وزيادة الأسعار، مما يؤرق معظم العائلات المنهكة التي تسعى إلى توفير مستلزمات العودة المدرسية في وقتها.

وتقول حبيبة الجويني (49 عاما) أم لبنتين تدرسان بالرابعة ابتدائيا والتاسعة أساسيا إن كلفة الكتب لوحدها بلغت 105 دنانير (35 دولارا) ما جعلها تلتجئ إلى الأسواق لتكملة بقية المستلزمات من كراسات وأقلام وحافظات أوراق ومحافظ.

وأشارت الجويني لـ”العرب” إلى أن سوق سيدي البحري بالعاصمة تعرض فيه مواد ذات جودة متوسطة يمكن للعائلات الفقيرة أو متوسطة الدخل أن تستعين بها.

وأكدت الجويني أن “ارتفاع أسعار اللوازم المدرسية بالمكتبات لا يشجع على الإقبال عليها”، مشيرة إلى أن بعض المكتبات تتبضع من الأسواق وتبيع البضاعة نفسها بثلاثة أضعافها، من ذلك المحافظ. وقد عاينت ذلك بنفسها أكثر من مرة، وفق قولها.

بدوره، اعتبر عمار ضيّة رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك، أن ارتفاع أسعار المواد المدرسية قد يجعل العائلات الفقيرة ومحدودة الدخل عاجزة عن مواجهة كلفة العودة المدرسية.

العودة المدرسية هذا العام في تونس تتزامن مع تدهور اقتصادي واجتماعي غير مسبوق في البلاد يظهر من خلال تدني القدرة الشرائية وارتفاع نسبة التضخم وزيادة الأسعار

وقال في تصريح لإذاعة محلية، إنّ أغلب العائلات التونسية تلتجئ إلى شراء المستلزمات المدرسية بالتداين أو الخلاص بالتقسيط، مشيرا إلى أن كلفة العودة المدرسية بالنسبة إلى تلميذ السنة أولى ابتدائيا ستكون 220 دينارا على أقل تقدير.

وأكد أن المنظمة تنقلت على عين المكان ورصدت الأسعار المعروضة في المكتبات وعاينت التكلفة الباهظة مما قد يجعل العائلات الفقيرة ومحدودة الدخل عاجزة عن مواجهة غلاء الأسعار. وبيّن ضية أن العودة المدرسية تأتي بعد موسم تميز بذروة استهلاكية في فصل الصيف وقبله عيد أضحى، “وهو ما أرهق القدرة الشرائية للمواطن التونسي الذي سيجد نفسه اليوم يواجه غلاء العودة المدرسية”.

وأكد أن تواصل ارتفاع الأسعار التي لا تتلاءم مع دخل أغلب العائلات التونسية قد يُحدث اضطرابا حتى لدى الطبقات الوسطى، وفق تقديره.

وينطلق العام الدراسي الجديد في تونس يوم 15 سبتمبر الجاري.

وقال وزير التربية محمد علي البوغديري إن إجمالي عدد التلاميذ بلغ هذا العام مليونين و356 ألفا و630 تلميذا في كل من المرحلة الابتدائية والمرحلة الإعدادية والتعليم الثانوي أي بزيادة تقدّر بـ2.8 في المئة مقارنة بالموسم الماضي في حين بلغ عدد فصول الدراسة 90 ألفا و453 فصلا بزيادة بـ547 فصلا.

وبلغ عدد المدرسين القارّين والمتعاقدين 156 ألفا و234 مدرسا لكافة المراحل الدراسية يتوزعون على6 آلاف و139 مؤسسة تربوية بزيادة بـ10 مؤسسات جديدة.

وشهد العام الدراسي الماضي تجاذبات بين وزارة التربية ونقابتي التعليم الابتدائي والثانوي اللتين اتخذتا إجراء حجب الأعداد كوسيلة لتحقيق المطالب المالية للمدرسين، وهو الإجراء الذي لم تستحسنه أغلب الأسر.

ورغم أن نقابة التعليم الثانوي رفعت الحجب ومكنت الطلاب من معدلاتهم مقابل زيادة منتظرة ستصرف على ثلاث سنوات، فإن نقابة التعليم الابتدائي تمسكت بالتصعيد ما جعل الوزارة تقتطع رواتب شهر يوليو للمعلمين الحاجبين وتعفي عددا من مدراء المدارس الذين تمسكوا بقرار حجب الأعداد.

Thumbnail

وأكد البوغديري أن وزارة التربية “قامت بكل ما في وسعها لضبط النفس” من خلال تأجيل الموعد النهائي لتنزيل الأعداد من 30 يونيو إلى 04 يوليو الماضيين، لكن الطرف النقابي مضى قدما في الدعوة إلى حجب الأعداد وهو ما يتعارض مع قانون الشغل، بحسب ما جاء على لسانه.

من جهة أخرى قال وزير التربية إن الوزارة بصدد التثبت لتحديد القائمة النهائية للمعلمين الذين أنزلوا أعداد تلاميذ التعليم الأساسي للموسم الدراسي 2022 – 2023 “حتى لا يقع ظلم أي معلم عوقب باقتطاع أجرته لشهر جويلية الماضي بسبب حجب الأعداد”.

وكشف الوزير، أن 95 في المئة من الكتب المدرسية طبعت في تونس بمناسبة العودة المدرسية، مع تسجيل شبه استقرار في سعرها بارتفاع طفيف قدّر بـ500 مليم في الكتاب الواحد، وقد تم توفير 16 مليون كراس مدعّم بأسعار منخفضة ونوعية ممتازة.

وأعلن أن 10 مؤسسة تربوية جديدة ستفتح أبوابها بمناسبة العام الدراسي الجديد ليرتفع إجمالي المؤسسات التربوية إلى 6139 مؤسسة.

وأفاد بأن عدد التلاميذ للعام الجديد سجّل ارتفاعا طفيفا بالمقارنة مع العام الماضي يقابله تقريبا نفس العدد من المغادرين سنويا، مشيرا إلى أن أكثر من 230 ألف أستاذ ومعلم سيتولون التدريس خلال السنة الدراسية المقبلة.

وطمأن البوغديري، أولياء أمور الطلاب بخصوص العودة المدرسية قائلا “ستكون العودة المدرسية القادمة آمنة وسنحرص على أن نمكن كل تلميذ من قسمه ومدرّسه وسنعطي أهمية للنواب بالعمل على تسوية وضعيتهم تباعا من منطلق قناعة المسؤولين في الدولة بأهميّة النهوض بواقع التعليم انطلاقا من إنهاء إشكال التشغيل الهش والعمل على تطوير الوضع المادي والمهني للمدرسين”.

وأشار الوزير إلى أن الوزارة وفرت الموارد البشرية والمالية اللازمة بالتعاون مع الحكومة لجعل هذه العودة آمنة وناجحة.

15