السوق الفنية السعودية تعاني من تفوق شهرة الفنانين على شهرة أعمالهم

يتطلب تنظيم المعارض الفنية دراية موسعة بالفن والفنانين، علاوة على الإلمام بطرق تسويق العمل الفني وعرضه. من ناحية أخرى فإن الفنانين مطالبون بدورهم بدخول سوق الفن وبذل مجهود يتجاوز إنجاز العمل الفني، كما للنقاد والصحافيين والمؤرخين أدوارهم أيضا في خلق الحركية الفنية. هذا ما ناقشته الباحثة السعودية إيمان الجبرين في لقاء نظمته جمعية الثقافة والفنون بالدمام.
الدمام (السعودية) - أكدت الدكتورة إيمان الجبرين أن القيم الفني المتميز هو من يملك مهارات بحثية، لأنه لا يجيد تقديم تجربة فنية مميزة فحسب، بل يجيد سبر أغوار التاريخ وانتقاء لحظات وأعمال بعينها يرى فيها ما لا يراه غيره، وينجح في إعادة تقديمها من جديد لتأخذ حقها من التأمل والإعجاب، جاء ذلك خلال اللقاء الفني بعنوان “الكتابة عن الماضي كوسيلة لاستشراف مستقبل الفنون في المملكة” الذي نظمته جمعية الثقافة والفنون بالدمام مؤخرا.
أدوار القيمين والصحافة
قالت الجبرين إن دور القيم الفني يتلخص في خلق تجربة مكانية خاصة تعمق متعة الزائر وتنقل إليه رسالة كلية للمعرض، ويعتمد نجاحه على قدرته في إظهار أعمال الفنانين بأحسن صورة، وأحياناً إعادة تقديم هذه الأعمال بصورة جديدة، وهنا يلتقي في عمله مع عمل الباحث فحين يقدم المعرض أعمالاً تاريخية يتعين على القيم الفني أن يعمل كباحث يعيد استكشاف تاريخ هذه الأعمال وحياة من صنعها والسياق الذي انتجت فيه من أجل أن يقدم المزيد من المعرفة والمتعة لزوار المعرض.
وعن خدمة الصحافة والإعلام للفنون البصرية أوضحت أنه في الماضي نعم كان لها هذا الدور، خاصة الثمانينات والتسعينات الميلادية، لكن المرحلة الراهنة فتعتقد أن الصحافة بشكل عام تعاني من ضعف شديد وبالتالي لم تخدم بشكل جيد الفن البصري، وكذلك تضع اللوم على الكثير من الجهات الراعية للمعارض والتي أصبحت تهمل إنتاج كتيب المعرض الذي يفترض أن يقدم الكثير من المعلومات التي تساعد الصحافة والباحثين في إنتاج مادة جيدة تخدم الفن والفنانين.
الصحافة الفنية بشكل عام فقدت قوتها وتأثيرها اللذين كانت عليهما في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي
وعن نوع الكتابة التي نحتاجها في المرحلة الراهنة وفي المستقبل ذكرت الجبرين “أننا بحاجة ماسة إلى كتابة تحليلية تستطيع تحليل الحراك الفني في المملكة ضمن إطار أوسع لمعرفة مدى تأثير البنية التشريعية الراهنة والمبادرات الجديدة، بالإضافة إلى التغيرات الاقتصادية والسياسية وكذلك الاجتماعية للتنبؤ بمواطن الضعف لمعالجتها ومواطن القوة لتعزيزها.”
وتابعت “نحن بحاجة أيضاً إلى ‘دراسات الحالة‘ التي تركز على فنان واحد، وتحلل أعماله، وتدرسها بشكل يعطي كل عمل تفرده، ويساعدنا على رؤية القيمة الكامنة فيه. فهذه الدراسات تساعد على خلق قيمة ‘معنوية‘ لهذه الأعمال مبنية على فهم ومبررات نستطيع استخدامها كأساس لتحديد قيمتها ‘المادية‘ وجذب شريحة أكبر من أصحاب الأموال للاستثمار فيها واقتنائها.”
وأضافت الجبرين عن الكتابة الفنية وخدمة الفنون من جانب النقاد والكتاب أن الصحافة الفنية بشكل عام فقدت قوتها وتأثيرها اللذين كانت عليهما في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، إذ يندر أن يعبر الصحافيون اليوم عن رأيهم في معرض فني أو عمل فنان، ولا يتسع المجال هنا لتحليل الأسباب، وإنما يجب التأكيد على أن الصحافة الفنية حين تحولت إلى أداة لنقل خبر مستنسخ ومكرر في جميع الصحف لم تعد مؤثرة وصانعة للحدث وللأشخاص. فمعرفة مكان المعرض وأسماء المشاركين فيه والجهة الراعية متبوعة بعبارات ثناء ومجاملة مكررة لا تفيد أحداً.
وشددت “نأمل أن نرى أقلاماً أقوى في التعبير، وأكثر قدرة على تبرير الإعجاب بحدث ما أو فشل آخر ليستفيد القارئ والفنان ومنظم الحدث على حدٍ سواء.. فالحديث عن الفن مهم جداً بقدر الفن نفسه.”
وأوضحت الجبرين أنها تؤمن بشدة أن أحد أهم أسباب تأخر نهضة السوق الفنية بالمملكة هو أن شهرة الفنانين تفوق شهرة أعمالهم، وبالتالي حتى وإن حضر أصحاب الأموال إلى تلك المعارض فإنه لا يوجد ما يشجعهم على الاقتناء لأن جميع الأعمال المعروضة أمامهم تبدو متساوية من حيث القيمة المعنوية، ولن ينجح التسويق للأعمال الفنية إلا حين نبرز كل عمل على حدة ونصنع له شخصية مستقلة. فالكل يتحدث عن الفنان ويعرفه جيداً ولكن لا أحد يعرف أعماله بنفس العمق.
بين الفنان والمؤرخ
عن مساعدة المؤرخين من قبل الفنانين بينت الباحثة السعودية أن هناك أمورا كثيرة يستطيع الفنان عملها ليساعد المؤرخ وليساعد نفسه حتى يدخل التاريخ، وأهمها أن يحرص الفنان على توثيق كافة بيانات عمله وأرشفة تلك البيانات متضمنة اسم العمل وخامة التنفيذ وأبعاده وسنة إنتاجه وشرحها شرحاً مبسطا في ملفات محفوظة لديه، بالإضافة إلى إتاحتها عبر موقع إلكتروني بسيط يحدثه باستمرار في وسائل التواصل الاجتماعي. ورغم أهميتها إلا أنها لا تعطي مساحة كافية لاستعراض تفاصيل العمل الفني، ولا يهم أن يكون الموقع الإلكتروني للفنان احترافيا ومكلفا، طالما اشتمل على تلك البيانات وصور الأعمال مرتبة وسهلة القراءة، فتوفير أكبر قدر من المعلومات بطريقة يسهل على الجميع الوصول إليها هام جدا للتعرف أكثر على الفنان وأعماله وزيادة الاهتمام به.
كما يجب، في رأيها، أن يحرص الفنان قدر الإمكان على التقاط صور جيدة لمراحل العمل وللمعارض الكبرى التي عرضت فيها وأرشفتها لديه، إذ أن هذه من الأمور التي تثير اهتمام المؤرخين بعد مضي مدة من الزمن عليها كما ترفع قيمتها السوقية في المستقبل.
وتشدد على أنه من الهام أيضا أن تكون طرق التواصل مع الفنان معلنة وعملية، وإذا كان لديه من يمثله “جاليري أو شخص محدد” يتم إيضاح ذلك حتى يسهل على المؤرخين والباحثين وكذلك القيمين الفنيين التواصل مع من يمثله مباشرة وعدم إزعاجه. وأخيراً، يجب أن تكون جميع حسابات الفنان في وسائل التواصل مرتبطة بموقعه الإلكتروني ومرفقا بها عنوان تواصل موحد ليسهل عليه متابعة المهتمين بالتواصل معه.
يذكر أن الدكتورة إيمان الجبرين أكاديمية وباحثة وقيمة فنية وعضو في مجلس الشورى السعودي، متخصصة في تاريخ الفنون الحديثة والمعاصرة. تجمع بين الخبرة الأكاديمية والعملية في مجالات الفنون البصرية والإشراف الفني، وهي أستاذ مساعد في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، حيث تسهم في تطوير الدراسات الفنية وتعزيز الوعي بتاريخ الفن في المملكة العربية السعودية.
عملت قيمة فنية لعدد من المعارض والمشاريع الفنية المهمة، محليًا ودوليًا، ومن أبرزها الجناح الوطني السعودي في بينالي البندقية للفنون، ومعرض “بعد توهم”، إضافة إلى تقييمها للعديد من المعارض الكبرى مثل مهرجان نور الرياض ومعرض “بكل عقلانية.. بكل الحواس” في فينيسيا. كما شغلت عضوية لجان تحكيم في جوائز مرموقة، مثل جائزة إثراء للفنون.