السوري خلدون الأحمد يُوازن إيقاعيا بين التجريد ورشاقة الحرف العربي

الفنان التشكيلي خلدون الأحمد تمكّن في لوحاته من منح الأحرف أشكالا بأبعاد ثلاثية فيها المتعة والحكمة والعبرة الممزوجة بأجواء تجريدية.
الاثنين 2021/11/22
انحناءات حروفية أشبه بقباب وأقواس وقناطر

حلب (سوريا)- بهدف إبراز جمالية الحرف العربي يشتغل الفنان التشكيلي السوري خلدون الأحمد في مجال التكوينات الحروفية بعد دراسة حول كيفية صياغة الحرف ضمن التشكيل واللون والإيقاع الشرقي، لما في الخط العربي من ليونة وطواعية أثناء الرسم.

والأحمد الذي درس الفن دراسة خاصة عبر مركز فتحي محمد للفنون التشكيلية في مدينة حلب كان ميالا في بداياته إلى الرسم الواقعي ثم التعبيري، لتستهويه بعد ذلك المدرسة التجريدية بمختلف تجلياتها ومنها انطلق إلى الفن الحروفي، لأنه استطاع من خلاله تجسيد علاقة الحرف باللون والموسيقى بشكل تجريدي.

ويقول الأحمد “بات الحرف العربي محور جل لوحاتي التشكيلية وطوّرت فكرة تشكيله بإضافة تكوينات لونية لإبراز مفاتنه وجماله لكونه يجسّد لغتنا التي نعتزّ ونفتخر بها”.

خلدون الأحمد: العمل الفني التشكيلي يخضع للجواب والقرار كالسلّم الموسيقي

ويؤكّد الحروفي السوري (من مواليد حلب في العام 1967) أنه درس الكثير حول تكوين الحرف العربي وسكونه وحركاته وإيقاعاته وعلاقته مع اللون، حتى استطاع تشكيله ضمن لوحات حروفية تجسّد لغة بصرية تشكيلية فريدة بإيقاع شرقي.

ويقول الأحمد عن تجربته الحروفية “أنا لست خطاطا، وإنما أرسم الحرف جماليا ضمن العمل التشكيلي وعبر المنسوج اللوني من ألوان الفرح والحب والجمال والتي جسّدت أبجديتنا العربية بأسلوب مميّز”.

ويهدف الفنان السوري عبر معارضه إلى نشر جماليات الحرف العربي بين الأجيال الشابة، راصدا جماله مع السعي لتوظيفه تشكيليا ضمن إيقاع اللون على المساحة البيضاء، مبيّنا أنه ما انفك يشتغل على تكوينات ترتقي إلى مكانة الحرف العربي من خلال حركة إيقاع خاصة بالحرف، ليخرج عن جو الخط التقليدي ويرصد جملا تشكيلية في مفردات الحرف العربي وجماله ضمن إيقاع موسيقي سيمفوني.

وتمكّن الأحمد في لوحاته من منح الأحرف أشكالا بأبعاد ثلاثية فيها المتعة والحكمة والعبرة الممزوجة بأجواء تجريدية، محقّقا المعادلة الصعبة في توازنه بين التشكيل ورشاقة الحرف العربي.

وهو في ذلك يقول “الأجواء التجريدية باللون من خلال علاقة اللون مع الحرف تُعطي حضورا للحرف بحيث يتواجد على سطح العمل مع متممات اللون، ومن هناك أعمل على جماليات وإيقاع الحرف وأعطيه انسيابية وتقنية خاصة بتكوين الحرف وعلاقة الحروف ببعضها البعض، لتُفرز عملا تشكيليا ذا منحى فسيفسائي رشيق يتماشى مع جمالية الحرف العربي”.

وحول جمعه بين توازن التشكيل ورشاقة الحرف العربي يقول “أي فنان يضع منذ بدايات مشواره الفني مفردة يعمل عليها مهما كانت مدرسته التشكيلية، ليكوّن ملامح شخصيته منها، وأنا استهواني إلى درجة العشق الحرف العربي، اشتغلت عليه كحرف وكإيقاع وكتكوين جمالي مع سطح اللوحة يتماشى مع اللون، ليشكّلا معا حالة غنائية جميلة تربط اللون بالحرف ضمن تشكيل إيقاعي”.

ويواصل “دائما التجربة المقدّمة تسبقها صناعة للغة تشكيلية بصرية، في مرسمي أعدّ الكثير من الدراسات التي هي بالأساس مشروع لأعمال فنية، لكنني أسميها دراسات لأنها ستصبح عملا زيتيا في المستقبل، أصنع منها تكوينا يشبهني، وطالما تمنيت لو كنت خطاطا قبل أن أكون رساما، لأن الخط العربي جميل بتكوينه وحركاته أعطيه من خلال لوحاتي حضورا تشكيليا يتناسب مع الفن والحالة التشكيلية”.

ويقرّ الفنان السوري بأنه حين يشرع أحيانا في الرسم لا يعرف إلى أين يأخذه الحرف ولا إلى أين سيوصله، فيشكّله كلوحة تشكيلية لا تخضع لقاعدة الخط بل لحركته وتكوينه، ويقول “ما يزيد عن السنتين وأنا أعمل بجد على موضوع الحرف، صمّمت أكثر من مئتي دراسة تكفي لإقامة ثلاثة معارض جميعها تركّزت حول إظهار علاقة الحرف باللون والتكوين وبالإيقاع الموسيقي والغنائي والفلسفي والطبيعي والجمالي للحرف، أتعامل معه كفن وحالة تشكيلية لونية”.

وحول توظيف اللون وإظهاره كمدلول حكائي يدعم سردية اللوحة يقول “عادة ما تفرض الألوان نفسها على العمل بناء على تصوّر مسبق في ذهني للمشهد التشكيلي، والعمل الفني التشكيلي يحتاج إلى الراحة والتنفّس ويخضع للجواب والقرار كالسلم الموسيقي. هناك حوار لوني في العمل، فاللون يدخل في تفاصيل الحرف ويعطيه جمالية وحضورا تكوينيا. وفي العديد من المرات وبعد أن أنهي لوحتي أجده ثقيلا لونيا ولا أجد نفسي فيه، أو أرى أن اللون طغى على الحرف، فأعود من جديد وأغيّر الألوان وأستخدم بعض الألوان كعلامة فارقة وأكسر الألوان الباردة بالألوان الحارة”.

ويعترف الأحمد بأن الحرف هو البطل الأول للوحاته، موضّحا “الأحرف العربية كالواو والياء والقاف فيها حميمية فلسفية جميلة تذكّرني انحناءاتها بأبواب بيوتنا القديمة والقباب والأقواس والقناطر، تفاصيل حاراتنا وتراثنا وتاريخنا بكل ما فيه من مخزون وموروث ثقافي، هذا الانحناء في الحرف يعني الانحناء في المكان والأشخاص على حدّ سواء، وأنا كفنان أحمل على عاتقي مسؤولية كبيرة تتمثل في الحفاظ على هذا التراث وحفظ هويتنا الشرقية الموغلة في القدم والأصالة؛ كل عمل يلامس بيئتي بحروفها ولونها هو بمثابة بناء بيت وزرع للياسمين”.

وعن تجربة الأحمد يقول الفنان التشكيلي السوري بشار برازي “الأحمد متجدّد في لوحاته، فهو يستفيد من الخط كلوحة تشكيلية أكثر من كونها خطا عربيا مقروءا، مع تركيزه على موضوع النقطة في أعماله بدلالتها في الفن. وهو من الفنانين الذين أجادوا في فن الخط العربي عن طريق إدخاله على لوحة تشكيلية ومحاولته تمويه الخط قدر الإمكان لتوظيفه كحالة بصرية أكثر من كونه دلالة مقروءة”.

وبدورها ترى الفنانة سلمى الشيخ حمو أن الأحمد يملك أسلوبه ومدرسته الخاصة، من خلال إضافة لمسته إلى الفن السريالي عبر طريقته الزخرفية، مقدّما لوحات تجريدية فنية مفرداتها الحرف العربي.

وفي رصيد الفنان خلدون الأحمد الكثير من اللوحات التشكيلية الحروفية والمعارض التي جسّدت الإيقاعات الحروفية ضمن لوحات ومجسّمات نفذها وطوّر من خلالها الحرف التشكيلي وجمالياته، إضافة إلى لوحات النقطة التي تميّزت بحضورها في معارضه لما لها من أهمية في الحرف العربي.

والأحمد الذي اتّخذ لنفسه منهجا تشكيليا فريدا ومميّزا في الأبجدية بخصوصيتها وقيمتها الثمينة يستعير ألوان الطبيعة لإضفاء لمسات شرقية على اللوحات، باحثا عن كل ما هو مميّز في لغة الضاد لتقديمه إلى عالم التشكيل برؤى حداثية مُبتكرة.

 

15