السوري جوان جان: نصوص مسرحية عربية كثيرة كتبت للقراءة لا للعرض

دمشق – على امتداد مسيرته قدم المسرحي السوري جوان جان الكثير، كتابة ونقدا للمسرح. وقد ألف العديد من النصوص للكبار والأطفال ما كرسه متخصصا في الكتابة لأبي الفنون، إذ تعتبر تجربته إحدى التجارب المهمة في الكتابة المسرحية المعاصرة، وهو ما يؤكده تحوّل العديد من نصوصه إلى عروض داخل سوريا وخارجها.
ولكن جان الذي تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية بقسم النقد عام 1993، لم يكتف بتكريس نتاجه الأدبي للخشبة، بل أعد مؤلفات عديدة في النقد والتوثيق المسرحي مذكرا بشخصيات مؤثرة مثل فرحان بلبل وعبدالفتاح قلعجي، مسلطا الضوء على ظواهر مهمة مثل كتابه “قراءات في النص المسرحي السوري”.
منذ أن كتب للمسرح القومي بدمشق مسرحية “معطف غوغول” إخراج سلمان صيموعة التي عُرِضَت في العام 2000، انطلق جان في تجربة لافتة في التأليف المسرحي يمسح العشرات من النصوص، ولم يتوقف عند مسرحية “نور العيون” أو “أجمل رجل غريق في العالم”، بل امتد إلى مسرح الطفل.
كما قدم مؤلفات عدة نذكر منها كتاب “وراء الستار – مقالات نقدية في المسرح السوري”، “مسرح بلا كواليس – إطلالة على الحركة المسرحية السورية”، ونصوص مسرحية “حكاية المولود الجديد”، “وقت مستقطع”، “مونودراما ليلة الوداع” وغيرها من الأعمال المتنوعة بين التأليف والنقد.
ورغم أن جان يكتب للمسرح منذ سنة 2000 إلا أنه لا يجد غضاضة في قيام بعض المخرجين بالاقتباس من النصوص الغربية مؤكدا أن تجربة المسرح في دول الغرب تمتد لأكثر من 500 سنة قبل الميلاد، في حين أن عمرها لدينا لا يتجاوز 150 سنة. هناك فرق شاسع في الممارسة والعراقة، فالمسرح في سوريا فن وافد وليس أصيلا كالشعر، لأجل ذلك بدأ المسرح القومي في سوريا عمله سنة 1960 من نصوص لمبدعين عالميين كشكسبير وموليير وتشيخوف بهدف إطلاع الجمهور على هذا الفن.
ومن الأسباب التي تحد أيضا من اكتفاء مخرجينا بنصوصنا المحلية حسب رأي جان، وجود الكثير من النصوص العربية التي كتبت للقراءة وليس للعرض، وهذا ما يعيق وصولها إلى المخرجين، فبعضها ذهني أو فلسفي وأدبي بحت وليس له علاقة بالمشهدية المسرحية باعتبار أن معظم كتابنا بعيدون عن المطبخ المسرحي الذي يتم فيه صنع العمل.
ولكن من جهة أخرى يدعو جان أي مخرج أو كاتب مسرحي يريد اقتباس نص أجنبي إلى أن يعيد كتابته من جديد بما يناسب البيئة التي يريد تقديم أي نص ضمنها.
وعن رأيه في الحراك المسرحي السوري يشير جان إلى تأثره خلال العشر سنوات الأخيرة بما تعرضت له سوريا، حيث توقفت معظم المهرجانات المسرحية لعدة سنوات لكن الحياة بدأت تعود إلى الخشبة وتابع الجمهور عروضا كثيرة بمختلف المحافظات وانطلقت فعاليات جديدة تقام للمرة الأولى مثل مهرجان السويداء المسرحي.
يقول “يحلو لنقاد وباحثي المسرح العربي أن يتعاملوا معه ومع نتاجه الإبداعي، نصا وعرضا، كما يتعامل المؤرخون مع التاريخ توثيقا وتحليلا، من حيث اعتبار المنعطفات التاريخية الحادة كالحروب والغزوات والثورات نقاط علام (علامات تنقيط)، ولا تعتبر السنوات والعقود اللاحقة لها امتدادا للسنوات والعقود التي سبقتها”.
من هذا المنطلق، يؤكد الناقد والكاتب المسرحي السوري أن الكثير من المسرحيين العرب يعتقدون أن المسرح العربي عموما بعد ما سمي “بثورات الربيع العربي” ليس امتدادا للمسرح العربي الذي سبق هذه (الثورات) ولا استكمالا لمسيرته بل يعتبرونه حالة مسرحية قائمة في حدّ ذاتها بأشكالها الفنية ونصوصها وتجلياتها الفكرية الأمر الذي يحمّل المبدعين المسرحيين العرب من كتاب ومخرجين مسؤولية مضاعفة لجهة إحساسهم بأن عليهم بذل المزيد من الجهود كي يرتقوا إلى مستوى المسؤولية التي حمّلهم إياها النقاد والباحثون العرب عندما اعتبروهم فاتحة عصر مسرحي عربي جديد.
وعن رأيه في المسرحيين الشباب سواء أكانوا كتابا أم مخرجين في سوريا، يلفت جان إلى وجود دعم رسمي يساعدهم على الانطلاق، مثل مشروع دعم مسرح الشباب الذي أطلقته مديرية المسارح عام 2017، لجذب الشباب الموهوبين وإتاحة الفرصة لهؤلاء للمشاركة في المهرجانات المسرحية التي تقام في أغلب المحافظات.
ويتوقف مؤلف مسرحية “ليلة التكريم” عند بعض المسرحيين الذين جمعوا التأليف مع الإخراج ونجحوا في ذلك أمثال الكاتب والمخرج الراحل طلال نصرالدين والكاتب سامر محمد إسماعيل والفنان هشام كفارنة والمخرج فيصل الراشد، مؤكدا أنه يشجع على هذا الأمر بشرط أن يكون المخرج قادرا على إيجاد نص مسرحي جيّد يوازي عمله كمخرج.
ويعرب عضو لجنة تحكيم مهرجان أيام الشارقة المسرحية، عن أمله في عودة مهرجان دمشق المسرحي ولو على نطاق ضيق لعروض سورية ومن الدول المجاورة.
أما عن تحقيق المزيد من الازدهار في الحركة المسرحية، فيرى جان أنها تحتاج إلى منصات مسرحية أكثر، معربا عن أمله في استثمار كل الخشبات الموجودة في المحافظات إضافة إلى الصالات التابعة للمؤسسات والوزارات ولاسيما وزارة التربية وتفعيلها عن طريق صيغة تعاقدية بينها وبين وزارة الثقافة بغرض جذب الجمهور بصورة أكبر.
وحول مجلة “الحياة المسرحية” التي يشغل رئاسة تحريرها معظم وقته، يوضح جان أنها تحظى بنسبة قراءة محليا وعربيا بالرغم من مرور أكثر من 40 عاما على تأسيسها، وتضم كتابا فاعلين على الساحة المسرحية من مختلف الأجيال في سوريا والوطن العربي، حيث تلاقي صدى لافتا إضافة إلى اهتمام وزارة الثقافة ووضع تسهيلات لاستمرار عملها رغم الأزمات المختلفة حيث لم تتوقف لا ورقيا ولا إلكترونيا، مؤكدا أن هذه المجلة استمرار لمشروعه المسرحي.