السوري الأكثر لبنانية من اللبنانيين
بعد رحلة طويلة وثرية مع الشعر ترجل أخيرا سعيدعقل عن صهوة الشعر، فكان آخر رواد الكلاسيكية الجديدة في الشعر العربي الحديث، الذين يطوون برحليهم الصفحة الأخيرة والأهم في تاريخ هذه الحركة، وأهم الآباء الروحيين للنزعة الفنيقية والقومية اللبنانية، التي حاول أن يذهب بدلالاتها إلى أقصى درجات الوجد والتصوف، ما جعله يمثل أكثر دعاتها والمنظرين الأيديولوجيين لها تطرفا ومغالاة، كما تجلى ذلك في أبوته الروحية لحزب حراس الأرز الذي لعب دورا خطيرا في الحرب اللبنانية، إضافة إلى دعوته إلى استبدال اللغة العربية الفصحى باللغة اللبنانية المحكية، التي كتب قصائد ديوان الخماسيات بها، ليعود في ديوان خماسيات الصبا إلى كتابة قصائده باللغة العربية الفصحى ثانية.
الصانع الماهر
ينتمي عقل في أصوله إلى أسرة سورية هاجرت من قرية في جنوب سوريا إلى مدينة زحلة، التي ولد فيها عام 1912، ونشأ مفتونا بسحر طبيعتها وجمالها. انشغل منذ مرحلة مبكرة بصورة أساسية بالمعرفة والعلم والفن والفلسفة، بينما شكل اللاهوت المسيحي إلى جانب التراث الفنيقي أحد أهم عوامل التأثير في فكره ومواقفه وشعره.
لقد طوى الموت مع رحيل عقل حقبة هامة من تاريخ الشعرية العربية والفكر الانعزالي اللبناني الذي طالما عمل على تأطيره فكريا وتاريخيا
ظل عقل في مواقفه السياسية والشعرية موضع جدل كبير بين أنصار التقليد وأنصار الحداثة في الشعر، أو بين ذوي الاتجاهات القومية واليسارية والاتجاه اللبناني- الفنيقي، بسبب ما تميزت به مواقفه من تطرف ومغالاة حتى في علاقته باللغة العربية التي اعتبر نفسه الربان الماهر، الذي يعرف كيف يقودها حيث يريد وكيفما يريد.
آمن بالشعر والجمال
عكس الراحل في تجربته الغنية تلك الروح الصافية والمبدعة التي طالما آمنت بالشعر والجمال، فرفعتهما إلى مصاف عالية، حاولت من خلال تجربتها أن تتمثل روحهما الوثابة وخيالهما الجامح وسحرهما الذي عرف كيف يذهب بهما إلى ينابيعهما الأولى، لكي يعيد لهما روح الإبداع وكماله كما كان يقول دائما.
لقد طوى الموت مع رحيل عقل حقبة هامة من تاريخ الشعرية العربية والفكر الانعزالي اللبناني الذي طالما عمل على تأطيره فكريا وتاريخيا، الأمر الذي يجعل أية كتابة عن سعيد عقل في هذه اللحظة الختامية من مسيرته الطويلة والحافلة التي استمرت مئة وعامين، لا بدّ أن تكون استحضارا لكل هذا التاريخ وهذه المواقف التي كان يؤمن بها ويدافع عنها بقوة وحماس، استطاع من خلال المكانة التي يمثلها أن تثير الكثير من الجدل حولها وأن تجعل منه خصما للكثيرين من أصحاب الفكر السياسي أو فكر الحداثة، ورمزا لأصحاب الاتجاه القومي اللبناني، الذين نظروا للبنان كأنه واحة معزولة عن محيطها الحضاري العربي، وكأن الشام بتعبيرها الجغرافي المعروف لم تكن أيقونة الشرق كله.
ناقد من سوريا مقيم في أبوظبي