السوريون يراقبون إعادة تأهيل النظام بأمل وخوف

الرهان على الاستثمارات السعودية يبدو صعب التحقق في الوقت الحالي بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية على سوريا.
الجمعة 2023/04/28
خوف وغضب أيضا

بيروت – يراقب السوريون الذين يعيشون على جانبي خطوط المعركة المجمدة التي تقسم بلادهم تسارع تطبيع العلاقات التي تجمع النظام السوري بجيرانه.

ويأمل الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام ويعانون من التضخم ونقص الوقود والكهرباء أن يعزز التقارب التجارة والاستثمار ويخفف من أزمة اقتصادية خانقة.

لكن السوريين في المناطق المتبقية التي تسيطر عليها المعارضة يشعرون بتخلي المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية الأخرى عنهم بعد أن كانت في صفهم خلال معركتهم ضد حكم الرئيس بشار الأسد.

وأجرت تركيا التي كانت داعما رئيسيا للمعارضة المسلحة، محادثات مع دمشق لأشهر كان آخرها يوم الثلاثاء حين التقى وزراء دفاع تركيا وروسيا وإيران وسوريا في موسكو.

وقررت السعودية ذات الثقل الإقليمي تغيير موقفها من حكومة الأسد في الأسابيع الأخيرة ودعت جيرانها إلى اتباعها.

 وزار وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان دمشق للمرة الأولى منذ قطع المملكة العلاقات مع سوريا قبل أكثر من عقد.

وتسعى المملكة، التي ستستضيف اجتماعا للجامعة العربية الشهر المقبل، لإقناع الدول الأعضاء الأخرى بإعادة منح العضوية لسوريا، رغم تمسّك بعض الدول بالرفض مثل قطر.

وقال أبوشادي وهو خياط يبلغ من العمر 49 عاما من دمشق، إنه يأمل أن يؤدي إصلاح العلاقات بين سوريا والسعودية إلى تحسين الاقتصاد وبدء إعادة الإعمار في البلد الذي مزقته الحرب.

وتابع “سئمنا الحروب وعانينا منذ 12 عاما. ستتحسن العلاقات مع المملكة العربية السعودية ومع جميع دول الخليج وستستفيد شعوب الجانبين إن شاء الله. سنشهد مزيدا من الحركة والأمن وسيتحسّن كل شيء”.

لكن التقارب يسبّب الخوف في شمال غرب البلاد الذي تسيطر عليه المعارضة. واعتمد نشطاء المعارضة عبر وسائل التواصل الاجتماعي هاشتاغا عربيا مفاده أن “التطبيع مع الأسد خيانة”، وتظاهر المئات في احتجاجات على مدار الأسبوعين الماضيين ضد إعادة الدول العربية العلاقات مع الأسد.

وقال خالد الخطيب الذي يبلغ من العمر 27 عاما وهو عامل في منظمة غير حكومية في شمال غرب سوريا، إنه يخشى أن تستعيد الحكومة سيطرتها على كل أراضي المعارضة.

هل تكون دمشق قادرة على تلبية شروط العودة إلى الجامعة العربية وأن تركيا وسوريا لن تتوصلا إلى اتفاق بسهولة

وتابع “أتعرض منذ اليوم الأول الذي شاركت فيه في مظاهرة سلمية لخطر القتل أو الاختطاف أو الاستهداف بالقصف الجوي”. وقال إن رؤية الدفء الإقليمي مع دمشق “مؤلم ومحبط لتطلعات السوريين”.

واعتبر رشيد حمزاوي محمود الذي انضم إلى احتجاج في إدلب خلال الشهر الحالي، أن الخطوة السعودية كانت الأحدث في سلسلة خيبات أمل المعارضة السورية. وقال “خذلنا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والدول العربية وجماعات حقوق الإنسان والجماعات الإسلامية”.

ونبذت الحكومات العربية سوريا بسبب حملة الأسد الوحشية على المتظاهرين في انتفاضة 2011 التي تحوّلت إلى حرب أهلية. لكن جيران سوريا قرروا اتخاذ خطوات نحو التقارب مع دمشق خلال السنوات الأخيرة مع تعزيز الأسد لسيطرته على معظم البلاد.

وتسارعت وتيرة المبادرات منذ الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من فبراير، وعودة العلاقات بين السعودية وإيران بوساطة الصين بعد أن دعمتا أطرافا متعارضة في الصراع.

ويرى الباحث السويسري – السوري والأستاذ في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا جوزيف ظاهر في التقارب السعودي – السوري “نقطة تحوّل” بالنسبة إلى الأسد. وقال إنه من المحتمل أن يتقرر دعوة الأسد لحضور القمة العربية القادمة، معتبرا “أنها مسألة وقت فقط “حتى لو لم تصله الدعوة في مايو.

ويقول مسؤولون حكوميون وشخصيات موالية للحكومة في سوريا إن استعادة العلاقات الثنائية أهم من العودة إلى جامعة الدول العربية.

وقال عضو المكتب السياسي في الحزب السوري القومي الاجتماعي طارق الأحمد لوكالة أسوشيتد برس إن “لجامعة الدول العربية دورا رمزيا في هذا الشأن. لكنها ليست الحاسمة”.

وصرّح الأكاديمي والدبلوماسي السابق في دمشق جورج جبور أن السوريين يأملون في نيل “وظائف بالسعودية” بعد عودة العلاقات الطبيعية بين دمشق والرياض.

وكانت المملكة قبل عام 2011 واحدة من أهم شركاء سوريا التجاريين، حيث بلغت التجارة بين الدولتين 1.3 مليار دولار في 2010. ثم تراجعت الحركة الاقتصادية بشكل كبير مع إغلاق السفارات لكنها لم تتوقف تماما.

hh

وشهدت التجارة نموا حتى قبل دفء العلاقات الدبلوماسية، وخاصة إثر إعادة فتح الحدود بين سوريا والأردن سنة 2018، التي أصبحت طريقا للبضائع المتجهة من السعودية وإليها.

وأفادت نشرة “سيريا ريبورت” التي تتتبع اقتصاد البلاد أن هذه التجارة الثنائية ارتفعت من 92.35 مليون دولار في 2017 إلى 396.90 مليون دولار سنة 2021.

وقال رئيس تحريرها جهاد يازجي إن استعادة الرحلات المباشرة والخدمات القنصلية إثر التقارب السعودي – السوري الحالي قد تخلق زيادة أكبر في التجارة.

لكنه يتوقع خيبة أمل السوريين الذين يتطلعون إلى المملكة العربية السعودية “كمزوّد للتمويل سواء من خلال الاستثمار المباشر في الاقتصاد السوري أو من خلال تمويل مشاريع مختلفة، وخاصة بالقروض الميسرة لمشاريع البنية التحتية”، حيث ستكون مثل هذه الاستثمارات محظورة إلى حد كبير في الوقت الحالي بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية على سوريا.

واستقبل البعض التطبيع باستهجان خاصة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

وقال الناشط السياسي في إدلب عبدالوهاب عليوي إنه فوجئ بالتغيير في الموقف السعودي، لكن “لن يتغير شيء على الأرض (…) لأن الدول العربية لا تتمتع بنفوذ داخل سوريا”، على عكس تركيا وروسيا وإيران والولايات المتحدة التي نشرت قوات في أجزاء مختلفة من البلاد. واعتبر أن دمشق لن تكون قادرة على تلبية شروط العودة إلى الجامعة العربية وأن تركيا وسوريا لن تتوصلا إلى اتفاق بسهولة.

وقال محمد شكيب الخالد وهو رئيس الحركة الوطنية الديمقراطية السورية المعارضة، إن الدول العربية لم تكن يوما حليفة لـ”الحركات المدنية الديمقراطية الليبرالية” في الانتفاضة السورية، لكنها قدمت دعمها “للفصائل التي اتخذت نهجا إسلاميا متطرفا”. لكنه أكّد أن للحكومة السورية “حلفاء حقيقيين دافعوا عنها”، مشيرا إلى تدخل روسيا وإيران الذي قلب موازين الحرب. وتابع “لا أحد يدافع عن أرض إلا شعبها”.

2