السوريون يحيون ذكرى الثورة على وقع توتر أمني وطائفي

السوريون يحتفلون بذكرى الثورة قبل أكثر من ثلاثة أشهر على سقوط نظام الأسد وسيطرة هيئة تحرير الشام على الحكم. ومع تقدم الوقت تزداد التساؤلات بشأن الانتقال الذي حصل في البلاد، هل هو قادر على توفير الاستقرار والأمن وتحسين وضع السوريين والحد من الفقرة في البلاد.
دمشق - أحيا السوريون السبت الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الاحتجاجات المناهضة لبشار الأسد، وذلك للمرة الأولى بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد، بتجمعات شعبية في مدن عدة خصوصا دمشق، في وقت تعيش فيه البلاد على وقع توتر أمني وطائفي وغموض بشأن الوفاق السياسي بعد سلسلة من مبادرات الرئيس أحمد الشرع.
ويحتاج الشرع قبل طمأنة السياسيين والمثقفين وممثلي الطوائف إلى إرسال إشارات تفيد بوجود رغبة في تحسين الواقع المعيشي للسوريين، الذي من أجله قامت الثورة قبل أن يتم تحويل أهدافها. وتراهن الإدارة الجديدة في تحسين ظروف السوريين على دعم مباشر من قطر، التي وعدت بزيادة كميات الغاز الموجهة إلى سوريا.
وتأتي هذه الذكرى في وقت تواجه فيه السلطات الجديدة تحديات عديدة تتعلق بإدارة المرحلة الانتقالية وبعد يومين من إقرار الإعلان الدستوري الذي يمنح الرئيس الشرع سلطات مطلقة في إدارتها، وفق خبراء، وبعد أعمال عنف دامية في منطقة الساحل السوري. وقتل ثلاثة أشخاص على الأقلّ وأصيب 12 بجروح في انفجار في مدينة اللاذقية في غرب سوريا، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا”، من دون أن تتضح أسبابه على الفور.
وأفادت سانا أن “انفجارا عنيفا” هزّ “حي الرمل الجنوبي بمدينة اللاذقية ولا تزال الأسباب مجهولة حتى الآن.” مشيرة إلى أنه وقع في “مبنى مكوّن من أربعة طوابق.” ثم أوردت نقلا عن محافظة اللاذقية أن الانفجار “خلّف حتى اللحظة ثلاثة قتلى و12 مصابا.” مضيفة “ما زالت فرق الدفاع المدني والأهالي تبحث عن مصابين ومفقودين”.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان السبت إن هجوما بمسيّرة انتحارية شنته قوات سوريا الديمقراطية (قسد) استهدف مواقع ما يسمّى بالجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا شمالي سوريا وسط تصعيد عسكري بين الجانبين. وأضاف المرصد أن الهجوم أسفر عن مقتل عنصرين بالجيش الوطني السوري وإصابة ثلاثة آخرين وتدمير مركبة عسكرية.
وتلقي الحوادث الأمنية المتفرقة بظلالها على حالة الاستقرار الهشة في البلاد وتزيد من المخاوف بين السكان بعد أيام قليلة من الهجوم المروع في الساحل. وتجمّع العشرات في محيط ساحة الأمويين وسط العاصمة بعد ظهر السبت استعدادا لإحياء هذه الذكرى، ما يعكس تحولّ الساحة إلى نقطة للاحتفاء بالمرحلة الجديدة، بعدما بقيت طوال أعوام النزاع رمزا لتجمعات لأنصار الأسد للرد على الاحتجاجات المناهضة في مدن أخرى.
ورفع المتجمّعون الأعلام السورية الجديدة، ولافتات كتب على بعضها “الثورة انتصرت”، فيما حلّق الطيران المروحي وألقى بمنشورات ملونة كتب عليها “لا مكان للكراهية بيننا لأن سوريا تحتاج قلوبا صافية وأيادي متكاتفة”. وأغلق الأمن العام المنافذ باتجاه الساحة، ووزع ورودا على المتجمهرين، في الوقت الذي علت فيه أصوات مسجلات تبث أغان ثورية وإسلامية.
◙ الحوادث الأمنية تلقي بظلالها على حالة الاستقرار الهشة وتزيد من المخاوف بين السكان بعد أيام قليلة من الهجوم المروع في الساحل
وقالت هناء الدغري (32 عاما) من ساحة الأمويين “ما يجري الآن هو حلم لم أجرؤ على التفكير فيه، خرجت من دمشق منذ 12 عاما لأنني كنت مطلوبة أمنيا، ولم يكن لديّ أمل بالعودة لولا التحرير”. وتحت أشعة الشمس الحارقة، وقف عبدالمنعم نمر (41 سنة) برفقة أصدقائه الذين رفعوا علما كبيرا وصاروا يرقصون ويغنون من حوله، وقال “كنا نحتفل بذكرى الثورة في الشمال السوري، واليوم نحتفل في ساحة الأمويين وهذا نصر مبارك”.
وتحت شعار “سوريا تنتصر”، دعا ناشطون إلى تظاهرات في مدن أبرزها حمص وإدلب وحماة، تأكيدا لمرحلة جديدة في تاريخ البلاد بعد عقود على حكم آل الأسد. وفي مدينة إدلب في شمال غرب البلاد، تجمّع المئات كذلك احتفالا بالذكرى على وقع أناشيد دينية في ساحة في وسط المدينة، رافعين الأعلام السورية وعلم هيئة تحرير الشام، كما شاهد مصور في فرانس برس.
واعتبارا من منتصف مارس 2011 في خضم ما عرف بـ”ثورات الربيع العربي”، خرج عشرات الآلاف من السوريين في تظاهرات مطالبين بإسقاط نظام الأسد. واعتمدت السلطات العنف في قمع الاحتجاجات، ما أدخل البلاد في نزاع دامٍ تنوعت أطرافه والجهات المنخرطة فيه. ويأتي إحياء الذكرى هذا العام للمرة الأولى من دون حكم آل الأسد الذي امتد زهاء نصف قرن، بعد أن أطاحت به فصائل تقودها هيئة تحرير الشام، بدخولها دمشق في الثامن من ديسمبر إثر هجوم بدأته من معقلها في شمال غرب البلاد في أواخر نوفمبر.
ويقود زعيم الهيئة أحمد الشرع الإدارة الجديدة، وتم تعيينه رئيسا انتقاليا للبلاد أواخر يناير. وتواجه سوريا تحديات كبيرة مرتبطة بالواقع المعيشي والخدمي، فضلا عن تحديات مستجدة مرتبطة بالسلم الأهلي، ولاسيما بعد أيام من أعمال عنف دامية في منطقة الساحل أوقعت أكثر من 1500 قتيل مدني غالبيتهم علويون، قضوا على أيدي عناصر الأمن العام ومجموعات رديفة، وفق آخر حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وشكّلت هذه الأحداث اختبارا مبكرا للشرع الساعي إلى ترسيخ سلطته على كامل التراب السوري، بعدما كان تعهد مرارا بالحفاظ على السلم الأهلي وحماية الأقليات. وقال المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا غير بيدرسون في بيان الجمعة “مرّت أربعة عشر عاما منذ أن خرج السوريون إلى الشوارع في احتجاجات سلمية، مطالبين بالكرامة والحرية ومستقبل أفضل”.
وأشار إلى أن السوريين ” يستحقون الآن انتقالا سياسيا يليق” بصمودهم وسعيهم لتحقيق العدالة والكرامة، داعيا إلى وقف فوري لجميع أعمال العنف وحماية المدنيين وفقا للقانون الدولي. وأكد ضرورة “اتخاذ خطوات جريئة لإنشاء حكومة انتقالية وصياغة دستور جديد”.
ووقع الشرع الخميس على إعلان دستوري من 53 مادة، حدّد المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ومنح الرئيس الانتقالي سلطات مطلقة في تشكيل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، رغم تبنيه في الوقت ذاته مبدأ “الفصل بين السلطات”. ويقول الأستاذ في القانون الدستوري سام دلة لوكالة فرانس برس إن الوثيقة “لا تؤسس لمرحلة سياسية جديدة” في البلاد.
وكان الأكراد الذين استبعدتهم السلطة من مؤتمرات ولجان شكلتها خلال الأسابيع الماضية، أول من سارع إلى رفض الإعلان الدستوري ونددوا الجمعة بـ”محاولة لإعادة إنتاج الدكتاتورية”. واعتبروا في بيان جديد السبت في ذكرى الاحتجاجات الشعبية أن الإعلان الدستوري “جاء مخيبا للآمال ولم يعكس بشكل كافٍ طموحات الشعب السوري في بناء دولة ديمقراطية عادلة”.
وأضاف البيان الصادر عن مجلس سوريا الديمقراطية، الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية، أن “تحقيق أهداف الثورة لا يقتصر على تغيير النظام فحسب، بل يتطلب العمل الجاد لبناء نظام جديد يعبر عن إرادة السوريين كافة”.