السوريون يحاولون توثيق أعمال الغرافيتي الشاهدة على قصة نضالهم

الغرافيتي بدأ كشكل من أشكال الاحتجاج وتطور ليصبح أداة توثيقية تروي تفاصيل الثورة السورية بكل تجلياتها.
الأربعاء 2025/03/19
مرآة للأحداث ووسيلة لحفظ ذاكرة الثورة

دمشق- عندما تتحول الجدران إلى صفحات من التاريخ، تصبح كل رسمة وشعار شاهديْن على قصة نضال وصمود، ومنذ اندلاع الثورة السورية في مارس عام 2011، لم تكن الجدران مجرد مساحات صامتة، بل أضحت منابر تصدح بصوت الشعب، تعكس آماله وآلامه، وتوثق أحداثه بفرشاة الفنانين وألوانهم.

الغرافيتي، الذي بدأ كشكل من أشكال الاحتجاج السلمي تطور ليصبح أداة توثيقية تروي تفاصيل الثورة السورية بكل تجلياتها، فمن العبارات الأولى التي خطّها أطفال درعا إلى الجداريات التي غطت أنقاض المدن المدمرة، مثّل الغرافيتي مرآة للأحداث، ووسيلة لحفظ ذاكرة الثورة، ومصدر إلهام للصمود.

هذا الفن الصادق، لم يبقَ محصورا في حدود الجغرافيا السورية، بل امتد ليعبّر عن قضايا إنسانية عالمية، في مشهد يعكس الترابط بين القضايا الإنسانية العادلة.

الغرافيتي في سوريا لم يكن مجرد رسومات على الجدران، بل كان شهادة حية على كفاح شعب في وجه الاستبداد، إنه فن يحكي قصصا تخلد ذكرى المفقودين

وتحولت الجدران في سوريا إلى لوحات ناطقة تروي حكاية الصراع والتحدي، حيث استخدم الناشطون السوريون الفن الجداري (الغرافيتي) ليس للاحتجاج فحسب، بل كوسيلة لتوثيق اللحظات الحاسمة التي شهدتها المدن السورية، فقد كانت أولى شرارات الثورة مكتوبة على جدار مدرسة في درعا، والتي باتت رمزا للثورة ضد نظام حكم قمعي استمر لأكثر من خمسين عاما.

تحوّل الغرافيتي إلى أداة قوية لإيصال رسائل سياسية واجتماعية، حيث عكست الجداريات تطلعات السوريين إلى الحرية والعدالة، وأصبحت وسيلة إعلامية موازية تروي ما لا يمكن للإعلام نقله، فنقلت معاناة المدنيين من القمع المتزايد، وعبّرت عن صمودهم في وجه العنف والقصف والتدمير. وإلى جانب العبارات المناهضة للنظام، صارت هنالك رسوم لضحايا ومعتقلين، ما جعلها شاهدة على مآسي الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان.

ومع استمرار القصف والدمار، تحوّلت مدينة إدلب إلى معرض فني مفتوح، حيث أبدع فنانو الغرافيتي في تحويل الأنقاض إلى لوحات تحمل رسائل إنسانية عميقة، واستخدم الفنانون الجدران المدمرة لرسم لوحات تعكس الأمل بالحرية، ما منح المباني المنهارة رمزية ورسالة للعالم عن صمود شعب وطغيان سلطة.

لم يقتصر الغرافيتي السوري على توثيق الأحداث السورية، بل امتد ليعبّر عن قضايا إنسانية عالمية، ما عكس وعي الفنانين السوريين وترابطهم مع الحراك العالمي، وظهرت جداريات تندد بحوادث مثل مقتل جورج فلويد، واختطاف الطفلة اليابانية ميغومي، فضلاً عن أعمال تعكس التضامن مع ضحايا الكوارث الطبيعية مثل زلزال المغرب، وفيضان درنة في ليبيا.. إلخ. كما وثق الغرافيتي معاناة أهل غزة تحت القصف، ويعكس التشابه في النضال ضد الظلم والقمع.

منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، ظهرت أسماء لفنانين وفرق تحدوا القمع عبر الرسم على الجدران، رغم المخاطر الكبيرة التي واجهوها، ومن بين هؤلاء: عزيز الأسمر الذي يعد أحد أشهر فناني الغرافيتي السوريين، ويستخدم الجدران المدمرة لنقل رسائل الثورة والحرية، تجاوزت لوحاته القضية السورية لتعبّر عن التضامن مع القضايا العالمية، مثل القضية الفلسطينية، وقضية جورج فلويد.

مع التدمير المستمر للبنية التحتية السورية، نشأت مبادرات تهدف إلى توثيق هذا الفن وحفظه من الاندثار، أحد أبرز هذه المشاريع هو "ذاكرة إبداعية للثورة السورية"

ونجد أيضا فريق حيطان سراقب وهو مجموعة من الفنانين والنشطاء في مدينة سراقب، وثّقوا من خلال الغرافيتي تطورات الثورة في المدينة، مستخدمين الجدران لتخليد ذكرى الشهداء والمعتقلين.

كما نذكر إياس قعدوني: من مواليد 1983، نشأ في مدينة سراقب، وانخرط في الثورة كفنان غرافيتي، شكّل مع الفنانين سومر كنجو ورائد رزّوق فريق “حيطان سراقب”، الذي وثّق أحداث الثورة على الجدران.

مع التدمير المستمر للبنية التحتية السورية، نشأت مبادرات تهدف إلى توثيق هذا الفن وحفظه من الاندثار، أحد أبرز هذه المشاريع هو “ذاكرة إبداعية للثورة السورية”، الذي يعمل على أرشفة الفنون البصرية المرتبطة بالثورة، بما في ذلك الغرافيتي، من خلال جمع وتوثيق الأعمال الفنية التي تعكس روح المقاومة.

إضافةً إلى ذلك، هناك مبادرات فردية مثل مشروع “حيطان إدلب”، الذي وثّق أكثر من 500 جدارية في المدينة، ومبادرات أخرى تحفظ هذا الفن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتبقى هذه الأعمال شاهدة على التاريخ.

الغرافيتي في سوريا لم يكن مجرد رسومات على الجدران، بل كان شهادة حية على كفاح شعب في وجه الاستبداد، إنه فن يحكي قصصا تخلد ذكرى المفقودين، وتنقل آمال الجيل الجديد، ورغم مرور الزمن ستبقى هذه الجداريات جزءا من الهوية السورية، ورسالة للأجيال بأن الحرية تُرسم على الجدران قبل أن تتحقق على أرض الواقع.

13