السوريون في مفترق حاسم لترميم التشوهات العميقة للاقتصاد

تتجه الأنظار إلى سوريا التي تواجه معضلة تفكيك المشاكل المزمنة للاقتصاد ووسط أزمة مالية خانقة، في أعقاب قرار الولايات المتحدة رفع العقوبات عنها، على أمل تحقيق اختراق ملموس قد يمنح الدولة فرصة لامتصاص صدمات عانت منها لعقود.
دمشق- يدخل السوريون في مفترق حاسم لترميم التشوهات العميقة لاقتصاد بلدهم المنهك مراهنين على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن دمشق، مما يفسح المجال لتنمية القطاعات المدمرة والحصول على التمويل بعد مشاكل طاحنة عانى منها البلد بسبب الحرب.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن قيمة الاقتصاد السوري تبلغ حوالي 21 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريبا ما لدى ألبانيا وأرمينيا، اللتين يقل عدد سكانهما عن سوريا بأكثر من 20 مليون نسمة.
وتُظهر البيانات السورية الرسمية أن حجم الاقتصاد انخفض إلى أكثر من النصف بين عامي 2010 و2022. ويرجح البنك الدولي أن حتى ذلك المعدل أقل من الأرقام الحقيقية وسط تقديرات تشير إلى انكماش أكثر حدة بنسبة 83 في المئة بين عامي 2010 و2024.
وأُعيد تصنيف سوريا دولة منخفضة الدخل في عام 2018، إذ يعيش أكثر من 90 في المئة من سكانها البالغ عددهم حوالي 25 مليون نسمة تحت خط الفقر، وفقا لوكالات الأمم المتحدة.
وتفاقمت الاضطرابات الاقتصادية في سوريا في عام 2019 عندما انزلق لبنان المجاور إلى أزمة، نظرا للعلاقات الاقتصادية والمالية الواسعة التي تربط البلدين، ثم طرحت دمشق أسعار صرف متعددة للمعاملات المختلفة لحماية العملة الصعبة الشحيحة.
وبعد تولي الحكومة الجديدة السلطة في ديسمبر الماضي، تعهد مصرف سوريا المركزي باعتماد سعر صرف رسمي موحد لليرة. واختيرت ميساء صابرين حاكما للمصرف المركزي لتكون بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخه الممتد لأكثر من 70 عاما.
وتؤكد دمشق أن ديونها تتراوح ما بين 20 و23 مليار دولار معظمها في شكل قروض ثنائية، إلا أنها قد تكون أعلى بكثير نظرا لأنها قد تواجه مطالبات من إيران وروسيا بمبلغ يتراوح بين 30 و50 مليار دولار.
ويقول محامون بارزون في مجال الديون السيادية إن تلك الالتزامات التي تعود إلى عهد نظام بشار الأسد يمكن شطبها لاعتبارها ديون حرب "بغيضة"، وهي ديون تحملتها البلاد دون موافقة الشعب أو إنفاقها لصالحه بسبب توجيه الكثير منها لتزويد الدولة بالأسلحة.
ويظهر تقرير صدر عن معهد بيترسون في الآونة الأخيرة أنه يجب تحديد الجهات الملزمة مثل الحكومة أو المصرف المركزي أو الشركات المملوكة للدولة أو المؤسسات التجارية إذ تحتاج الأنواع المختلفة من الديون إلى معاملة مختلفة عند إعادة الهيكلة.
وذكرت رويترز في وقت سابق أن المركزي يملك احتياطيات نقدية لا تتعدى نحو 200 مليون دولار، وهو انخفاض كبير عن مبلغ 18.5 مليار دولار قدر صندوق النقد الدولي أن سوريا كانت تملكه قبل اندلاع الحرب الأهلية. ولدى المصرف المركزي أيضا ما يقرب من 26 طنا من الذهب بقيمة تزيد عن 2.6 مليار دولار بأسعار السوق الحالية.
وتتوقع السلطات استرداد ما يصل إلى 400 مليون دولار من أصولها المجمدة للمساعدة في تمويل إصلاحات تشمل زيادات حادة في رواتب بعض موظفي القطاع العام أقرتها الدولة في الآونة الأخيرة. وجمدت الحكومات الغربية هذه الأصول خلال فترة حكم الأسد لكن لم تتضح بعد قيمتها الدقيقة وموقعها الآن ومدى سرعة استعادتها.
وتؤكد سويسرا أن ما قيمته حوالي 99 مليون فرنك سويسري (118 مليون دولار) موجود حاليا في بنوك هناك. ويقدر موقع تقرير سوريا أيضا أن ما قيمته 163 مليون جنيه إسترليني (217 مليون دولار) موجود في بريطانيا. وبحسب البنك الدولي، أدى تضاؤل إيرادات النفط والسياحة إلى انخفاض صادرات سوريا من 18.4 مليار دولار في عام 2010 إلى 1.8 مليار دولار في عام 2021.
200
مليون دولار احتياطي المركزي بعدما كان عند 18.5 مليار وفق تقديرات صندوق النقد الدولي
ويقول خبراء إن الضغوط المالية التي تعرضت لها الحكومة دفعتها إلى سداد بعض الواردات الرئيسية بأموال غير مشروعة من مبيعات المنشطات الشبيهة بالأمفيتامين المسببة للإدمان والمعروفة باسم “الكبتاغون،” أو من تهريب الوقود. وأصبح إنتاج الكبتاغون القطاع الاقتصادي الأكثر قيمة وقدر البنك الدولي العام الماضي القيمة الإجمالية للمخدر المنتج في سوريا بما يصل إلى 5.6 مليار دولار.
وفي عام 2010، صدّرت سوريا 380 ألف برميل يوميا من النفط. وانحسر مصدر الإيرادات هذا بعد اندلاع الحرب في عام 2011. واستولت جماعات مختلفة منها تنظيم داعش والمقاتلون الأكراد على حقول نفطية. ورغم توقيع جماعات الأكراد صفقات مع شركات أميركية، فإن العقوبات جعلت من الصعب تصدير النفط بشكل مشروع. وأجبرت تلك الخسائر سوريا على الاعتماد على واردات الطاقة ومعظمها من الحليفين روسيا وإيران.
وقالت راشيل زيمبا، كبيرة المستشارين في مجال العقوبات لدى شركة هورايزون إنجيج للاستشارات المعنية بالمخاطر، إن “وقودا يتراوح بين مليون و3 ملايين برميل كانت سوريا تحصل عليه من إيران شهريا توقف في أواخر ديسمبر مع انسحاب طهران.” وأدى الصراع والجفاف إلى انخفاض عدد المزارعين وتضرر الري وتضاءلت إمكانية الحصول على البذور والأسمدة.
وتراجع الإنتاج الزراعي إلى مستويات غير مسبوقة في عامي 2021 و2022 حين هبط إنتاج القمح وحده إلى ربع الكمية التي كانت تبلغ حوالي أربعة ملايين طن سنويا قبل الحرب. واستوردت سوريا نحو مليون طن من الحبوب سنويا من روسيا.
وتوقفت التدفقات مؤقتا عندما تغير النظام الحاكم لكنها استؤنفت الشهر الماضي. وأبدت أوكرانيا أيضا استعدادها لتوريد القمح دون وضوح الآلية التي ستسدد بها سوريا المدفوعات.