السود في كلاسيكيات السينما العالمية.. نظرة جديدة

"ذهب مع الريح" يذهب مع فلويد ويسحب من منصات العرض الأميركية.
الجمعة 2020/06/12
تمجيد للعنصرية

على خلفية الاحتجاجات المناهضة للعنصرية بعد مقتل المواطن الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد، تم منع فيلم “ذهب مع الريح” من العرض على منصة “إتش.بي.أو. ماكس” وسحبه بعد اتهامات وجهت إلى الفيلم بأنه يتضمن “أوصافا عنصرية”.

لندن – سحبت شبكة “إتش.بي.أو. ماكس” التلفزيونية فيلم “ذهب مع الريح” الملحمي الذي يصوّر الحرب الأهلية الأميركية والحاصل على ثماني جوائز أوسكار من خدمة البث الخاصة بها، فيما أُلغي برنامج “كوبس” (رجال الشرطة) لتلفزيون الواقع في وقت امتد فيه تعامل الولايات المتحدة مع العنصرية الممنهجة إلى ثقافتها الشعبية.

وبعد أقل من 24 ساعة، اعتلت مبيعات أقراص الفيديو الرقمية (دي.في.دي) لفيلم “ذهب مع الريح” قمة قائمة مبيعات شركة أمازون للعروض التلفزيونية والأفلام.

التدقيق في المحتوى

دفع الغضب والاحتجاجات في أعقاب مقتل الأميركي الأسود جورج فلويد أثناء احتجازه لدى الشرطة شركات الإعلام إلى التدقيق في برامجها. وقالت شركة وارنر ميديا التابعة لشركة “أي.تي.آند تي” والتي تدير شبكة “إتش.بي.أو. ماكس” إنها حذفت فيلم “ذهب مع الريح”.

وأقرّت الشركة بأن الفيلم مناسب للوقت الذي أُنتج فيه. لكنها أضافت أنه “يصوّر بعض المظالم العرقية والعنصرية التي كانت، للأسف، شائعة في المجتمع الأميركي”.

وقال متحدث باسم شبكة “إتش.بي.أو. ماكس”، “شعرنا أن إبقاء هذا العنوان دون تفسير أو تنديد بتلك الصور العنصرية سيكون أمرا غير مسؤول”.

وأضاف المتحدّث أن فيلم “ذهب مع الريح” الذي أُنتج عام 1939 سيُعرض من جديد على الشبكة مصحوبا “بمناقشة حول سياقه التاريخي” وتنديد بالصور العنصرية.

وحصل الفيلم الذي جرت أحداثه في مزرعة بجورجيا على ثماني جوائز للأكاديمية الأميركية لفنون السينما وعلومها المانحة لجوائز الأوسكار، من بينها جائزة أفضل فيلم، واعتُبر من العلامات في هوليوود بفوز هاتي مكدانييل التي لعبت دور خادمة سوداء بجائزة أفضل دور ثان لتصبح أول ممثلة سوداء تفوز بالأوسكار.

وحذفت بارامونت نتوورك، وهي قناة تلفزيونية للمشتركين مملوكة لشركة “فياكوم سي.بي.أس” برنامج “كوبس” من قائمة برامجها.

وبدأ عرض البرنامج عام 1989 على شبكة فوكس واعتبر من بواكير عروض تلفزيون الواقع حيث يتتبّع الحياة الحقيقية لرجال الشرطة أثناء العمل. لكن أصبح هدفا للانتقاد، لأنه يمجّد الشرطة دون أي تصوير لوحشيتها.

الشركة الباثة للفيلم أقرت أنه يصوّر بعض المظالم العرقية والعنصرية التي كانت شائعة، للأسف، في المجتمع الأميركي آنذاك

واشترى تلفزيون “سبايك تي.في”، الذي بات الآن شركة بارامونت، حقوق عرض البرنامج عام 2013. وأشادت جماعة “كالار فور تشينج” المدافعة عن الحقوق المدنية بقرار وقف عرض البرنامج.

فيما كتب السيناريست جون ريدلي في صحيفة “لوس أنجلس تايمز” أن “الفيلم يمجد الجنوب ما قبل الحرب، ويحتفي بصور نمطية للملونين”.

وأضاف كاتب السيناريو الحائز على الأوسكار “شارك في الفيلم أفضل المواهب في هوليوود في ذلك العصر، وتعاونوا على جذب التعاطف مع تاريخ عنيف”.

وتوفي جورج فلويد (46 عاما) في 25 مايو 2020 في مدينة منيابوليس، مينيسوتا في الولايات المتحدة، وذلك أثناء تثبيته على الأرض بُغية اعتقاله من قبل شرطة المدينة، حيث قام ضابط شرطة منيابوليس، الأبيض، ديريك تشوفين (41 عاما) بالضغط على عنق فلويد بركبته لمنعه من الحركة أثناء الاعتقال لما يقارب تسع دقائق.

وأثناء ذلك قيّد شرطيان آخران جورج فلويد بينما منع رابع المتفرجين من التدخل، وخلال دقائق بدأ فلويد بالصراخ وبشكل متكرّر “لا أستطيع التنفس”، كذلك صرخ بعض المارة طالبين من الشرطي التوقّف عن ذلك.

لكن خلال الدقائق الثلاث الأخيرة توقّفت حركة فلويد ووقف نبضه، ومع ذلك لم يُظهر ضباط الشرطة أي محاولة لإسعافه، بل على العكس، استمر تشوفين بالضغط على عنق فلويد بركبته حتى عندما حاول مسعفو الطوارئ الطبية إسعافه.

رأي مخالف

الفيلم فاز بثماني جوائز أوسكار
الفيلم فاز بثماني جوائز أوسكار

في المقابل، اعتبرت صحيفة “الأندبندنت” البريطانية أن “إزالة مواد الترفيه التي قد تحمل درجة من العنصرية من خدمات البث ليست أداة فعالة”.

وذكرت الصحيفة في تقرير لها أنه منذ وقت غير بعيد، عندما زار رئيس الوزراء البريطاني آنذاك غوردون براون البيت الأبيض، أهداه الرئيس الأميركي في حينها باراك أوباما مجموعة من كلاسيكيات السينما الأميركية، وكان من بينها فيلم “ذهب مع الريح”.

والآن أزالت منصة “إتش.بي.أو. ماكس” ذلك الفيلم الشهير استجابة لدعوات المطالبة بحذفه من خدمة البث. وقالت الشركة إن الفيلم الذي أنتج عام 1939 كان “عملا مناسبا لعصره” وصوّر “المشاكل العنصرية والعرقية التي كانت خاطئة آنذاك، ولا تزال خاطئة في عصرنا”.

واعتبرت الصحيفة أن استبعاد فيلم من خدمات البث المباشر، على الرغم من أنه أمر صحيح وصائب نظريا، لا يغيّر الكثير، “فنحن نعيش في مجتمع حر لا يوجد فيه منع أو مقص رقيب، بل إننا نعيش في عصر الإنترنت، حيث تكفي كتابة بعض كلمات في محرّك البحث للوصول لأي مادة ترفيهية أو فيلم نرغب في مشاهدته”.

وأضافت “إن تغيير العقلية وتغيير الفكر هو السبيل للحد من العنصرية، ولكن منع مواد بعينها قد لا يكون أمرا مجديا”.

وقال الناقد السينمائي العراقي طاهر علوان “لا شك أننا أمام تحوّل مهم في النظر إلى قضية السود وكيف كانت صورتهم عبر تاريخ السينما الأميركية”.

وهو يرى أنه وإلى حدّ قريب كان ذلك موضوعا هامشيا ولا يستدعي مراجعة تذكر، مع أن هناك تراكما يستحق التوقّف عنده وفهمه بشكل معمّق أسوة بالصورة التي ظهرت فيها عرقيات وقوميات أخرى.

ويضيف “يمكن هنا أن نتذكّر النداءات التي ظهرت خلال السنوات العشرة الماضية في صيغة احتجاجات على كون جوائز الأوسكار هي جوائز بيضاء في الغالب ولا يقترب منها السود، وهو موضوع شكّل ضغطا أخلاقيا غير مسبوق على الأكاديمية الأميركية التي تمنح الجائزة. ولهذا شاهدنا ممثلين وممثلات من السود نالوا جائزة الأوسكار مثل سيدني بواتييه ودينزل واشنطن وجيمي فوكس ودون تشيدل وفوريست ويتاكر وهال بيري.. وهؤلاء نالوا الجوائز عن أدوار رئيسية أدوها، وعددهم قليل مقارنة بأقرانهم البيض”.

وعن الوقفات الاستعادية على صعيد الأفلام، قال علوان “من النادر أن نجد تلك الوقفات التي تستجلي صورة السود في السينما الأميركية، صحيفة نيويورك تايمز فعلت ذلك مؤخرا في وقفة نادرة عند كلاسيكيات وبواكير السينما الهوليوودية من خلال ما يقرب من 28 فيلما ابتداءً من عشرينات القرن الماضي وصولا إلى أواخر التسعينات”.

ويضيف “بالطبع هنالك استمرارية إلى يومنا هذا في صورة السود على الشاشة، لكن الإشكالية تتعلق بالصورة النمطية التي تم تقديمها، والتي كانت تمر بلا كثير من التركيز على موقعها وأهميتها، بل إن تاريخ السينما الهوليوودية يقدّم غالبا السود في أدوار ثانوية حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من أسماء مكرّسة”.

وفيلم “ذهب مع الريح” أُنتِج في العام 1939 عن رواية مارغريت ميتشل بالعنوان ذاته. وهو من بطولة كلارك غيبل وفيفيان لي.

وفاز بثماني جوائز أوسكار، كما اختاره معهد الفيلم الأميركي ليكون الرابع في قائمة الأفلام المئة الأميركية الأفضل في القرن العشرين، وحتى عام 2006 أصبح الفيلم ثاني أعلى الأفلام إيرادا في تاريخ السينما الأميركية.

ولعقود استمرت الشائعات عن نية هوليوود إنتاج تتمة لفيلم “ذهب مع الريح” حتى عام 1994، عندما أنتجت التتمّة أخيرا للتلفزيون؛ مبنية على رواية ألكساندرا ريبلي سكارليت، وهي ذاتها تتمّة لرواية ميتشل الأصلية. وفي نسخة التلفزيون لعب ممثلون بريطانيون الدورين الرئيسيين: الممثل ويلزي المولد تيموثي دالتون لعب دور ريت، بينما لعبت الممثلة المولودة في مانشستر جوان والي دور سكارليت.

16