السودان يواجه ورطة تمويل إصلاح خراب قطاعي الكهرباء والنفط

يواجه المسؤولون السودانيون معضلة كبيرة تتعلق بإصلاح الخراب الذي لحق بشبكة الكهرباء وقطاع النفط، بسبب الحرب على مدار العامين الأخيرين، وسط شكوك في قدرة الدولة على القيام بأي خطوات ملموسة بالنظر إلى افتقارها للتمويل اللازم لتنفيذ ذلك.
بورتسودان (السودان)- أضيفت أزمة قطاع الكهرباء وصناعة النفط في السودان إلى أزمات أخرى متعددة الأبعاد تشهدها البلاد على الأصعدة المالية والاقتصادية والنقدية والبنى التحتية والخدمات.
وتشكل انقطاعات الكهرباء جراء دمار محطات التوليد وشلل إنتاج النفط، بما في ذلك فقدان الوقود هاجسا يؤرق المسؤولين، لاسيما وأن الحرب لا تزال تهيمن على المشهد العام في البلاد.
وترزح هذه القطاعات الحيوية لحياة أكثر من 51.3 مليون سوداني تحت مجموعة من العراقيل والتحديات والتي تتزامن مع استمرار الأوضاع السياسية والاقتصادية القاتمة التي تلقي بظلالها على البلاد منذ منتصف أبريل 2023.
وقال وزير الطاقة والنفط بالإنابة محمد عوض الخير إن “قطاع الكهرباء تضرر من الحرب، ويواجه تحديات إعادة الإعمار،” مشيرًا إلى أهمية الطاقة المتجددة ودورها في المساهمة في استقرار الإمدادات.
وأوضح خلال ورشة عن قطاع الكهرباء احتضنتها مدينة بورتسودان هذا الأسبوع، حسب ما أوردته وكالة الأنباء السودانية الرسمية، أن الطاقة المتجددة مثل ألواح الطاقة الشمسية، يمكن أن تشكل حلولا لمشكلة توفير احتياجات السكان وقطاع الأعمال المتضرر.
ولم يكشف الوزير عن حجم الدمار في القطاع، بعد مرور عامين على الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، ووقوع أكبر محطتين للتوليد الحراري في الخرطوم بحري ضمن دائرة الاشتباكات المسلحة.
وكان وزير الطاقة محيي الدين نعيم الذي أعفي مؤخرا قد أكد في تصريحات صحفية سابقة أن قطاعي الطاقة والنفط هما الأكثر تضررا بسبب الحرب القائمة. وقال إن “حجم خسائر قطاع النفط بلغ حوالي 20 مليار دولار.”
وتشير بعض التقديرات إلى أن خسائر قطاع الكهرباء جراء الحرب تتجاوز الملياري دولار بسبب تعرض الشبكة وأغلب محطات الإنتاج إلى التدمير.
ولا تملك الحكومة السيولة الكافية لإعادة إعمار هذين القطاعين، كما خطوط الائتمان من الخارج متوقفة وهو ما يزيد من محنة حل هذه المشاكل سريعا.
وتواجه الولايات (المحافظات) المرتبطة بالشبكة العامة والآمنة نسبيا أزمة حادة في الكهرباء، وتلجأ شركة التوزيع الحكومية إلى تقنين الإمدادات اليومية، والتي تمتد في الكثير من الأحيان إلى 12 ساعة يوميا.
ووفق إحصائيات حكومية فإن محطات توليد الطاقة كانت قادرة على إنتاج أربعة آلاف ميغاواط، بينما الطاقة الفعلية لا تتعدى 1820 ميغاواط.
ويبلغ متوسط استهلاك السودانيين للطاقة الكهربائية نحو 4500 ميغاواط، توفر كافة الاحتياجات المنزلية والصناعية في البلاد.
وتشمل تحديات قطاع الكهرباء عوامل عديدة، أبرزها عدم توفر وقود كاف للمحطات بسبب شح موارد النقد الأجنبي للبلاد، مع حاجة المحطات إلى قطع غيار وصيانة عجزت وزارة المالية عن الإيفاء بها خلال الفترة الماضية.
ويمتلك البلد 6 سدود بغرض توليد الكهرباء بالاستفادة من مياه النيل، وهي مروي والروصيرص وسنار وجبل أولياء وعطبرة وستيت، فيما يبلغ عدد محطات التوليد الحراري ثلاث محطات، وهي محطتا قري وبحري شمال البلاد ومحطة أم دباكر في الجنوب.
ومطلع هذا الشهر، أعلنت شركة النقل صعوبة معالجة الأضرار عن انقطاع الشبكة الشرقية عن شبكة سد مروي والعاصمة الخرطوم، ما أدى إلى حرمان الجزيرة والقضارف وكسلا من الإمداد الإضافي، وتعتمد فقط على التوليد من سد الروصيرص وخزان ستيت وأعالي نهر عطبرة.
20
مليار دولار حجم الخسائر لقطاعي النفط والكهرباء منذ اندلاع الحرب قبل عامين
وأحالت الحرب منذ أكثر من عامين البلاد إلى حالة من الأزمات في كل مناحي الحياة، إنسانيا واقتصاديا واجتماعيا، الأمر الذي يثير المخاوف من تعمق التداعيات إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق ينهي هذه المحنة.
وتركت هذه الأزمة أثارا مدمرة على الاقتصاد بشكل عام قد تمتد إلى سنوات مقبلة، خاصة وأنه ظل لسنوات يحاول أن يتعافى من عقبات مزمنة لازمته، وسط سعي الحكومات المتلاحقة لتحقيق استقرار اقتصادي من خلال استغلال الموارد الطبيعية.
إلا أن القتال المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تسبب في نكسة كبيرة لكل القطاعات الإنتاجية والصناعية والزراعية. ويقدر الخبراء أن الاقتصاد تكبد خسائر بأكثر من 100 مليار دولار مع إكمال سنة منذ اندلاع الأزمة.
وكغيرها من القطاعات، تعطلت صناعة النفط جراء المعارك الدائرة بين الطرفين في مناطق إنتاج النفط في ولايتي (محافظتي) غرب وجنوب وكردفان. وعانى قطاع النفط خلال السنوات الماضية من عدة عقبات، أبرزها ضعف الاستثمارات، والأوضاع الأمنية التي تحيط بمواقع الإنتاج، بحسب الخبراء.
وتراجع إنتاج السودان من النفط، بعد انفصال جنوب السودان في العام 2011، من نحو 450 ألف برميل يوميا إلى حوالي 60 ألف برميل يوميا، ما دفع البلد إلى استيراد أكثر من 60 في المئة من احتياجاته النفطية.
وإنتاج الوقود لم يكن بمنأى عن فوضى الحرب، حيث تواجه السلطات تحديا كبيرا الفترة المقبلة لترميم أحد أهم مصافي تكرير النفط بالبلاد بعدما تسببت الحرب المستمرة منذ عامين في خروجها بالكامل عن الخدمة.
وتوجد على مسافة نحو 70 كيلومترا شمال العاصمة الخرطوم منشأة جيلي التي تحتوي على خزانات نفط ضخمة تصل سعتها إلى 1.2 مليون برميل، لكنها أصبحت مغطاة بآثار حرائق ويعلوها الدمار.
ولدى السودان 4 منشآت للتكرير، فإلى جانب الجيلي، هناك مصافي بورتسودان وأبوجابرة والأبيض، وفق البيانات المنشورة على المنصة الإلكترونية لوزارة الطاقة والنفط. وانعكس انهيار قيمة العملة على مجمل الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وعلى معدل التضخم وارتفاع المستوى العام للأسعار، وكذلك في تآكل الاحتياطي النقدي.