السودان يلجأ إلى حل مثير للجدل لتمويل واردات السلع الإستراتيجية

تثير خطة سودانية لتمويل واردات السلع الإستراتيجية الجدل بين الأوساط الاقتصادية بالنظر إلى الظروف القاهرة في البلد جراء استمرار الحرب، التي تقوض الآمال بتخفيف معاناة الناس بسبب انعدام الأمن الغذائي وتدهور العملة والتضخم الجامح.
الخرطوم - لجأ السودان إلى رمي حبال النجاة من الأزمة الاقتصادية الراهنة في كافة الاتجاهات، فبعد العجز عن توفير الغذاء للسكان، اتجهت الحكومة إلى إنشاء محفظة لتمويل السلع لدورها في تخفيف الضغط عن سوق النقد الأجنبي.
وأقر المجلس السيادي بقيادة عبدالفتاح البرهان بعد تشاور موسع بين مختلف أجهزة الدولة التنفيذية إطلاق المحفظة بمبلغ مليار دولار بمشاركة بنك الخرطوم ومكونات القطاع الاقتصادي في البلاد.
وتباينت آراء الخبراء بشأن الخطوة، فبينما يرى البعض أنها موفقة وقد تساعد في تخفيف الضغط على العملة المحلية مع تغطية الطلب من المواد الأساسية، يعتقد آخرون أن المبلغ المخصص لا يكفي إذا لم تتم زيادته بالنظر إلى الشلل الذي ضرب الأعمال محليا.
ودرجت السلطات على استيراد السلع، من مشتقات نفطية وقمح ودواء وغيرها من السلع، بموارد السوق الموازية، وفق ما ذكره محافظ البنك المركزي برعي الصديق، لكنه أكد أن التحدي لا يزال قائما كون المحفظة لن توفر العملة الصعبة لكافة السلع.
ونسبت وكالة الأنباء السودانية الرسمية إلى برعي قوله إن “فكرة المحفظة ليست مستحدثة، لكنها آلية تعمل على الشفافية الكاملة، والتنسيق المستمر، وتكامل الأدوار مع المؤسسات والوزارات الأخرى خاصة وزارة الطاقة”.
وتم إنشاء المحفظة بهدف الحد من التدهور المستمر في سعر صرف الجنيه أمام الدولار، والسيطرة على التضخم من خلال توفير النقد الأجنبي لاستيراد السلع الإستراتيجية.
وقفز سعر الدولار من 560 جنيها عند بدء النزاع في شهر أبريل 2023 إلى أرقام قياسية الآن، حيث زادت قيمة العملة الأميركية بنسبة تفوق 491 في المئة خلال أكثر من عام.
وبحسب أول بيانات ينشرها الجهاز المركزي للإحصاء الاثنين، منذ اندلاع الحرب، فإن معدل التضخم في البلاد قفز إلى 136.67 في المئة في النصف الأول من عام 2024.
وكانت آخر مرة ينشر فيها الجهاز معدل التضخم في السوق المحلية في فبراير العام الماضي، حين كان المؤشر عند 63.3 في المئة.
ودفعت الحرب أكثر من 8.5 مليون شخص إلى النزوح عن ديارهم، ما أدى إلى أكبر أزمة نزوح في العالم. ويعتمد الكثير من السكان على المساعدات، ويعاني نحو خمسة ملايين شخص من الجوع الشديد.
ويحتاج أكثر من نصف سكان البلاد، المقدّر عددهم بنحو 48 مليون نسمة، إلى مساعدات إنسانية عاجلة للاستمرار في مواجهة أوضاعهم الصعبة، في وقت تتزايد فيه التحذيرات من المجاعة، وفي ظل النقص الحاد في المواد الأساسية.
كما يعيش السودانيون على وقع أزمة حادة في المشتقات النفطية، وقد تعطلت الحياة بشكل لافت خاصة في المناطق التي تشهد استقرارا نسبيا، بينما وصلت أسعار البنزين والديزل وغاز الطهي إلى أسعار فلكية خارج السوق الرسمية الشحيحة أصلا.
واعتبر الخبير المصرفي السوداني أبوبكر أحمد كرم الله أن الضرورة تقتضي تطبيق معايير الشفافية والرقابة والالتزام بالضوابط التي يضعها المركزي لعمل المحفظة.
وأشار إلى وجوب مشاركة “بعض البنوك في المحفظة بخطوط ائتمان بالخارج، وحسابات دوارة تستخدم في عمليات الصادر والوارد باعتبارها تسهيلات يمكن أن تكون جزءا من مساهمات تلك البنوك في المحفظة”.
كما شدد على ضرورة مراجعة أداء المحفظة بصورة منتظمة لتلافي السلبيات وتحسين الأداء و تدوير أموالها بكفاءة عالية حتى يمكن تصدير كمية كبيرة من الذهب وتوفير أكبر عائد من النقد الأجنبي، وبالتالي تغطية أكبر قدر ممكن من احتياجات الاستيراد.
ولا توجد معطيات حول العجز التجاري للنصف الأول من 2024، لكن وزير التجارة الفاتح عبدالله يوسف قال في مايو الماضي إن “العجز في الربع الأول لهذا العام بلغ 4.8 مليار دولار”.
وكان العجز التجاري في العام 2022 قد بلغ حوالي 6.7 مليار دولار، ليرتفع بنهاية العام الماضي إلى 7 مليارات دولار.وبالرغم من أن الخطوة قد تحسن قيمة الجنيه فإن كرم الله يشير إلى تحديات تواجه عمل المحفظة تتمثل في الظروف الاقتصادية بالغة السوء بسبب الحرب.
ويرى أن “مبلغ مليار دولار لا يفي بحاجة البلاد من الواردات والتي تتجاوز عشرة مليارات دولار، وكان هناك إنتاج محلي يخفف عن حجم الاستيراد وهو غير متوفر حاليا”.
وفقدت الخزينة العامة للدولة 80 في المئة من الإيرادات، كما تقلصت المساحات الزراعية بشكل غير مسبوق، وتوقفت أغلب المصانع عن الإنتاج وفقد عدد كبير من السودانيين مصادر دخلهم.
وانتقد الخبير الاقتصادي عبدالله الرمادي فكرة قيام “محفظة مليارية” في دولة تعاني من انعدام الاستقرار الأمني، ووصف القرار بأنه “غير مدروس”، وأن تأمين سلع بمبالغ ضخمة من الميناء إلى المناطق المستهدفة يحمّل الجيش أعباء إضافية.
وطالب الرمادي، الذي شغل في السابق منصب مدير المؤسسة السودانية للتنمية، الحكومة بالتركيز على بسط الأمن، وعدم تقديم “لقمة سائغة للمتفلتين”، لتفادي أزمة أعمق في الاقتصاد.
وعلى سبيل المثال تعرضت أكبر مصفاة في البلاد الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو للتدمير الكامل من قبل الجيش السوداني، الأمر الذي فاقم مشكلة توفير الوقود للناس الذين يمرون بأقسى ظروف معيشية منذ عقود.
ويعتقد الخبير المصرفي لؤي عبدالمنعم أن الإجراءات المتخذة مؤخرا من جانب السلطات المالية بغرض توسيع الاستيراد دون تحويل القيمة، ليشمل كافة السلع الإستراتيجية التي كان يتم استيرادها عن طريق الدفع المقدم، غير كافية لتحقيق الأهداف المرجوة رغم أهميتها.
ودعا إلى اتخاذ قرار حاسم بحظر استيراد السلع غير الضرورية وإعادة تنافسية الإنتاج المحلي، وإصدار منتج مصرفي لتعزيز السيولة النقدية وحشد الموارد لتمويل التنمية وإصلاح ما دمرته الحرب استنادا إلى إنتاج الذهب الذي يتمتع السودان فيه بميزة.
وأعلنت الشركة السودانية للموارد المعدنية الحكومية الأسبوع الماضي أن صادرات الذهب بلغت 748 مليون دولار، بعدما تجاوز الإنتاج في النصف الأول من العام الجاري 119 في المئة بمقارنة سنوية، ليبلغ 29 طنا.