السودان يكافح لترويض اقتصاد الظل وسط الحرب

تجمع أوساط اقتصادية على أن تضاعف التحديات الاقتصادية واستمرار الحرب والضبابية بشأن التوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة في السودان تغذي استنزاف القدرة على حماية الجنيه الذي بات في سقوط حر رغم محاولات تدارك الأمر بطباعة نقود جديدة قد لا تأتي بنتائج ملموسة.
بورتسودان (السودان) – شرع السودان هذا الأسبوع في مرحلة استخدام العملة الجديدة، التي تمت طباعتها مؤخرا بعد ضغوط من أوساط الخبراء بهدف ترويض اقتصاد الظل ومحاربة تزوير النقود الذي أفرزته الحرب المستمرة منذ أوائل العام الماضي.
ويؤكد المراقبون أن قرار استبدال الورقة النقدية القديمة يمثل مطلبا حتميا لتصحيح مسار الاقتصاد، فالسياسات المالية والنقدية تتطلب ظروفا سياسية ملائمة، رغم أن البعض يشكك في نجاحها لكونها قد تزيد التضخم، وبسبب توقف الكثير من فروع البنوك عن العمل.
واستلزمت العملية توافقا بين وزارة المالية والبنك المركزي، لتفادي التضارب الذي يفقد السياسات الأثر الفعال، بل ويقود إلى خيارات مردودها قاس على الاقتصاد والسودانيين على حد السواء.
وبدأت العملية في الولايات (المحافظات) الآمنة، وعددها سبع من بين 18 ولاية، باستثناء المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، التي تعتبر هذا الإجراء غير قانوني بالنظر إلى الوضع الذي تمر به البلاد.
90
في المئة من حجم الكتلة النقدية التي تقدر بـ900 تريليون جنيه خارج الإطار الرسمي
وشكّلت الحرب الدائرة منذ منتصف أبريل 2023 ضربة قاضية للاقتصاد السوداني، الذي كان أصلا مستنزفا بعد سنوات من الحروب والعزلة، مع استمرار إغلاق البنوك وتوقّف حركة الاستيراد والتصدير وانهيار قيمة الجنيه.
ويقدر أن حوالي 90 في المئة من حجم الكتلة النقدية والمقدرة بنحو 900 تريليون جنيه يجري تداولها خارج النظام المصرفي. وبالتوازي مع ذلك تدهور سعر صرف العملة السودانية بشكل كبير بعد اندلاع الحرب، حيث يبلغ سعر الدولار حاليا قرابة 2300 جنيه مقارنة مع 600 جنيه قبل الحرب.
وأدت الحرب إلى توقف 70 في المئة من فروع البنوك في مناطق القتال، بحسب تقرير أصدره المركزي مطلع هذا العام، والذي أشار فيه إلى أنه “تمّ نهب ممتلكات وأصول وموجودات البنوك.”
ووصف عدد من المواطنين في اليوم الأول لعملية تغيير العملة عبر فئتين من 500 وألف جنيه الثلاثاء الماضي، إجراءات الاستبدال بالسهلة والسلسة وأنها لا تستغرق زمنا طويلا.
واصطف المواطنون أمام المنافذ التي تم تحديدها مسبقا، بيد أن البنوك واصلت عملية فتح الحسابات تنفيذا للتوجيهات التي صدرت في وقت سابق من البنك المركزي حتى تتزامن مع عملية الاستبدال وتعمل على تسهيلها.
وفي الوقت الذي أصدر فيه المركزي تعميما للبنوك بخصوص تحديد سقف السحب النقدي قرر بموجبه إيقاف كافة استثناءات السحب النقدي الصادرة سابقا، لجميع الجهات والمؤسسات بمختلف أنواعها وتصنيفاتها.
وتهدف عملية استبدال العملة إلى مواجهة تحديات كبيرة تهدد الاقتصاد، ومن أبرز أهدافها مكافحة التزييف بعد أن تصاعدت محاولات تزوير العملة القديمة من قبل الميليشيات وأطراف غير رسمية.
ويقول صناع القرار النقدي إن من بين أهداف العملية تحصين الاقتصاد، حيث تسهم عملية استبدال العملة في تقليل تداول الأموال خارج النظام المصرفي.
وإلى جانب ذلك تعزيز الثقة بالنظام المصرفي عبر تشجيع المواطنين على فتح حسابات مصرفية والتعامل من خلالها، وأيضا مواجهة السوق الموازية لتقليص الأنشطة غير القانونية التي تعتمد على النقد خارج القنوات الرسمية للدولة.
واعتبر خبراء أن الخطوة عبر إحلال الفئات الجديدة تعد خطوة مهمة من شأنها معالجة الخلل المزمن في القطاع المصرفي، خاصة وأن فترة ما قبل الحرب شهدت تداولا للنقد خارج الإطار الرسمي.
وأكدوا أن وجود 10 في المئة من الكتلة النقدية للدولة ضمن النظام المالي الرسمي تسبب في إفراز معادلة مشوهة ساهمت في عدم الاستقرار الاقتصادي المطلوب.
أهداف استبدال الأوراق النقدية القديمة
- مواجهة السوق السوداء لتقليص الأنشطة غير القانونية
- تحصين الاقتصاد عبر تقليل تداول الأموال خارج النظام الرسمي
- التصدي للتزوير بعد أن تصاعدت عمليات تزييف النقود
- تعزيز الثقة بالنظام المصرفي عبر التشجيع على فتح حسابات بنكية
كما أشاروا إلى أن قرار استبدال العملة ضروري رغم الصعوبات في ظل الحرب وعدم الاستقرار، وهي خطوة للقضاء على الحد من السيولة المتاحة في أيدي المضاربين، بهدف استعادة التوازن الاقتصادي وإدخال الأموال إلى الدورة النقدية الصحيحة.
ويفترض أن تتم العملية برمتها مع مراعاة وضع آليات مصاحبة من أجل تخفيض عرض النقود في الاقتصاد ومكافحة التزوير، فالطريقة المثلى هي زيادة تفعيل الدفع والسداد الإلكتروني بخصوص شراء السلع والخدمات.
وفضلا عن ذلك المضي في ضع ضوابط لاستخدامات النقد الأجنبي، وحتمية تعزيز قضية الشمول المالي بالانتقال إلى تتبع حركة الجنيه السوداني إلكترونيا لكي يتم سحب الكتلة النقدية وإيداعها داخل النظام المصرفي.
ونسبت وكالة الأنباء السودانية الرسمية إلى مدير بنك أم درمان الوطني بمحلية شندي التابعة لولاية (محافظة) نهر النيل إبراهيم عبدالله قوله إنه يتم استلام “الكاش” المراد استبداله وإيداعه في حساب الشخص مباشرة.
وشدد على أهمية المشروع لجهة أن العملة طالها النهب، ما أدى إلى تخريب الاقتصاد، مبينا في تصريحات صحفية أهمية هذه الخطوة حتى يتم التحكم في سعر الصرف.
وتوقع أن يكون لبرنامج استبدال العملة مردود كبير يسهم في تعافي الاقتصاد المنهك بفعل الأزمة، بالإضافة الى تطوير وسائل الدفع الإلكتروني.
وقال عبدالله إنهم “يعولون كثيرا على وسائل الدفع الإلكتروني لأنها ستكون في المستقبل القريب بديلا عن العملات الورقية، التي تحفها مخاطر كبيرة منها السرقة والتزوير والتزييف.”
وتضررت الدولة بسبب تراجع الإيرادات العامة والخسائر الكبيرة التي طالت الناتج المحلي الإجمالي وتأثر جميع الأنشطة الاقتصادية.
وحتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع، عانى الاقتصاد من ركود عميق بسبب أزمة تعود إلى السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.
ويبدو أن السودانيين أمام موجة غلاء أخرى مع تعرض الجنيه للانهيار وخاصة أنه يؤثر على استخدامات الدولار الجمركي في عمليات الاستيراد التي أضحت شحيحة للغاية، ما خلف أزمة إنسانية طالت الملايين من الناس.
وتوقع صندوق النقد الدولي أن يسجل السودان أعلى معدلات التضخم بالمنطقة العربية في عام 2025 عند حوالي 119 في المئة، تليه مصر عند 21.2 في المئة.
وسبق أن ذكر وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم أن الاقتصاد انكمش بنسبة 40 في المئة العام الماضي بسبب النزاعات المسلحة في العديد من أماكن البلاد، ومن المتوقع أن يستمر الانكماش بنحو 28 في المئة في عام 2024.