السودان يفتتح مرحلة جديدة بصراع على المناصب

الخرطوم – يشهد السودان حراكا سياسيا لافتا لإعادة هيكلة مؤسسات الحكم الانتقالي والخروج بتشكيل جديد لمجلسي السيادة والحكومة، وتكوين المجلس التشريعي.
وعقد تحالف قوى الحرية والتغيير اجتماعا مهمّا مؤخرا للاتفاق على نسب تمثيل الكتل الرئيسية داخله في المجلس التشريعي، غير أن الخلافات التي طغت على الاجتماع وأسفرت عن انسحاب ممثلي لجان المقاومة برهنت على أن هناك صراعا محتدما على المناصب.
وقال المتحدث باسم المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، إبراهيم الشيخ، لـ”العرب”، إن الخلافات التي شهدها الاجتماع لم تكن حول نسب التمثيل، لكن لوجود أخطاء إجرائية في طريقة توجيه الدعوات لممثلي لجان المقاومة دفع البعض للانسحاب من الاجتماع، وعبروا عن رفضهم لمنهج الحوار والقنوات التي من المفترض أن يسير خلاله، وحدد المجلس المركزي موعدا لاحقا للاجتماع الأسبوع المقبل، لتجاوز المشكلات السابقة.
واتهمت لجان المقاومة الخميس قوى الحرية والتغيير بممارسة الألاعيب، وقالت إن دعوتها لمناقشة رؤيتها بشأن المجلس التشريعي جاءت بعد “ترتيبات داخلية بالمحاصصة وتقسيم نسب المقاعد، على غرار ما حدث بمجلسي السيادي والوزراء وتعيين الولاة”.
ويرى مراقبون أن المعضلة أمام المكون المدني على مختلف توجهاته السياسية ستكون في تحديد الوزن النسبي لكل طرف على الأرض، لأن هناك قوى تاريخية لن تتنازل بسهولة عن رغبتها في أن تكون مهيمنة داخل أروقة الحكم المقبلة.
وترى قوى ثورية صاعدة أنها الأكثر تأثيرا في الشارع وتملك إمكانيات تجعلها قادرة على التعبير عن طموحات المواطنين، ما يهدد بتفسخ جديد في جسم قوى الثورة المنقسمة على نفسها.
وانعكست قلة خبرات المكون المدني في السلطة على أدائها خلال الفترة الماضية، ما أحدث شرخا بينها وبين القواعد الشعبية في الشارع، ما قد يقود إلى واقع جديد تكون فيه الكلمة العليا لتيارات لم تكن حاضرة بشكل مباشر في الحكومة الحالية أو مجلس السيادة.
ويشير متابعون إلى أن لجان المقاومة وبعض الأحزاب المؤيدة للثورة، من غير المنخرطة في تحالف قوى الحرية والتغيير، سوف تكون هي الرابح السياسي.
وبحسب القيادي البارز بقوى الحرية والتغيير إبراهيم الشيخ، فإن القوى المدنية لن تستطيع تجاوز الآلية الخاصة بتشكيل البرلمان، والتي تعتمد على التوزيع الجغرافي. وتحصل الأحزاب الممثلة داخل الحكومة على 58 مقعدا، فيما يجري توزيع 107 مقاعد ضمن حصة التحالف على الولايات المحلية والقوى الفاعلة فيها، وفقا للكثافة السكانية لكل منطقة، ما يعني أن كل حزب داخل التكتلات السبعة الرئيسية للتحالف سيصبح ممثلا رمزيا بمقعد واحد فقط.
وانتهت قوى الحرية والتغيير، وهي الحاضنة السياسية للحكومة، من تشكيل 17 وفدا من أعضائها للتشاور مع ولايات الهامش بشأن مقاعد كل ولاية. جاء ذلك وسط توقعات ببروز خلافات أخرى بشأن نسبة تمثيل كل ولاية، ورغبة مكونات المجتمع المدني في الهامش أن يكون تمثيلها ضمن حصة الحرية والتغيير.
ويحتدم الصراع حول تشكيل المجلس التشريعي بنسبة الـ30 في المئة المخصصة للقوى الثورية غير المنضوية تحت لواء الحرية والتغيير، والتي تتم بالتوافق بين المكونين المدني والعسكري، وتلعب تلك الكتلة دورا حاسما في ترجيح كفة المجلس المقبل وميوله لصالح القوى المدنية أو المؤسسة العسكرية.
وهناك خلاف آخر حول إعادة تشكيل الحكومة وكيفية دمج الحركات المسلحة التي ستكون ممثلة بخمسة مقاعد، ما يؤدي إلى استحداث وزارات للحفاظ على المحاصصات التي حصلت عليها الأحزاب بمقتضى تشكيل حكومة عبدالله حمدوك.
ورشحت معلومات عن وجود مشاورات لإعادة هيكلة مجلس الوزراء بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية، وتركز المباحثات على أسماء الوزارات التي يتولاها قادة الحركات المسلحة وما إذا كانت خدمية أو سيادية.
وتتخوف أوساط سياسية من ارتفاع عدم التناغم بين مكونات الحكومة، في ظل إصرار بعض القوى على الاحتفاظ بنفوذها، على رأسها الحزب الشيوعي.
ويضاف إلى ذلك سعي الحركات المسلحة لتكون فاعلا كبيرا في اتخاذ القرار، وكلها عوامل تفقد الحكومة القدرة على التعامل مع الأزمات المتفاقمة وتشير إلى استمرار هشاشة الأوضاع الداخلية.
وأكد عضو تنسيقية لجان الخرطوم (شرق)، حسام حيدر، أن هناك توافقا داخل قوى الحرية والتغيير على تشكيل حكومة بكفاءات حزبية، خلافا لما جرى في السابق، بما يضمن قوة القرار السياسي وتفادي الأخطاء السابقة.
وأوضح لـ”العرب” أن الخلافات الحالية طبيعية، وأن كل طرف يسعى لضمان حقوقه في مستقبل إدارة المرحلة الانتقالية، والتباينات بين قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة تأتي في هذا الإطار.
وامتدت الخلافات إلى الجبهة الثورية في ظل تباينات حول توزيع المقاعد الثلاثة المخصصة لها في مجلس السيادة. وسيزداد الموقف صعوبة إذا وقعت السلطة اتفاق سلام نهائيا مع كل من الحركة الشعبية، جناح عبدالعزيز الحلو، وحركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور.