السودان يغوص بشكل متسارع في فوضى اقتصادية

الخرطوم - طالب خبراء ومصرفيون سودانيون، الحكومة بالإسراع إلى اللجوء لوسائل الدفع الإلكتروني في التعاملات التجارية والتوسع في الخدمات الحكومية الإلكترونية بهدف معالجة قضية تزوير العملات، وبالتالي الحد من تأثر تدهور قيمة الجنيه أكثر في سوق الصرف.
وتعد قضية التزوير، واحدة من أهم مصادر القلق لدى حكومات العالم، في العادة، خاصة بعد أن تطورت أساليب الاحتيال في الآونة الأخيرة. ولعل السودان من بين الدول المتضررة من هذه الظاهرة، التي ترعرعت بسبب غياب المراقبة على ما يبدو.
ولا يزال يترقب السودانيون جني ثمار رفع العقوبات الأميركية للدخول في عهد جديد، رغم تفاؤل الحكومة بأن الإصلاحات التي تقوم بها ستنعش الاقتصاد المنهك، ولكن الأمور تسير عكس ذلك، إذ تعبر نسب التضخم المرتفعة بوضوح عن ارتباك الحكومة.
تزايدت التحذيرات من تخبط الحكومة السودانية في إدارة الأزمة الاقتصادية، ولجوئها إلى المزيد من الإجراءات القاسية ضد المواطنين لا سميا مع بداية شهر رمضان، بينما تتجاهل وضع قواعد تشجع على الدفع الإلكتروني ومكافحة ظاهرة تزوير العملة التي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار قيمة الجنيه.
ونسبت وكالة الأنباء السودانية الرسمية للخبير الاقتصادي فتح الرحمن علي محمد صالح قوله إن “على البنك المركزي تغيير أساليب التداول النقدي في المعاملات التجارية والاهتمام بمراجعة علامات الأمان بالعملة والتأكد من مطابقتها لأحدث التقنيات المستخدمة عالميا”.
وأكد مصرفيون تنامي ظاهرة تزوير العملة بالبلاد، وهو ما قد يزيد من متاعب الناس. وقالوا إن ذلك يهدد الاقتصاد المحلي، الذي يبحث عن بؤرة ضوء في نهاية نفق الأزمة المزمنة، التي أجبرت الحكومة على خفض الإنفاق في موازنة العام الجاري.
واعتبر خبراء أسواق المال أنه إذا استمر الوضع بهذه الطريقة وتفاقمت الظاهرة أكثر، فإن ذلك يعتبر مؤشرا خطيرا يستدعي التدخل وإجراء معالجات من الجهات المختصة.
وأوضح صالح، وهو مدير المحافظ والصناديق الاستثمارية ببنك الاستثمار المالي بالسودان، أن جريمة تزوير العملة تؤدي لفقدان الثقة في العملة المحلية لدى المتعاملين، كما أن فقدان الثقة في العملة المحلية يزيد بدوره من الطلب على العملات الأجنبية، وبالتالي يساهم في تدهور قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية مثل الدولار واليورو.
وأكد أن هذه الظاهرة قد تزيد من الكتلة النقدية بطريقة غير مبررة، وبالتالي ترتفع معدلات التضخم، مما يؤدي إلى إجهاض السياسات الاقتصادية المرسومة من قبل الدولة في الجانب النقدي والمالي والتي تكون مبنية على تقديرات محددة.
وأظهرت بيانات حديثة للجهاز المركزي للإحصاء في السودان أن معدل التضخم في البلاد ارتفع إلى 57.65 بالمئة على أساس سنوي في أبريل الماضي، من 55.6 بالمئة في الشهر السابق، وسط زيادات في أسعار الغذاء واستمرار نقص في الوقود.
وتفاقمت أزمة شح الوقود في البلاد بعد أسابيع قليلة من ظهور بوادر تذبذب في الإمدادات، ما ولّد حالة من عدم اليقين بين المواطنين، وسط محاولات الحكومة لاستيراد شحنات لتغطية الفجوة رغم شح السيولة من العملة الصعبة.
وواصلت الأسعار الصعود مع هبوط قيمة الجنيه مجددا في السوق السوداء، رغم إجراءات الحكومة للسيطرة على الإنفاق وتقييد السيولة.
وفي الأشهر القليلة الماضية، أظهر الجنيه علامات على التعافي بعد خفض قيمته مرتين بشكل حاد في يناير الماضي، وهو ما أضعف سعر الصرف الرسمي للعملة إلى نحو 31.5 جنيه مقابل الدولار، من 6.7 جنيه في ديسمبر الماضي.
ورغم ذلك، فإنه مع سعي الحكومة إلى تعزيز سعر الصرف، وتضييق تدريجي لنطاق تداول العملة في البنوك، لكن التجار في السوق السوداء دفعوا قيمة الجنيه للمزيد من الانخفاض.
ويجري تداول العملة الآن عند حوالي 29.3 جنيه في المتوسط مقابل الدولار في البنوك، لكن تجارا يقولون إنهم باعوا الدولار مقابل حوالي 37 جنيها.
وأقرت الحكومة مطلع فبراير الماضي، قرارا بامتصاص السيولة لتحجيم الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي، يتم توظيفها في المشروعات الإنتاجية.
وشملت الإجراءات، تحديد سقوف لسحب الودائع المصرفية بالمصارف التجارية وتجفيف الصرافات الآلية.
وتستهدف الحكومة خفض التضخم ليصل إلى 19.5 بالمئة بنهاية العام الجاري، من 34.1 بالمئة في نهاية العام الماضي، وغالبا ما تنفي أنها تخطط لتعويم عملتها.
وحُرم السودان إلى حد كبير من الاستفادة من مصادر التمويل الدولية في السنوات العشر الماضية، بسبب عقوبات أميركية تم رفعها في أكتوبر الماضي.
ومنذ ذلك الحين، يحاول المسؤولون اجتذاب مستثمرين إلى البلد، الذي يواجه صعوبات منذ أن انفصل الجنوب في 2011، آخذا معه ثلاثة أرباع إنتاج النفط، المصدر الرئيسي للعملة الصعبة وإيرادات الحكومة.
وقال نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الاستثمار مبارك الفاضل المهدي خلال مجلس وزاري عقد الأربعاء الماضي، إن “المناطق الحرة لها أهمية في دعم الاقتصاد القومي”.
وتخطط الخرطوم لتنفيذ مشروعي منطقة النيلين الحرة ومنطقة البحر الأحمر الاقتصادية، بالإضافة إلى مشروعات ولاية البحر الأحمر، بحسب ما كشف عنه مؤخرا الأمين العام للمجلس القومي للمناطق والأسواق الحرة، إبراهيم موسى.