السودان يغامر بطباعة النقود لإنقاذ النظام المصرفي

أفرز اتجاه السلطات السودانية بقرارها طباعة النقود في محاولة لإنقاذ النظام المصرفي المتداعي بفعل الحرب، خليطا من المواقف، فرغم أن الخطوة قد تساعد في إصلاح الوضع قليلا، لكن شقا من الخبراء والمواطنين يرونها غير محسوبة، وستأتي بنتائج عكسية.
بورتسودان (السودان) - سعى المسؤولون في السودان إلى الدفاع عن جدوى استبدال فئات من العملات النقدية، والتي يعتقدون أنه إجراء مهم من أجل إنقاذ النظام المصرفي الذي تضرر جراء الحرب.
ويثير اللجوء إلى طباعة النقود استياء بعض الأوساط الاقتصادية والشعبية، والتي ترى أنه مسار محفوف بالمخاطر وسيعمق جراح الاقتصاد المشلول أساسا، ويعكس فشل السياسات في معالجة الأزمات المتراكمة بشكل جذري، رغم أن البعض يرى عكس ذلك.
وبينما أكد البعض أن القرارات حجبت الملايين من السكان عن النظام المالي، اعتبر وزير المالية جبريل إبراهيم أن اتجاه الحكومة لإصدار أوراق نقدية بشكل جديد وإلزام الناس بفتح حسابات بنكية عزز الودائع المصرفية وكذلك جهود مواصلة الحرب التي يبذلها الجيش.
وتسبب الصراع المستمر الذي يقترب من دخول عامه الثالث بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع شبه العسكرية التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي) في دمار الاقتصاد، إذ فقدت العملة ثلاثة أرباع قيمتها ويواجه نصف السكان شبح الجوع.
ويؤكد المسؤولون أن قرار استبدال الورقة النقدية القديمة يمثل مطلبا حتميا لتصحيح مسار الاقتصاد، فالسياسات المالية والنقدية تتطلب ظروفا سياسية ملائمة، رغم أن البعض يشكك في نجاحها لكونها قد تزيد التضخم، وبسبب توقف الكثير من فروع البنوك عن العمل.
وبغض النظر عن دعم النظام المالي، تهدف عملية استبدال العملة إلى مواجهة تحديات كبيرة تهدد الاقتصاد، ومن أبرز أهدافها مكافحة التزييف بعد أن تصاعدت محاولات تزوير العملة القديمة في الأشهر الماضية.
ويقول صناع القرار النقدي إن من بين أهداف العملية تحصين الاقتصاد، الذي انكمش في العام الماضي وفق تقديرات البنك الدولي، بنحو 15.1 في المئة، حيث تسهم عملية استبدال العملة في تقليل تداول الأموال خارج النظام المصرفي.
واستلزمت العملية توافقا بين وزارة المالية والبنك المركزي، لتفادي التضارب الذي يفقد السياسات الأثر الفعال، بل ويقود إلى خيارات مردودها قاس على الاقتصاد والسودانيين على حد السواء.
وشملت العملية في الولايات (المحافظات)، وعددها 7 من بين 18، وهي نهر النيل الشمالية والبحر الأحمر والقضارف وكسلا والنيل الأزرق وسنار والنيل الأبيض، باستثناء المناطق الخاضعة للدعم السريع، التي ترى الإجراء غير قانوني بالنظر إلى ما تمر به البلاد.
وعلى عكس عمليات تبادل العملات السابقة، فمن أجل الحصول على الأوراق النقدية الجديدة من فئة 500 جنيه (0.20 دولار) وألف جنيه (0.50 دولار) أصبح على الناس إيداع أموالهم القديمة في أحد البنوك على أن يسمح لهم بعدها بسحب مبالغ محددة يوميا فقط.
وساهمت هذه العملية من الناحية الفنية في جلب الأموال من مجتمع لا يتعامل مع البنوك إلى حد كبير إلى داخل النظام المصرفي.
وقال إبراهيم في مقابلة أجرتها معه وكالة رويترز هذا الأسبوع إن “المبادرة التي أطلقت في ديسمبر 2024 بهدف واضح يتمثل في جعل الأموال التي نهبتها قوات الدعم السريع بلا قيمة، ناجحة”، لكنه لم يذكر قيمة الودائع التي دخلت النظام المصرفي.
وأضاف “فعلا النظام المصرفي استفاد من تبديل العملة، وبالتالي البنوك صار عندها مخزون كبير من الودائع التي ستعينها في النهاية في صناعة المال وتمويل المشاريع.”
وتابع “بالتأكيد هذا سيساعد النظام المصرفي وعندما يحصل ذلك، فإنه يساعد الدولة في تمويل مشاريع سواء كان في المجهود الحربي أو غير الحربي ومشاريع إنتاجية.”
ومنذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023، تكافح الحكومة المتحالفة مع الجيش لدفع الرواتب، وتمويل السلع الأساسية مثل الأدوية والمواد الغذائية.
ورغم الأزمة التي أثرت على أكثر من 48 مليون سوداني، إلا أن البلاد أنتجت 64 طنا من الذهب العام الماضي، وصدرت رسميا حوالي نصفها، مما يعني أن نسبة الذهب المنهوب في المناطق التي يسيطر عليها الجيش قد انخفضت، وفق وزير المالية.
وذكر مصدر في البنك المركزي السوداني لرويترز، لم تذكر هويته، أن الأوراق النقدية الجديدة طبعت في روسيا، وهي واحدة من عدة قوى أجنبية تدخلت على الجانبين.
ويؤكد منتقدون أن القرار تسبب في إقصاء الملايين من السكان، الذين لا يزالون في حوالي نصف البلاد الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع، عن القطاع المالي وجعل مدخراتهم عديمة الفائدة، مما يؤدي فعليا إلى تقسيم البلاد.
◙ المتعاملون في المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع يستخدمون الأوراق النقدية القديمة والدولار الأميركي والريال التشادي
وتقول قوات الدعم السريع إن هذه الخطوة غير قانونية ودفعت بها كأحد أسباب تشكيل حكومة موازية في الأراضي التي تسيطر عليها. ويشير سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع إلى أنهم يستخدمون الأوراق النقدية القديمة، فضلا عن التحويلات الإلكترونية والدولار الأميركي، بل ويستخدمون الريال التشادي في بعض الأماكن.
ولكن حتى في مدينة بورتسودان، التي باتت عاصمة الجيش في زمن الحرب، اعترض بعض المتعاملين والمستهلكين على الأوراق النقدية الجديدة.
وذكر تجار أن هذه العملية أضعفت المبيعات لأن الكثيرين لا يزالون يفتقرون للأوراق الرسمية اللازمة لفتح حساب مصرفي، بينما لا يمتلك كثيرون هواتف ذكية لتنفيذ عمليات التحويل النقدي عبر الإنترنت.
وكمثال على ذلك، أكد بائع السمك علي منيب لرويترز أن كل رأس ماله سيكون مودعا في البنك وعندما يحتاج إلى نقود في المستقبل فلن يستطيع الحصول عليها وقد يقضي يوما كاملا للحصول على 50 ألف جنيه (20 دولارا) أو 100 ألف جنيه (40 دولارا).
ويعاني السودانيون من معدل تضخم مرتفع اقترب من 200 في المئة، بينما تشير التقديرات إلى أن حوالي 90 في المئة من حجم الكتلة النقدية والمقدرة بنحو 900 تريليون جنيه يجري تداولها خارج النظام المصرفي.
وبالتوازي مع ذلك، تدهور سعر صرف العملة بشكل كبير بعد اندلاع الحرب، حيث يبلغ سعر الدولار حاليا قرابة 2300 جنيه مقارنة مع 600 جنيه قبل الحرب.
وتسبب استمرار الحرب في توقف قرابة 70 في المئة من فروع البنوك في مناطق القتال، بحسب تقرير أصدره المركزي مطلع العام الماضي، والذي أشار فيه إلى أنه “تمّ نهب ممتلكات وأصول وموجودات البنوك.”