السودان بعيدا عن الانقلابات العسكرية

البرهان يتعهد بسد الطريق أمام العصف بالتحول الديمقراطي في البلاد.
الاثنين 2021/08/16
الجيش حريص على الانتقال الديمقراطي

رسالة رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان تهدف إلى التأكيد على أن الأوضاع السياسية في البلاد مستقرة ولا توجد تهديدات داخلية وخارجية تجعل القوات المسلحة تخل بالتزاماتها المعلنة تجاه مسار الانتقال الديمقراطي وأن ليس لديها نوايا لتغيير هذا المسار.

الخرطوم - أغلق رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان الباب على بعض التلميحات التي ذهبت إلى عدم استبعاد حدوث انقلاب عسكري جديد في البلاد في ظل استمرار الأزمات التي تلاحق الفترة الانتقالية وتذبذب العلاقة بين العسكريين والمدنيين في السلطة وعدم القدرة على ضبط توازناتها.

وأكد البرهان القائد العام للقوات المسلحة في السودان أن الجيش سوف يسد الطريق أمام الانقلاب على خيارات الشعب مجدداً، وأنه حريص على حماية التغيير والوصول إلى بر الأمان بالانتقال الديمقراطي وبناء وطن يسع الجميع.

وقال السبت في ختام الاحتفال بعيد الجيش السوداني الـ67 بحضور قادة القوات المسلحة والسفراء المعتمدين في الخرطوم إن “أعداء السودان حاولوا النيل من وحدة القوات المسلحة ولن يفلحوا في ذلك، فالجيش على قلب رجل واحد ولن تنفصل عروته”.

ويشير هذا التصريح إلى زهد الفريق البرهان ورفاقه في السلطة وامتناعهم عن الاستحواذ عليها بانقلاب عسكري، في محاولة لتأكيد الشراكة مع الحكومة المدنية التي ثمن رئيسها عبدالله حمدوك علاقتها بالجيش وكأن كل طرف أصبح يعلم حدود المساحة التي يتحرك فيها من دون الجور على الآخر، وهي معادلة جاءت كثمرة لحوارات عديدة بين الجانبين بعد أن كاد سوء التفاهم يؤدي إلى مصير مجهول.

تماضر الطيب: رسالة البرهان تعد التزاما سياسيا وليست تطمينا للقوى السودانية
تماضر الطيب: رسالة البرهان تعد التزاما سياسيا وليست تطمينا للقوى السودانية

وذكرت مصادر سودانية لـ”العرب” أن رسالة البرهان “الإيجابية للغاية” في هذا التوقيت غرضها التشديد على أن الأوضاع السياسية مستقرة ولا توجد تهديدات داخلية أو خارجية تجعل القوات المسلحة تخل بالتزاماتها المعلنة، وليس لديها نوايا قاتمة لتغيير المسار الراهن عبر الأدوات العسكرية.

وأضافت المصادر أن القائد العام للقوات المسلحة أراد نفي ما يتردد حول “طمعه” في السلطة من خلال تمديد الفترة الانتقالية، لكنه قد يلجأ إلى تهيئة الأجواء لصعوده إلى السلطة عبر إجراء انتخابات عامة يشارك فيها منافسون من تيارات مختلفة يمكن أن تكون حظوظه جيدة فيها إذا تجاوز تحديات المرحلة الحالية.

وجاء تأكيد البرهان بعد أيام قليلة من إشارة مماثلة وجهها نائبه محمد حمدان دقلو قال فيها “إن العسكريين لن يسمحوا بالانقلاب على السلطة وتقويض عمل الحكومة الانتقالية (…) ويريدون تحولاً ديمقراطياً حقيقياً عبر انتخابات حرّة ونزيهة، تخضع لرقابة تجنّبها الغش الذي حصل سابقاً”.

وتوحي الإشارات المتتابعة في هذا السياق بأن القادة العسكريين يسعون إلى تقويض الحملات التي تشكك في تعاونهم مع المكون المدني أو تظهرهم بأنهم مولعون بالسلطة.

ويرجع حديث حميدتي ثم البرهان إلى أن الاتهامات تتصاعد كلما شعر المواطنون بأن الجيش يتجاوز صلاحياته في الوثيقة الدستورية، ودائما ما تكون هناك إحالات على أن ذلك يمثل رغبة في تغيير دفة الانتقال الديمقراطي لصالح ما كان عليه الوضع سابقًا بوجوه جديدة ما يجعل الجيش مضطرا للدفاع عن مؤسسته.

ويعلم قادة الجيش في السودان تصاعد حدة الرفض للانقلابات العسكرية في المنطقة، وأن التغيرات التي صاحبت الثورة على نظام عمر البشير لن تمنح فرصة لأحد للتفكير في هذا الخيار وسيتم التعامل معه على أنه ثورة مضادة على الثورة الشعبية.

Thumbnail

وأوضحت أستاذة العلوم السياسية بجامعة الخرطوم تماضر الطيب أن رسالة البرهان تعد “التزاما سياسيا وليست تطمينا للقوى السودانية وهذه أول مرة يتحدث فيها الرجل بوضوح وبشكل محدد يؤكد فيه أن هناك ضرورة للانتقال الديمقراطي الحقيقي”.

وأشارت الطيب لـ”العرب” إلى أن القوات المسلحة تحاول المشاركة في الحكم للحفاظ على النواحي الأمنية المعقدة في البلاد، ولم يعد الجيش راغبا في أن يقحم نفسه في السلطة، لأن قيادته الحالية على يقين بأن كل فترات الحكم العسكري انتهت بثورات ومحاكمات وإعدامات.

ويحكم السودان من خلال تحالف بين عسكريين ومدنيين تم تدشينه بموجب وثيقة دستورية أعدت بعد سقوط البشير لفترة تمتد 39 شهراً بدأت في الحادي والعشرين من أغسطس 2020، ويتناوب الجانبان على رئاسة مجلس السيادة.

ومنذ سقوط نظام البشير في أبريل 2019 وتدخل الاتحاد الأفريقي للوساطة بين العسكريين والمدنيين جرى تحديد فترة محددة للمجلس الانتقالي، وتم الاتفاق على أنه إذا ظهرت بوادر لاستيلاء العسكر على السلطة في البلاد سيقوم الاتحاد بتجميد عضوية السودان، ما يعزز فرص الحكومة المدنية.

نورالدين صلاح الدين: هناك شركاء جدد في السلطة الانتقالية أسقطوا خيار الانقلاب
نورالدين صلاح الدين: هناك شركاء جدد في السلطة الانتقالية أسقطوا خيار الانقلاب

ويرفض الشعب السوداني إعادة حكمه مرة أخرى بواسطة الجيش والقبول بالشراكة مع المؤسسة العسكرية مرهون بالفترة الانتقالية فقط، بعدها تتسلم السلطة حكومة مدنية منتخبة من الشعب، وهو ما توافق عليه المجتمع الدولي الذي يولي السودان اهتماما لافتا بتطوراته، ويعمل على ضمان التحول الديمقراطي بسلاسة.

كما أن اللجنة الفنية الأممية التي تشكلت في السودان عقب انتهاء مهمة بعثة حفظ السلام في دارفور (يوناميد) أوائل العام الجاري من مهامها حماية الفترة الانتقالية من أي انحراف وتوفير الدعم اللازم للحكم المدني ومنع أي انقلاب عسكري في البلاد.

وأقرت الولايات المتحدة قانونا باسم “التحول الديمقراطي” قبيل نهاية فترة حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يوفر دعما مختلفا للسودان لعبور المرحلة الانتقالية والوصول إلى سلطة مدنية مستقرة، ويقطع الطريق على التفكير في الانقلاب على العملية السياسية الجارية حتى تحقيق غاياتها.

ويصعب الوضع الهيكلي الحالي للمؤسسات العسكرية في السودان حدوث انقلاب، فهناك قوات الجيش بجانب الدعم السريع وجهاز المخابرات الوطني وقوات الحركات المسلحة، وجميعها مؤسسات تمتلك السلاح ولديها قوة نفوذ على الأرض، بعكس الأوضاع في أعوام 1989 و1969 و1958، إذ كانت قوات الجيش الوحيدة على الأرض مع قوات الشرطة المدنية.

وقال القيادي بقوى الحرية والتغيير نورالدين صلاح الدين لـ”العرب” إن هناك شركاء جددا في السلطة الانتقالية أسقطوا خيار الانقلاب، لأن الحركات المسلحة لديها قوى منتشرة في مدن ومناطق مختلفة بما فيها الخرطوم.

وأشار إلى أن استبعاد وقوع انقلاب يرجع إلى وجود حاضنة شعبية تدحض أي تحركات هنا أو هناك، ومرارة التجربة التي خاضها الشعب أثناء عهد البشير تجعله يرفض تكرارها.

2