السودان بانتظار نهاية الدوران في لعبة الإخوان

الانقلابات هي العنصر الرئيسي في اللعبة وبحسب الإرث الباطني الذي تركه الراحل حسن الترابي فإن الانقلاب على انقلاب لأجل تنفيذ انقلاب ثالث أو حتى رابع هو مجرد حلقة في سلسلة مترابطة.
الجمعة 2023/05/12
الوقت لا يهم بشيء بالنسبة إلى الجيش السوداني

عبدالفتاح البرهان، قائد جيش عمر حسن البشير غير الخفي، يقترب من نهاية مشروعه الإخواني. ولكن ما لم يبدأ مشروع وطني – ديمقراطي، فإن البرهان قد يذهب، ليحل محله برهان آخر.

المشروع الإخواني كان قائما على تبطين انقلاب بانقلاب لأجل تنفيذ انقلاب، تحت ستار انقلاب آخر. يبدو الأمر وكأنه لعبة معقدة. ولكن الناظر إلى مسلسل الأحداث في السودان، يستطيع أن يفكك الانقلابات ليرى كيف أنها حلقات في سلسلة واحدة، يقودها الجيش.

يجب أن يكون المرء على دراية بالطبيعة التآمرية المتأصلة للمشروع الإخواني في السودان. الانقلابات هي العنصر الرئيسي في اللعبة. وبحسب الإرث الباطني الذي تركه زعيم التيار الإخواني في السودان الراحل حسن الترابي، فان الانقلاب على انقلاب لأجل تنفيذ انقلاب ثالث أو حتى رابع، هو مجرد حلقة في سلسلة مترابطة، يجمع في ما بينها الولاء للجيش كمؤسسة تدابير تنفيذية، والولاء للمشروع الإخواني.

◙ المعركة الراهنة تبدو وكأنها معركة بين قائدين عسكريين. ولكنها ليست كذلك. إنها معركة مشروع إخواني مستعد للقتال حتى النفس الأخير ضد القوات التي دبرت الانقلاب الأول

في إطار هذين الولاءين، فإن المرونة هي العنوان الرئيسي للعبة. قادة الجيش الذين يديرون اللعبة يمكنهم أن يزعموا أي شيء. بل ويمكنهم أن يناهض أحدهم الآخر، لأجل أن يكسب كل واحد منهم طرفا من الأطراف المدنية، التي غالبا ما تظهر، في داخل اللعبة، كأداة ضرورية وهامشية في آن معا.

الكل يستطيع أن يرى الآن، كم أن هذه الأطراف مشلولة. كم أنها عاجزة حتى عن اتخاذ موقف يصب في صالحها هي. لا تسمع لها مطالب. ولا هي تفرض على المتقاتلين شروطا. رغم أنها في أوقات السلم، وتحت مظلة العساكر، تتنازع المطالب وتتقدم بالشروط، وتسعى إلى ضمانات، تعرف أنها ضرورية لتوفير الغطاء. وتعرف أنها في حاجة دائمة إلى الحماية. ولكنها هامشية في النهاية، لأن السلطة منذ استقلال البلاد ليست سلطتها فعلا. إنها سلطة العساكر.

هذا الواقع تعرفه قيادات الجيش. وهو ما يؤهلها أن تلعب لعبتها بكل ما تحتاجه من مرونة الزعم والادّعاء. تستطيع قيادة الجيش أن تعلن إقامة نظام شيوعي، لو أنها وجدت ذلك أمرا قابلا للتحمل محليا وإقليميا. كما تستطيع أن تعلن إقامة نظام مطابق للنظام الأميركي. ولكن في الحالتين، بأيدي الأشخاص أنفسهم، الذين يدينون بالولاء للمشروع الإخواني.

عندما أسقطت التظاهرات سلطة عمر حسن البشير، بانتقال “قوات الدعم السريع” إلى صف المتظاهرين، حصل أن قيادة الجيش هي التي تقدمت لتولي زمام السلطة. كان ذلك أول “انقلاب على الانقلاب” الذي اعتبرت قيادة الجيش أن محمد حمدان دقلو (حميدتي) اتخذ قرارا فرديا به، من دون مراجعة قيادة الجيش، وذلك لاعتبارات تتعلق بموقفه الشخصي من “الإسلام السياسي”.

هذا “الانقلاب على الانقلاب” لم ينجح، فانقلب البرهان على القيادة العسكرية التي تولاها وزير الدفاع عوض بن عوف، أحد أبرز جنرالات البشير، إنما ليخدم المشروع نفسه.

◙ الدمار الراهن الذي يعانيه السودان يجب أن يكون الحلقة الأخيرة في سلسلة الخراب التي ظل الجيش السوداني الحلقة الأكبر فيها

وعندما انقلب البرهان على الحكومة المدنية بقيادة عبدالله حمدوك، كان يفترض بالأمر أن يكون هو المنعطف نحو عودة المشروع الإخواني إلى السلطة. إلا أن الاحتجاجات التي استؤنفت من جديد، والرفض الإقليمي والدولي لإقالة الحكومة المدنية، أجبرت البرهان على الانقلاب على نفسه بقبول إعادة السلطة إلى المدنيين، ولكنه اشترط دمج قوات الدعم السريع، تمهيدا لحلها، ليبقى الجيش بمثابة “صانع الملوك” بين الأطراف المدنية، ولو تحت ستار العودة إلى الثكنات.

هدفه من ذلك، هو أن يضمن الجيش استمرار سلطته من خلف الستار، وإعادة ترتيب الأثاث السياسي لمنزل السلطة، تمهيدا لانقلاب يتم تنفيذه في مرحلة لاحقة.

الوقت لا يهم بشيء بالنسبة إلى الجيش السوداني. سنة، سنتان، عشر، لا يهم. المشروع الإخواني قائم برمته على الصبر. الإخوان في مصر صبروا 80 سنة. وعادوا ليصبروا من جديد. وبين انقلاب وآخر، صبر الإخوان في السودان نحو ربع قرن، قبل أن يتولوا السلطة بعد أن نصبوا عليها ضابطا من ضباط المشروع. ويمكنهم أن يصبروا على سلطة مدنية تتنازع في ما بينها، كما ظلت تفعل منذ الاستقلال حتى اليوم. والبلد شاسع. وعالم السياسة فيه شاسع الاختلافات أيضا. وإذ لا تتوفر معايير دستورية لتداول السلطة يمكن احترامها، كما لا تتوفر لها تقاليد راسخة، فإن عودة الجيش إلى السلطة هي مسألة وقت لا أكثر.

الحرب الدائرة الآن في السودان يجب أن تضع حدا لهذه اللعبة. توقف الدوران العبثي بين انقلاب وانقلاب. جيش المشروع الإخواني يجب أن يُهزم لكي يمكن ضمان توقف الانقلابات وتوقف المخادعات التي يمارسها انقلابيون ضد شيء وآخر.

◙ قادة الجيش الذين يديرون اللعبة يمكنهم أن يزعموا أي شيء. بل ويمكنهم أن يناهض أحدهم الآخر، لأجل أن يكسب كل واحد منهم طرفا من الأطراف المدنية، التي غالبا ما تظهر، في داخل اللعبة

لا تستغرب أبدا أن يتم تنفيذ انقلاب صوري، لكي تتم الإطاحة به في انقلاب آخر. البرهان فعل ذلك بنفسه في سبتمبر 2021. دبر انقلابا صوريا، و.. “أحبطه” ليظهر كبطل. ولم تجر محاكمة الانقلابيين أو معاقبتهم، لأنهم في الأصل من أحجار الدومينو التي يلعب بها هو نفسه.

المعركة الراهنة تبدو وكأنها معركة بين قائدين عسكريين. ولكنها ليست كذلك. إنها معركة مشروع إخواني مستعد للقتال حتى النفس الأخير ضد القوات التي دبرت الانقلاب الأول من دون أن تأخذ قيادة الجيش بالاعتبار، ولا رضخت لتدابير غرفها المظلمة.

انشقاق “قوات الدعم السريع” عن تراتبية قيادة الجيش، هو الحجر الثقيل على صدر هذه القيادة.

ما هو أهم وأكثر ضرورة من ذلك، هو أن تؤدي “قوات الدعم السريع” دورها الراهن، لتنسحب في النهاية. هي نفسها يجب أن تتحول إلى قوة عسكرية، لا تتدخل في شؤون السلطة المدنية، ولا تقيم روابط بأحزاب، وأن تخضع لقيادة قائد عام مدني للقوات المسلحة.

الدمار الراهن الذي يعانيه السودان يجب أن يكون الحلقة الأخيرة في سلسلة الخراب التي ظل الجيش السوداني الحلقة الأكبر فيها.

9