السوداني يقود ائتلاف إدارة كركوك حتى تعيين محافظ لها

بغداد - اتفق رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع القوى السياسية في محافظة كركوك المتنازع على إدارتها بين حكومتي بغداد وأربيل على تشكيل ائتلاف إدارة موحد يضم القوى الفائزة في الانتخابات الأخيرة، وهو ما يمهد لتشكيل الحكومة المحلية، فيما يبقى الائتلاف تحت رئاسة السوداني حتى حسم الملف.
ورعى السوداني مساء الأربعاء اجتماعاً مع ممثلي القوى السياسية الفائزة بانتخابات مجلس المحافظة، تحت رؤية مبادرة وطنية لتشكيل الحكومة المحلية فيها، وفق الاستحقاق الذي أفرزته نتائج الانتخابات، للاتفاق على برنامج خدمي اقتصادي يتوافق مع البرنامج الحكومي الذي تعمل به الحكومة المركزية.
وأشار السوداني - بحسب بيان نشرته وكالة الانباء العراقية (واع) - إلى أن "كركوك تتمتع بوضع خاص، يمثل هاجساً لجميع القوى الوطنية العاملة على دعم التماسك الاجتماعي والأخوة والاستقرار فيها، مثلما تتطلب من الجميع بذل الجهود الخالصة للنهوض بالخدمات والأوضاع الاقتصادية بالمحافظة، بما يليق بمكوّناتها".
وأضاف أن "استحقاق الانتخابات المحلية في كركوك المعطّل منذ عام 2005 قد أنجز، وبجهود وتكاتف الجميع، وقد شهد مشاركة واسعة مقارنة بباقي المحافظات، وهي محطة تعتز بها الحكومة كالتزام ضمن برنامجها"، وقال إن "المجتمعين خرجوا باتفاق مبادئ؛ من أجل المضي بتشكيل الحكومة المحلية في المحافظة العراقية.
وأوضح البيان أن "الاتفاق أشار إلى أهمية محافظة كركوك، بوصفها عراقاً مصغراً، بحيث تُراعى مصالح أبناء كركوك، والحفاظ على العيش المشترك، وتعزيز أواصر الأخوة والتعاون بين أبنائها، وأن يكون الدستور المظلة التي يحتمي بها الجميع، وأن يكون منهج الشراكة والتوافق وعدم الإقصاء أساساً للعمل المشترك في محافظة كركوك".
كما اتفق المجتمعون على "التوافق لتشكيل ائتلاف إدارة كركوك من كل القوى الفائزة في مجلس المحافظة، ويكون المظلة السياسية لها، وأن يترأس رئيس مجلس الوزراء العراقي جلسات الائتلاف لحين تنفيذ الاستحقاقات الدستورية في تشكيل الحكومة المحلية، والاتفاق على البرنامج وآليته والنظام الداخلي للائتلاف، وإعداد (برنامج الإدارة المحلّية في كركوك)، يتبناه التحالف المزمع تشكيله، وتلتزم به القوى المؤتلفة، وتتبنى الإدارة الجديدة في المحافظة تنفيذه وفق آليات وتوقيتات واضحة وعملية".
وأشار البيان إلى الاتفاق على "تقدم القوى السياسية العراقية المشارِكة في الاجتماع أوراق عمل خلال سبعة أيام، تضمن فيها رؤيتها بإعداد برنامج متكامل لمحافظة كركوك والآليات المناسبة لتشكيل الحكومة المحلية فيها".
وانتقد الكاتب والباحث السياسي العراقي مصطفى سالم مبادرة السوداني وقال عبر حسابه على منصة إكس "أظهر ائتلاف إدارة كركوك كل الصبيانية السياسية، عندما وافق على أن يقود رئيس الوزراء الائتلاف، أي الإطار المليشياوي".
وأضاف "وبسبب الحكومة التي تعمل لصالح إيران وأطراف العملية السياسية الفاسدة، فإن ملف كركوك أصبح في أيدي الدول الإقليمية والدولية".
وجاء تدخّل السوداني بعد فشل الحكومة المحلية الجديدة في المحافظة مرات عدة بعقد الجلسة الأولى للمجلس، بسبب عدم حسم القوى ملف المناصب الرئيسة في المحافظة، خاصة منصب المحافظ الذي تتمسك به المكونات الرئيسة الثلاث ذات التركيبة السكانية المعقدة.
وكان التقارب في عدد المقاعد التي حصلت عليها المكونات في المجلس الجديد هو الذي عَقّد إمكانية التوافق على موقف واحد، إذ لا تمتلك أي منها الأغلبية التي تؤهله للفوز بمنصب المحافظ.
وتحصّل المكوّن الكردي على سبعة مقاعد خمسة منها لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني ومقعدان للحزب الديمقراطي الكردستاني، وستّة مقاعد للقوائم العربية ومقعد واحد (الكوتا) للمكون المسيحي ممثلا بحركة بابليون، بينما لم يحصل التركمان في الانتخابات الأخيرة سوى على مقعدين من المقاعد الستة عشر المشكّلة لمجلس محافظة كركوك.
وأجرت القوى السياسية حوارات واتصالات في محاولة للتوصل إلى رؤية مشتركة، إلا أن تلك الاجتماعات وغيرها لم تفض إلى أي نتائج تذكر.
وعقب إعلان السوداني عن ائتلاف كركوك، حذر مسؤول منظمة بدر فرع الشمال محمد مهدي البياتي، اليوم الخميس، من ما وصفها بـ"النكسة" خلال المرحلة المقبلة في محافظتي كركوك وصلاح الدين.
وقال البياتي في بيان إن "قيادات الشيعة في كركوك وصلاح الدين، لا تمتلك أدنى استراتيجية عن إدارة الملف"، مشيراً إلى أن "تضحيات الشيعة في كافة المراحل وخاصة بعد زوال الدكتاتورية لا تقاس مع تضحيات المحافظات الأخرى وحجمها".
وأضاف البياتي، أن "على أبناء وقيادات هذه المحافظات أن يدركوا خطورة المرحلة المقبلة وعدم الانصياع بالمصالح الحزبية الضيقة لهذه الكيانات، وإلا فإن مرحلة سوداوية تنتظركم".
وتابع قائلا "القوم نفس القوم الذين هدموا قراكم وذبحوا ابنائكم، ولا يُلدغ المرء من جحر مرتين" وفق تعبيره.
وأكد عضو الكتلة العربية رعد صالح، في تصريح لشبكة رووداو الإعلامية الكردية، مساء الأربعاء، أن الحكومة المحلية في كركوك ستكون "توافقية برضا الجميع"، مبيناً أن "هناك اتفاقاً لإرضاء جميع الأطراف في كركوك".
وذكرت الشبكة أن الأسبوع المقبل ستعقد الجلسة الأولى لمجلس المحافظة بحضور أعضاء جميع الكتل نتيجة التقارب بين الأطراف في كركوك.
وأشاد رئيس الجبهة التركمانية في كركوك حسن توران على مبادرة السوداني وقال عبر حسابه على منصة "إكس"، إنّ "تشكيل ائتلاف إدارة كركوك برعاية السوداني خطوة في الاتجاه الصحيح لحفظ المكتسبات الوطنية وتعزيز التعايش والشراكة والحوار بين مكوناتها، وهذا ما طرحناه في المبادرة التركمانية"، مؤكداً أن أبناء كركوك "سيكونون على قدر المسؤولية التاريخية لتشكيل حكومة محلية تلبي تطلعات أبناء المحافظة".
ويأتي ذلك في وقت أنجزت فيه معظم محافظات العراق، عدا ديالى، استحقاق تسمية حكوماتها المحلية، وفق المحاصصة الطائفية والحزبية، حيث استحوذت القوى المتنفذة على المناصب الرئيسة، مثل رئيس مجلس المحافظة والمحافظ.
وشهدت كركوك أعلى نسب مشاركة على مستوى العراق في انتخابات مجالس المحافظات، التي جرت في 18 يناير الماضي، بلغت 69 في المائة.
ولم تشهد كركوك عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003 سوى انتخابات محلية واحدة في 2005، كانت مثار جدل بين مكونات المحافظة التي يسكنها خليط من العرب والتركمان والأكراد إضافة إلى أقلية مسيحية.
وتعد كركوك ثاني أغنى مدن العراق نفطيا، بعد البصرة، المتنازع على إدارتها بين بغداد وأربيل ضمن ما عُرف بعد الغزو الأميركي للعراق بالمادة 140 من الدستور الذي تم إقراره عام 2005، التي تنص على إجراء استفتاء لسكانها، وتخييرهم بين البقاء مع بغداد أو الانضمام إلى إقليم كردستان العراق. وتشهد المحافظة تشددا أمنيا منذ أسابيع خوفا من أي ارتدادات قد تسفر عن اختيار المحافظ.
وتبعد كركوك 298 كيلومترا إلى الشمال من بغداد، ويبلغ عدد سكان المحافظة قرابة 1.6 مليون نسمة، وفق آخر الإحصاءات الرسمية، وتضم مزيجا سكانيا من مختلف المكونات العراقية، ومن بينها الأقليات.
وتتسم كركوك بخصوصية من بين المحافظات العراقية، فضلا عن أنها تضم 6 حقول نفطية عملاقة تقدر احتياطاتها بنحو 13 مليار برميل.
وفيما سيطرت القوات الكردية البشمركة منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003 على مركز مدينة كركوك، إلا أن علميات فرض القانون -التي شنتها حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي في أكتوبر 2017 بعد الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان عن العراق- حولت السيطرة الأمنية في المحافظة لقوات الجيش العراقي مع انسحاب قوات البشمركة من مركز المدينة.