السوداني يعد بتشريعات لحماية المدونين وسط ملاحقتهم من كل جانب

بغداد - قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إنه وجه الحكومة إلى وضع تشريعات لحماية المدونين على مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية، في وقت يواجه فيه المدونون والناشطون العراقيون مخاطر وتهديدات متعددة سواء عبر الملاحقات القانونية أو من قبل الفصائل المسلحة والسياسيين المتنفذين خارج إطار القانون.
وقال في كلمة له خلال لقائه السبت صنّاع المحتوى المشاركين في مؤتمر “طريق الطوفان” للمدوّنين، الذي استضافته العاصمة بغداد مؤخراً، إنه قد سبق للمدونين أنْ أسهموا في كشف جرائم داعش، إذ إنّ محاولات إخفاء الحقيقة ستستمر، بموازاة القتل والاستهداف.
وأشار إلى توجه الحكومة إلى وضع تشريعات لحماية المدونين وإسناد عملهم في إطار القانون ودعم المصداقية.
وأكد أنّ “بغداد ترحب دائماً بكل ما يجمع المواقف الداعمة للاستقرار، والأنشطة الإعلامية التي تقدم الحقيقة وتكشف الزيف الإعلامي الذي أسهم في تمرير العدوان”.
وفي حين أن رئيس الوزراء يتناول جانبا واحدا من التهديدات التي تواجه المدونين وتتعلق بالملاحقات القانونية إلا أنه يتجاهل أن التشريعات القانونية وحدها غير كفيلة بحماية المدونين والناشطين.
منظمات معنية بحرية التعبير تؤكد استمرار الاعتقالات ضد المدونين لمنع مساهمتهم في تشكيل الرأي العام
وتتحدّث منظمات معنيّة بحقوق الإنسان وحرية التعبير عن أن الحكومة العراقية صعّدت حدة الاعتقالات الموجّهة ضد الناشطين المعارضين لها والمدونين لمنع مساهمتهم في تشكيل رأي عام يؤسّس لاحتجاجات شعبية كالتي حدثت في أكتوبر 2019، والتي أدت إلى سحب الثقة بالحكومة الاتحادية وإلغاء مجالس الحكومات المحلّية في المحافظات.
كما يتّهم ممثلو بعض تلك المنظمات جماعات مسلّحة مرتبطة بقيادات حزبية بارزة باغتيال معارضين للسلطة من المدونين والسياسيين أو اعتقالهم وإخفائهم قسراً أو تهديدهم وإجبارهم على الرحيل عن البلاد أو التزام الصمت، مشيرين بشكل متكرر إلى اغتيال الكاتب والمحلل السياسي هاشم الهاشمي، من دون أن تصدر إلى اليوم أحكام بحق مرتكبي الجريمة.
كما تعتبر حادثة الصحافي والناشط المدني ياسر الجبوري مثالا بارزا؛ ففي فبراير 2024 اعتقلت قوة تابعة لجهاز المخابرات الجبوري في مطار بغداد الدولي، حين كان في طريقه ليستقل الطائرة متوجهاً إلى إيرلندا حيث يقيم مع عائلته. والجبوري عراقي الأصل يحمل الجنسية الإيرلندية، عُرف بآرائه المنتقدة للأوضاع السياسية القائمة في العراق.
وعلى الرغم من التزام الجهات الرسميّة الصمت إزاء عملية الاعتقال أشار ناشطون إلى أنها “تمت من دون أوامر قضائية كما يقتضي القانون”، ونوهوا إلى أن التهمة الموجّهة الى الجبوري تتمثل في “ارتباطه بشبكة ابتزاز كبيرة”، من دون تحديد الجهة المشتكية، وطالبوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بالتدخّل لإطلاق سراحه.
وذكرت عائلته في بيان لها أنه منع من مقابلة أي فرد من أفراد عائلته أو أصدقائه في موقفه بمركز الشرطة، وأنه “أحيل إلى محكمة الأمن الوطني، إلا أن القاضي هناك طلب تحويله الى محكمة النشر باعتبار أن قضيته جنحة تتعلق بقانون النشر، والتي يمكن تكفيل المتهم بها وإخراجه بكفالة. لكن ما حدث وفاجأ الجميع هو أنه تم تمديد مدة التوقيف إلى يوم الخميس 29 فبراير، وهو اليوم الذي حُدِّد لمحاكمته”، حسب ما جاء في البيان.
السوداني يتناول جانبا واحدا من التهديدات التي تواجه المدونين وتتعلق بالملاحقات القانونية، متجاهلا أن التشريعات القانونية وحدها غير كفيلة بحماية المدونين
لكن بدلاً من محاكمته أصدر السوداني توجيهاً بالتنازل عن جميع القضايا المرفوعة ضد الجبوري، في انعطافة مفاجئة فسّرها مطلعون بأنها أتت لتجنب مواجهة دبلوماسية بين إيرلندا التي يحمل الجبوري عراقي الأصل جنسيتها، والعراق، لاسيما بعد تدخّل وزير الخارجية الإيرلندي مايكل مارتن، وتكثيف جهود سفارة البلاد في عمان لإجراء اتصالات مكثفة مع بغداد، والتي يبدو أنها أفضت في النهاية إلى تراجع السلطات العراقية عن متابعة الإجراءات القضائية ضد الجبوري وإدانته.
وفسّر آخرون تنازل السوداني عن الدعوى بأنه نتيجة حملات الدفاع الواسعة عن الجبوري والتذكير بالحق في حرية التعبير، ووجوب قبول المسؤولين الانتقادات التي توجّه إليهم، وخطورة العودة إلى ممارسات الاعتقال والترهيب التي انتهجها نظام حزب البعث وأدت إلى تدمير البلاد.
وتبدو وعود السوداني التي أطلقها السبت مناقضة لما يجري فعلا إذ أن نوابا في البرلمان يعملون على كتم أصوات المنتقدين عند كل فرصة، فما إن مضت على اعتقال الجبوري -بسبب رأي عبّر عنه- ساعات قليلة حتى أعلنت الدائرة الإعلامية لمجلس النواب في بيان صدر عنها يوم الثلاثاء 27 فبراير 2024 عن توجيه رئيس المجلس بالنيابة محسن المندلاوي الدائرةَ القانونية برفع دعاوى قضائية “ضد أي مؤسسة أو فرد يسيء إلى البرلمان ونوابه”. وهو ما دفع تحالف الدفاع عن حرية التعبير في العراق إلى إصدار بيان استنكارٍ يصف توجيه المندلاوي بأنه “غاية في الخطورة لأنه استخدم مفردة ‘يسيء’ وهي فضفاضة مطاطية، ستُستخدم بالضد من كل شخص ينتقد أو يعبر عن رأي لا يعجب المتنفذين”.
وعدّ البيان توجيه المجلس خرقا دستوريا وصفه بـ”الكبير” للمادة 38 من الدستور العراقي النافذ لسنة 2005، “وإشارة واضحة إلى وجود محاولات ممنهجة لتقويض حرية التعبير عن الرأي”. وأكد أن “التهديدات وحملات التشهير التي تقوم بها قِوى سياسية بالضد من أصحاب الرأي والصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، لا يمكن اعتبارها إلا محاولات تُهدد أسس الديمقراطية في عراق ما بعد الدكتاتورية”.
ودعا البيان الحكومة العراقية إلى “منع أية اعتقالات تعسفية من دون أوامر قضائية، وإطلاع الرأي العام على التهم الموجّهة إلى صُناع الرأي والمدوّنين والصحافيين”.