السوداني يحمل على عاتقه تقريب الهوة بين أربيل والسليمانية

أربيل (العراق)- تنتظر سلطات إقليم كردستان العراق أن تتلقى دفعة لجهود تشكيل حكومة جديدة للإقليم خلال الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني الذي يبدو أكثر اهتماما باستقرار الإقليم من قوى شيعية مشاركة في حكومته.
وتدفع الصعوبات التي تلوح في طريق تشكيل حكومة الإقليم بسبب الخلافات العميقة بين الحزبين الرئيسيين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، نحو الاستعانة بالحكومة الاتّحادية التي تمتلك العديد من الأوراق السياسية والاقتصادية والمالية المؤثرة في أوضاع الإقليم ويمكن استخدامها في تعديل مواقف فرقائه.
ويجد السوداني المهتمّ بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعراق والحفاظ على استقراره، نفسه أكثر توافقا في هذا المجال مع الحزب الديمقراطي بقيادة مسعود بارزني والذي يتّبع خطّا سياسيا معتدلا ونجح في نسج علاقات تعاون واسعة مع تركيا المجاورة تشمل المجال الأمني المتمثّل في مواجهة حزب العمال الكردستاني والحدّ من نشاطه المسلّح من داخل الأراضي العراقية والموجّه ضدّ الدولة التركية من داخل الأراضي العراقية.
ويرغب رئيس الوزراء العراقي بنفس القدر في الحفاظ على العلاقات مع تركيا والعمل على تنميتها وتطويرها لما تنطوي عليه من مصالح حيوية للعراق في مجال التعاون الاقتصادي وإيجاد حلول لمشكلة المياه الشائكة.
وأصبح مشروع طريق التنمية الذي توافق العراق على إنشائه مع كلّ من تركيا والإمارات وقطر ليربط مياه الخليج بالأراضي التركية عبر الأراضي العراقية بمثابة العمود الفقري للسياسة التنموية لحكومة السوداني.
وتمرّ استدامة العلاقات مع تركيا وإنجاح المشاريع المشتركة معها حتما عبر استقرار إقليم كردستان أمنيا واقتصاديا واجتماعيا، وكلّها عوامل مرتبطة باستقراره السياسي الذي لا يحتمل أي فراغ في السلطة ويتطلب الإسراع بتشكيل حكومة للإقليم في أقرب الآجال الممكنة.
ولا تخلو علاقة الحكومة الاتّحادية مع سلطات إقليم كردستان العراق من مفارقة تتمثّل في أنّ جهات نافذة في حكومة السوداني لا تتوافق معه في منظوره للإقليم وتشكّل توجهاتها عامل تهديد لاستقراره.
ويتعلّق الأمر بعدد من الأحزاب والفصائل الشيعية المسلّحة الموالية لإيران والمتحالفة مع الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يظهر تشدّدا بشأن عملية تشكيل الحكومة الجديدة بالرفع من سقف مطالبه واشتراطاته ليتحوّل بذلك إلى عامل تعطيل لجهود غريمه الحزب الديمقراطي الفائز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الإقليم للتعجيل بتشكيل تلك الحكومة.
وجدّد الاتحاد الوطني التلويح بالتوجه نحو انسداد سياسي سيشهده الإقليم جرّاء تأخر تشكيل حكومته. وقال القيادي في الحزب أحمد الهركي في تصريحات لوسائل إعلام محلية إنّ “هناك “أسبابا عديدة لتأخر المفاوضات في تشكيل الكابينة العاشرة”، معتبرا أنّ “عملية تشكيل الحكومة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار بعض ما يدور في المنطقة والضرورات على المستوى الكردستاني والعراقي والإقليمي”.
وتوقع الباحث في الشأن السياسي علي إبراهيم أن يكون للدول الإقليمية تأثير كبير على مسار تشكيل حكومة كردستان المقبلة لأسباب عديدة.
◄ الخط السياسي المعتدل للحزب الديمقراطي الكردستاني متوافق مع اهتمام السوداني بالاستقرار وتنشيط التنمية
وقال في تصريحات سابقة لوسائل إعلام محلية إن الأسباب تتعلق بالأمن القومي لتلك الدول ومصالحها الاقتصادية، مضيفا أن تركيا على سبيل المثال تسعى لضمان ألا تشكل الحكومة في الإقليم تهديدا لأمنها، خاصة في ما يتعلق بالحركات الكردية مثل حزب العمال الكردستاني، ولذلك تفضل أن يكون الحزب الديمقراطي الكردستاني ذو النفوذ الأكبر قائدا للحكومة لأنه أقل تعارضا مع سياساتها، بينما تنظر بعين الريبة إلى الاتحاد الوطني الكردستاني.
وتظهر من هنا دقّة مهمّة السوداني في تقريب الهوّة بين الحزبين الكبيرين في كردستان العراق، وهو ما سيعمل عليه خلال زيارته المرتقبة للإقليم والتي ينتظر أن تشمل كلا من أربيل معقل الحزب الديمقراطي الكردستاني والسليمانية معقل الاتّحاد الوطني، وسيفتح خلالها جملة من الملفات الحيوية والهامّة.
وأعلن المتحدث باسم حكومة كردستان بيشوا هوراماني أنّ زيارة رئيس الوزراء الاتحادي إلى كردستان في وقت لاحق من الأسبوع الجاري “تتعلّق بالوضع السياسي في الإقليم بعد إجراء الانتخابات البرلمانية”.
وأوضح هوراماني لوسائل إعلام محلية أن السوداني سيلتقي خلال زيارته برئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني لبحث “كافة القضايا العالقة بين أربيل وبغداد”، واصفا الزيارة بـ”المهمة والإيجابية”، ومذكّرا بوجود تفاهم وصفه بالجيد بين الطرفين وقال إنه ساهم في تعزيز العلاقات بين حكومة الإقليم ونظيرتها الاتحادية.
وسبق للسوداني أن زار إقليم كردستان ثلاث مرات منذ توليه منصب رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة التي ساهم الحزب الديمقراطي الكردستاني في تشكيلها باعتباره جزءا من تحالف إدارة الدولة.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر وصفتها بالمطلعة أن رئيس الحكومة الاتحادية سيناقش مع مسؤولي الإقليم ملف رواتب الموظفين واستئناف تصدير النفط والتعداد السكاني إضافة إلى الوضع الحالي في المنطقة ككل.
ومع التوجّه للدخول في مسار تشكيل حكومة جديدة لكردستان العراق، عادت الورقة الاقتصادية والمالية لتبرز كوسيلة ضغط ممكنة وشديدة التأثير على أوضاع الإقليم.
وتساور دوائر سياسية في الإقليم مخاوف من استخدام تلك الورقة من قبل الأحزاب والفصائل النافذة في السلطة الاتحادية العراقية كوسيلة للتدخل في عملية تشكيل تلك الحكومة بما يزيد من تعقيد العملية وإطالة أمد التفاوض بشأنها ويضع الإقليم أمام محذور الفراغ في فترة حساسة ومتوتّرة محليا وإقليميا.
وتقود حكومة بارزاني جهودا مستمرة لحلّ المشاكل الاقتصادية والمالية العالقة مع الحكومة الاتحادية سواء تعلّق الأمر بموضوع الرواتب أو باستئناف تصدير نفط الإقليم المتوقف منذ السنة الماضية.
وفيما بدا أنّه بوادر تخفيف للضغط على الإقليم من قبل حكومة السوداني، وافقت الأخيرة الأسبوع الماضي على إجراءات تتعلق بإعادة تصدير نفط الإقليم، في وقت تتواصل فيه زيارات المسؤولين والوفود بين بغداد وأربيل لحلحلة قضية رواتب موظفي الإقليم التي وقفت قوى شيعية حاكمة في العراق وراء إدخال تعقيدات كبيرة عليها حالت دون تلقي هؤلاء الموظفين لرواتبهم بشكل سلس ومنتظم الأمر الذي وضع سلطات كردستان العراق تحت ضغوط اجتماعية كبيرة.