السودانيون يتخذون من المطابخ الجماعية وسيلة تكافل لمواجهة الجوع في زمن الحرب

الخرطوم - يكافح السودانيون وسط ظروف صعبة للحصول على الغذاء بشتى الطرق وأكثرها تفضيلا المطابخ الخيرية المنتشرة في أحياء المدن.
ويشهد السودانيون حربا مستمرة منذ نحو عامين خلفت أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وسط تحذيرات دولية من أن البلاد تنزلق بسرعة نحو المجاعة.
وتتفاقم الأزمة وانعدام الغذاء والرعاية الصحية والعلاج وينتشر سوء التغذية بنسب عالية بين الأطفال والحوامل والمرضعات بالعديد من المناطق في السودان، بسبب استمرار القتال لأكثر من 21 شهرا بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ويزداد الوضع سوءا لعدم إمكانية توصيل المساعدات الإنسانية إلى مناطق النزاع في الخرطوم وولاية الجزيرة (وسط) وولايات دارفور الخمس (غرب).
وترفض الحكومة السودانية الموالية للجيش أي حديث عن مجاعة بالبلاد خشية أن يعرّضها ذلك لمسائلة.
وقال وزير الخارجية السوداني علي يوسف في تصريح سابق إن “الولايات المتحدة وأوروبا تتحدثان عن حقوق الإنسان السوداني والمجاعة، هناك بعض المناطق بها فقر، ولكن الفقر موجود في الولايات المتحدة نفسها.”
وأضاف يوسف “لا توجد مجاعة في السودان بالصورة التي تحاول هذه الجهات تصويرها.”
ومع سوء الأوضاع الإنسانية، باتت المطابخ الجماعية المعروفة بـ”التكايا”، تشكل إحدى أدوات المجابهة التكافلية التي يتخذها السودانيون لتخفيف المعاناة عن بعضهم البعض.
ويحرص السكان في المناطق التي تشهد اشتباكات مستمرة على إقامة مطابخ ببعض المنازل لتوزيع الوجبات الغذائية اعتمادا على مساعدات الخيّرين من داخل السودان وخارجه، إلى جانب دعم المنظمات المحلية والدولية.

وتدير هذه المطابخ “غرف طوارئ” أنشأها ناشطون متطوعون بالأحياء السكنية في عدة مناطق بمدن الخرطوم وولايات دارفور وأجزاء أخرى من البلاد.
وتهدف تلك المطابخ إلى الحد من تصاعد الجوع وسوء التغذية وصعوبة الحصول على الطعام الأساسي.
وأعادت الحرب الحالية إحياء “التكايا” بشكل واسع، لتوزيع الآلاف من الوجبات إلى المحتاجين، وتعتبر جزءا من التراث الديني والثقافي في البلاد.
ويمتد تاريخ “التكايا” في السودان إلى أزمان بعيدة منذ مملكة سنار الإسلامية (1504 – 1821) مرورا بعهد الدولة العثمانية (1821 – 1885) وسلطنة دارفور (1898 – 1916).
وتعد “أم درمان” غربي العاصمة الخرطوم إحدى أهم المدن التي انتشرت فيها “التكايا” بعد الحرب، وهي التي استقبلت عشرات الآلاف من النازحين إلى جانب سكان المدينة الذين فضلوا البقاء، وزادت أعداد الوافدين إليها بعد إعادة الجيش سيطرته على أجزاء واسعة منها في الأشهر الأخيرة.
وعبر مبادرة خيرية، تدير المحامية سوهندا عبدالوهاب إحدى “التكايا” في أم درمان وتقدم الطعام للآلاف من السكان والنازحين.
وذكرت عبدالوهاب أن مبادرتها المسماة “أطعم غيرك من خيرك”، كانت تقدم الدعم الغذائي للمحتاجين في 12 مستشفى بالعاصمة الخرطوم قبل الحرب في أبريل 2023.
وعقب اندلاع الحرب وفقدان الكثيرين في مناطق الصراع مصادر رزقهم، قالت عبدالوهاب إنه لم يكن لديهم خيار سوى نقل مبادرتهم إلى الأسر السودانية المحتاجة.
وأضافت المحامية “في الأيام الأولى للنزاع، كنا نطبخ الطعام في منازلنا بسبب صعوبة التنقل، وكنا نجهز ونوزع 10 قدور من الطعام، ولاحقاً بعد تحديد مكان معين، بدأنا بطهي الطعام هنا في هذه التكية”.
وأردفت “يتراوح عدد المستفيدين من الطعام الذي نقدمه بين 7 إلى 10 آلاف يوميا، ونوزع يوميا حوالي 30 ألف رغيف.”