السنوات القادمة ستشهد انتشار الروايات الرقمية

الكاتب عبدالواحد استيتو يرى أن الكتابة السطحية لا تخدم الأدب التفاعلي بل إنها تشكل نوعا من الاستهانة بالقارئ وستوصل كاتبها إلى نفس النتيجة.
الثلاثاء 2018/05/22
أنا سجين للتفاعلية الرقمية وهذا يريحني

عبدالواحد استيتو كاتب مغربي من مواليد طنجة، فازت روايته “على بعد ملمتر واحد” مؤخرا بجائزة الإبداع الأدبي وهي رواية فيسبوكية تفاعلية، تعد الأولى من نوعها اعتمادا على هذا الشكل من التفاعل مع القراء.

يقول استيتو تعليقا على تتويج روايته بجائزة الإبداع الأدبي أثناء انعقاد مؤتمر “فكر 16” “لا أعتقد أن هناك مشاعرَ أخرى يمكن أن تستقبل بها خبرا كهذا غير الفرحة والاستبشار. كما أن الخبر فاجأني فعلا لأنني لم أكن أتوقع أن تجد الرواية لها مكانا وسط المئات، وربما الآلاف، من المبدعين العرب. الخبر أثلج صدري جدا نظرا إلى قيمة الجائزة الاعتبارية من جهة، ولأنه توّج رواية لها مكانة مميزة بالنسبة إلي من جهة أخرى، لأنها أول رواية أكتبها بعد تجربة قصصية دامت سنوات”.

التفاعلية الرقمية

 

مع التطور التكنولوجي ونشأة وسائل التواصل الاجتماعي، خلق نوع أدب جديد يسمى الأدب التفاعلي، الذي يقوم على التفاعل الرقمي بين الكاتب وقرائه، لكن هذا النمط الأدبي مازال في بدايات انتشاره عربيا. “العرب” حاورت الكاتب المغربي عبدالواحد استيتو حول روايته الفيسبوكية “على بعد ملمتر واحد” في محاولة لخوض غمار هذا النمط الروائي

ردا على سؤالنا له حول ما يعنيه هذا التتويج بالجائزة من اعتراف ليس فقط بجودة عمل روائي وإنما إقرار بوجود مؤثر لهذا النمط من الأدب التفاعلي.. يوضح استيتو أن هذا التتويج هو فعلا تتويج للأدب التفاعلي بالدرجة الأولى، فأكيد أن روايات كلاسيكية كثيرة كانت في المنافسة، لكنها لم تحظ بالفوز، بل إن أحد أهم أسباب الفوز هو تفرّد التجربة في جانبها التفاعلي حسب ما بيّنت لجنة التحكيم.

بدأ عبدالواحد استيتو كتابة رواية “على بعد ملمتر واحد” على الفيسبوك من خلال نشر حلقات لفصول متتابعة إلا أنه بعد انتهاء آخر فصولها اتجه نحو نشرها ورقيا رغم أن آليات الكتابة كلها تقريبا معتمدة على التفاعلية، وحققت نجاحها الأكبر من خلال هذا التفاعل، وهنا يلفت عبدالواحد إلى أن الجميل في التفاعلية الرقمية أنها أخطبوطية بشكل كبير، وممتدة زمانا ومكانا أيضا، متابعا “لعلي أفاجئك لو قلت لك إن من اختار أن تطبع الرواية ورقيا كان هم نفسهم القراء الذين تابعوها على فيسبوك. فبعد أن عاشوا مع الرواية فصولها كلها وتفاعلوا معها ومع أبطالها، وبعد أن انتهت الرواية، أسرّ لي الكثير من القراء أنهم أحسوا بما يشبه الفراغ، بعد أن كان لهم موعد مع فصول الرواية كل يومين”.

ويتابع استيتو “فهمت أنه سيكون من الجميل لو قمنا بطبع الرواية واحتفظ بها القراء في مكتباتهم، لذا واصلت التفاعلية من خلال استطلاع للرأي كان على شكل سؤال موجه لقراء الرواية وهو ‘هل تفضلون طباعة الرواية ورقيا؟ نعم أو لا؟‘. فكانت نسبة الإجابات التي وافقت على نشر الرواية ورقيا كبيرة جدا، فما كان لي إلا أن أنصاع لرغبتهم ورغبتي أنا أيضا في أن أرى تلك التجربة ملموسة بين يديّ”.

نسأل ضيفنا إن كان ثمة اهتمام نقدي بهذا النمط من الكتابة التفاعلية؟ وهل هناك أصوات نقدية قادرة على تجاوز الآليات التقليدية في النقد وتفعيل آليات جديدة تتناسب مع معطيات العصر؟ ليجيبنا “لنقل إن روايتي حظيت باهتمام نقدي لا بأس به، ولو أنه يبقى محدودا جدا، بحكم قلّة النقاد المتابعين لهذا النوع من الأدب. عربيا، كتب عن الرواية الدكتور إبراهيم ملحم في كتابه ‘النظرية الرقمية‘، كما قدمت الدكتورة سعاد أبوركب مداخلة بخصوصها في مؤتمر اللغة العربية بالجوف بالسعودية، وتواصل معي عدد من أساتذة الجامعات الذين يدرسون الأدب الرقمي من أجل مدهم بما يحتاجون من أجل تدريس الرواية، أو حتى اعتمادها في رسالة الدكتوراه، كما هو الحال بالنسبة إلى الدكتور محمد هندي من مصر، وهناك مقالات نقدية أيضا كتبت عن الرواية في منابر مختلفة. وعالميا، تم تناول الرواية أكثر من مرة في جامعة روشستر للتكنولوجيا بنيويورك، كما تم إلقاء محاضرة عنها بإيرلندا كرواية تدخل في ما يعرف بمصطلح ‘الكوزمو-أدب‘”.

القراء والكتابة

رواية فيسبوكية تفاعلية
رواية فيسبوكية تفاعلية

يُبين استيتو أن الرواية الأولى التي كتبها كانت تفاعلية، وبالتالي تبدو إليه الرواية الكلاسيكية حلما بعيد المنال. لا يتصور نفسه يكتب رواية وهو منفرد بنفسه دون وجود قراء يحفزونه على المواصلة. مضيفا “لقد كان أهم الأسباب التي تمنعني من كتابة الرواية في وقت سابق هو التقاعس والكسل، وهما الأمران اللذان استطعت التغلب عليهما بواسطة التفاعلية والتحفيز، فبمجرد تأخري عن كتابة أحد الفصول – ولو لساعة – أجد عددا من رسائل القراء تخبرني بأنهم في انتظار الفصل القادم، فلا يكون أمامي سوى المواصلة. وبالتالي أظن أنني -على الأقل في هذه المرحلة- سجين للتفاعلية الرقمية، وهو أمر يريحني وليس العكس”.

الاهتمام بالتفاعلية وآراء القراء إلى الحد الذي يدفع للتعديل في مسار الرواية بناء على آرائهم قد يحمل رؤية حول أهم العناصر التي يظن استيتو بأن لها الصدارة في كتابة العمل الروائي. يشير هنا إلى أنه من خلال تجربته في الرواية الفيسبوكية التفاعلية يرى أن الخلطة السرية لنجاح هكذا رواية هي الحبكة والتشويق المرفوقان بأسلوب بسيط دون ابتذال. فيسبوكيا، الإطناب اللغوي والتلاعب بالمصطلحات مرهقان للقارئ، وقادران على جعلك تفقده بضغطة زر.

وعلى الجانب الآخر يرى استيتو أن الكتابة السطحية لا تخدم الأدب التفاعلي بل إنها تشكل نوعا من الاستهانة بالقارئ وستوصل كاتبها إلى نفس النتيجة أي فقدان اهتمام القراء. لذا يقر أنه من الأفضل أن تكون نهاية كل فصل مشوقة وقادرة على جعل القارئ ينتظر الفصل اللاحق بل ويبحث عنه، وإلا فإنه أيضا سيتوه وسط الآلاف من المنشورات الفيسبوكية.

نسأل استيتو هنا هل الكتابة التفاعلية تضيف شروطا جديدة على الكتابة التقليدية قد تكون أكثر صعوبة؟ ليلفت إلى أنه خلال فصول الرواية كان يجرب أحيانا أشكالا من الكتابة. فمثلا، في أحد الفصول حاول أن يتلاعب بالأسلوب قليلا ويقلّل من تسارع الأحداث.. فكانت جل ملاحظات القراء تجمع على أن الفصل ممل! ففهم أن هناك قواعد جديدة وخلطة مختلفة ينبغي أن يتبعها الكاتب إن كان يريد كتابة رواية فيسبوكية.. وإلا فالكتابة الكلاسيكية هي الخيار إن كان لا يريد أن يخضع للشروط السابقة.

ويرى الكاتب المغربي أن الأدب الرقمي بشكل عام بدأ يحقق تراكما وسنكون على موعد في السنوات القليلة المقبلة مع كمّ هائل من هذا النوع من الأدب، لافتا إلى أنه حاليا يعد لتجربة جديدة ستكون عبارة عن أول رواية في العالم تكتب على شكل تطبيق ذكي يتم تحميله في الهواتف، وستكون بعنوان “طينجو”، تحكي عن قصة فتاة ذات إعاقة تتعرض للاغتصاب.. أما تتمة الحكاية فتفاعل القراء معها هو من سيرسمها.

15